الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

التربية مسؤولية لا تخضع للعشوائية وتستوجب الدورات التوعوية الأطفال حقل تجارب حديثى الزواج عديمى الخبرة

 وسط متطلبات الحياة والالتزامات المادية المعقدة التى يدخل فى دوامتها المقبلون على الزواج، تضيع قضية بالغة الأهمية لا ينتبه إليها حديثو الزواج، ليجدوا أنفسهم أمام معضلة كبرى تتمثل فى كيفية تربية أطفالهم، ومن ثم يتحول الطفل الأول فى الكثير من الأحيان لحقل تجارب والدين قليلى الخبرة بهذا الشأن، وفى أفضل الأحوال تتدخل الجدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتلافى الأخطاء الناتجة عن غياب هذه الخبرة.



ورغم تعدد الجهود والبرامج التى حرصت وزارة التضامن الاجتماعى على القيام بها، من أجل توفير مناخ آمن يضمن الحقوق الكاملة للطفل، ومنها برنامج التربية الأسرية الإيجابية، الذى تم تدشينه بالتعاون مع منظمة اليونيسف، إذ بلغ عدد المستفيدين منه 52 ألف أسرة، خلال عام 2021، إلا أن توعية حديثى الزواج بكيفية تربية أطفالهم تربية سليمة لا تزال بحاجة للمزيد من الجهود، خصوصاً أن الكثيرين من حديثى الزواج يعتمدون على خبرات الوسط المحيط بهم وهى ليست بالضرورة خبرات إيجابية، وفى جميع الأحوال لا تغنى عن التزود بخبرات وتوجيهات الخبراء المختصين.

 

ويؤكد الخبراء التربويون فى تحقيق أجرته «روزاليوسف»، أن تربية الأطفال ليست عملية عشوائية، أو اعتباطية، لكنها مسئولية جسيمة، وشاقة وعظيمة تحتاج لإعداد وتكوين واستعداد، بما يضمن تمتع الطفل بصحة نفسية وجسدية جيدة، وبما ينتج جيلاً سويًا فكريًا نفسيًا.  

اعتقاد خاطئ

 تشير د. رحاب العوضى، أستاذ علم النفس السلوكى، إلى الاعتقاد الخاطئ لدى البعض المتمثل فى أن تربية الأبناء تأتى بالتوارث والاحتكاك بالأشخاص، خصوصاً أن فكرة الزواج لدى البعض ترتبط بدوافع الحب، أو تأتى استجابة لرغبة الأهل، كما أن التعلم، والتثقيف فى تربية الأطفال شيء نادر، ولا يفكر فيه إلا عدد قليل من المقبلين على الزواج، وذلك يرجع إلى أن الشباب ينظر إلى أن الزواج شيء والإنجاب شيء أخر.

وتوضح أن رحم الأم يعتبر البيئة الأولى التى تحتوى الإنسان؛ حيث يتأثر الجنين بالذبذبات المحيطة سواء كانت أصواتا  عالية أو منخفضة، كما أن الجنين يستكشف الحياة الخارجية عبر الحبل السُرى الذى ينقل إليه الهواء والطعام والسكينة، فكلما كانت التغذية سليمة والهواء نقيا زادت نسبة الأكسجين المنقولة إلى مخ الطفل، وكلما كانت الأم هادئة النفس وغير عصبية ولا تمر بأوقات صعبة، يصبح الجهاز العصبى للطفل أكثر استقرارًا وهدوءًا. وتؤكد العوضى أن عدم تأهيل الوالدين للتربية يعرض الطفل لمشاكل نفسية وجسدية، وينتج عنه سلوكيات غير سوية تؤثر على المجتمع والآخرين، بما يجعلها تصنع الخلاف بين الناس وتنشر العدائية، كما أن أهم خطوات التأهيل هى الاعتراف بالحاجة للتوجيه  والتعلم  والإرشاد والاعتراف بالتقصير، والتعرف على سبل التربية من خلال دورات تدريبية قبل الزواج وفى مراحل التعليم المختلفة.

نتائج سلبية

 من جهتها ترى د. ندى الجميعى،خبيرة العلاقات الأسرية، أن عدم التأهيل لتربية الأطفال من شأنه أن يحدث تخبطاً فى التربية، ومن ثم ينتج  طفلاً غير سوى  نفسيًا، وهناك العديد من الأساليب الخاطئة فى تربية الأطفال، تتمثل فى السب، الضرب، التنمر، والاستهزاء بالطفل ومقارنته بغيره، وعدم مساعدته فى تحديد هويته وأهدافه، كما أن دمج الأطفال فى المشاكل الزوجية يؤثر عليهم نفسيًا وتدمر مستقبلهم.

وتوضح أن خطوات التربية السليمة تبدأ من التعبير عن حب الطفل، ومعاملة الشريك الآخر بلطف أمام صغاره، مرورًا بعدم مشاهدة الطفل لأى مشاهد عنف، وتدريبه على الاعتماد على ذاته، وصولًا إلى تنمية  فن الاختيار، واتخاذ القرار، وتحمل المسئولية، وعدم إجباره على شىء لا يرغب فيه إلا من خلال مناقشته وإقناعه.

وتضيف الجميعى،أن غياب تأهيل الزوجين قبل الإنجاب يأتى نتيجة الرومانسية غير الواقعية، حيث يصطدم الطرفان بالواقع بعد الزواج، وتبدأ المشاكل الزوجية، التى يلجأ البعض لحلها عن طريق الإنجاب استجابة لنصائح الأخرين، ومن ثم تتراكم هذه المشاكل مع ولادة الطفلين الثانى والثالث؛ لأن الطرفين غير مؤهلين للتربية.

مهمة إنسانية

فى السياق ذاته يوضح د. محمود الصاوى أستاذ الثقافة الإسلامية، الوكيل السابق لكليتى الدعوة والإعلام بجامعة الازهر، أن الثقافة الإسلامية تؤكد على  ضرورة توافر المنظومة الدينية والقيمية والأخلاقية  لدى كل من الشاب والفتاة  قبل  الإقدام على إقامة الرابطة الزوجية، التى  تمثل حجر الزاوية فى بناء وتربية وتنشئة أجيال  ممتازة قيميًا وأخلاقيًا وسلوكيًا، كما أن الاستعداد الجيد  للتربية، والتشارك  بين  الزوجين  فى رؤية موحدة ومنطلق  قيمى واحد، من شأنه يوفر الكثير من  الجهد والوقت والإنجاز ويقطع الطريق على الفوضى والتخبط.

ويقول د. الصاوي: «إن استراتيجية بناء الأسرة المسلمة تعتمد على رؤية استباقية غاية فى الدقة والضبط والإحكام لأنها ترعى الطفل رعاية قبلية أن جاز التعبير، تهيئ له البيئة الصالحة قبل مجيئه فتوصى كلاً من الشباب والفتيات ابتداء بحسن الاختيار، هذا هو «باس وورد» النجاح الأسرى خاصة فى تحقيق الأمن الأسرى وفى القلب منه تنشئة وتربية الأجيال، وقال النبى ﷺ: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه» وقال فى حق المرأة» تنكح المرأة لأربع لحسبها وجمالها ومالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك».

ويضيف: «عملية تربية الأطفال من أصعب المهمات الإنسانية التى لا يجب إخضاعها للعشوائية والفوضى، بل لا بد من الحصول على تدريب ودورات متخصصة خاصة فى هذا العصر الذى يشهد انفجارًا معلوماتيًا ومصادر متعددة عبر مختلف وسائل الإعلام القديم والجديد والبرامج والمنصات الإعلامية المتنوعة التى تمارس شئنا أم أبينا عمليات التربية وتحدث تأثيرات قوية وملحوظة على الناشئة»

ويقول: «جيلنا كان ينعم بوجود الأسرة الممتدة حيث هذا العطاء المتدفق من العائلة الكبيرة بخبراتها المتنوعة التى يذخر بها الجيل السابق من الأجداد والجدات، مخازن القيم الأصيلة التى كانت تصدر شائعاتها وتأثيراتها على الأطفال وتخرج منهم شبابًا أسوياء مشبع بالقيم الأخلاقية، واعتقادنا الخاطئ أننا يمكن أن نربى أولادنا وبناتنا دون أن نؤهل أنفسنا ونسلحها بالدورات والعلوم والمعارف ويمكن أن ننجح دون إعداد هذا أكبر وهم نعيشه».

التأثر بالنموذج

يقول د. تامر شوقى أستاذ علم النفس التربوى بجامعة عين شمس: إن التعلم فى المراحل الأولى للطفل يكون عن طريق التأثر بالنموذج أو القدوة؛ حيث يتأثر بسلوك والديه الذى ينعكس على الطفل بالإيجاب أو السلب، كما يتسع هذا النموذج فى سن المدرسة ليشمل معلمى الدراسة.

ويضيف : التشدد فى معاملة الطفل، والعقاب المستمر على ما يقوم به من سلوكيات، أو التساهل الدائم مع أخطائه، من شأنه أن يحدث تشتتاً فى ذهن الطفل بما يجعله يفقد القدرة على التميز بين الصواب والخطأ، كما أن التذبذب فى المعاملة بين الوالدين، يؤدى إلى حدوث مشاكل واضطرابات نفسية تجعل الطفل يفقد ثقته فى ذاته ويمحى شخصيته.

ويؤكد د. تامر، ضرورة التثقيف والتعلم حول تربية الأطفال، وكيفية التعامل معهم، كما أن تنوع المصادر يمكن من خلالها استقاء المعلومات، والتى تتضمن الاطلاع على الكتب، وتشمل الحصول على الدورات التدريبية المتخصصة، فضلًا عن المحتوى المرئى الذى يوفره موقع اليوتيوب، مع ضرورة اختيار القنوات الموثوقة بها، وانتقاء المؤهلين من صناع محتواها، حتى يضمن المتلقى الحصول على المعلومات الدقيقة، وبما يعود بالنفع عليه وعلى أسرته.

أصول التربية

من جانبه يوضح د. حسام سمير، أستاذ أصول تربية الطفل المساعد فى كلية التربية للطفولة المبكرة بجامعة دمنهور، أن عقل الطفل فى سنواته الأولى يتطور بشكل هائل؛ حيث تتشكل روابط جديدة بين الخلايا العصبية فى المخ بمعدل يصل إلى مليون رابطة جديدة فى كل ثانية، كما أنه معدل لا يتكرر فى أى مرحلة عمرية بعد ذلك، كما أن كل احتضان، قبلة، ومع كل وجبة مغذية تقدم للطفل، وكل لعبة يلعبها، تساعد فى بناء دماغه.

ويشير إلى أهمية اللعب فى حياة الطفل الذى يعد أكثر من مجرد وسيلة للتسلية، كونه يساهم فى نمو الطفل، حيث تتوزع فوائده على مراحل الطفولة، كما يساعده على إدراك ذاته، وتميزها عن ذوات الآخرين، ويتعرف الطفل من خلاله على حقوقه وواجباته الاجتماعية، كما يتعلم كيفية تكوين العلاقات والحفاظ عليها أثناء اللعب مع الأصدقاء، فاللعب وسيلة مهمة لتفريغ المشاعر والطاقات السلبية لدى الأطفال كالغضب والعدوان والتوتر أو الانفعال، والطاقات الزائدة، كما يتعلم من خلاله مهارات التواصل واللغة.

 ويعدد د. حسام سمير، أشهر الأخطاء فى التربية، ومنها: ضعف الاتصال بين الآباء والأبناء حيث لا يدرك الكثير من الآباء أهمية التواصل والحوار مع الأبناء، وينظرون إلى هذا الحوار على أنه ليس له قيمة، متناسين أن ذلك قد يؤدى إلى تفكك العلاقات بين الأسرة الواحدة، وإلى انتشار البغض والحقد بين أفرادها، كما يجب الانتباه إلى عدم مراعاة المرحلة السنية للطفل، حيث يجب على الوالدين مراعاة المراحل التى يمر بها الطفل، وألا تسير المعاملة على وتيرة واحدة منذ مهد الطفولة حتى تخرجه من الجامعة،على أن يتم التعامل مع كل مرحلة بما يصلح لها، وبما يترتب على هذه المراحل من تقدير العقاب الذى يصلح للطفل إذا أخطأ.

ويؤكد أن مقارنة الطفل بغيره قد يؤدى إلى إحباطه، وشعوره بالدونية، مما يخلق لديه نوعًا من العنف لإثبات الذات، كما أن مقارنته دائمًا بالآخرين تجعله يفقد الثقة بنفسه، مما يؤثر على تكوينه، وبما يجعله لا يحسن إلا تقليد الآخرين، مفسرًا أن عدم العدل بين الأبناء يعرف بالسلوك البغيض الذى يؤدى إلى الغيرة، ويولد روح العداء بينهم ويكون سببًا للعقوق، لكراهية بعضهم لبعض، حيث يجب على الوالدين أن يكونا على قدر كبير من التوازن والحكمة فى تربية الأطفال وفى معاملتهم.

ويقدم د. حسام سمير، روشتة  النصائح التربوية حتى لا يقع  الطفل فى حقل تجارب والديه ، فالطفل لابد أن يتعلم احترام الأكبر سنًا، ويتفهّم أوضاعهم وظروفهم وألا يتعرّض لهم بالإزعاج، مع التأكيد على ثقافة الاعتذار عند ارتكاب الخطأ تجاه الآخرين؛ حتى يعلم أن الاعتذار ليس علامة ضعف، وأنه دلالة على قوة الطبع والشخصية، إضافة إلى تعود الطفل على طلب الشيء بتهذيب وأن يشكر الآخرين على عطاءاتهم، مرورًا بتربيته على عدم التميز بين الناس على أساس اللون أو العرق أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية، وصولًا إلى التعاطف مع الضعيف والمحتاج، بما يجعله يدرك أن هناك من هم أقل حظًا منه ولا بدّ من تقديم المساعدة لهم.