الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المجلات القبطية.. التاريخ المجهول للصحافة

المجلات القبطية.. التاريخ المجهول للصحافة

منذ 129 عامًا وبالتحديد سنة 1892؛ صدرت «النشرة الدينية الأسبوعية» للقمص يوسف حبشى لتكون أول مجلة مسيحية أرثوذكسية فى مصر، وسبقتها بـ27 عامًا «النشرة الإنجيلية المصرية» التى صدرت عام 1864 عن الطائفة الإنجيلية، أما الكنيسة الكاثوليكية فقد كان أول إصدراتها مجلة «الأسد المرقسى» عام 1899، هذه المطبوعات الثلاث دشنت المجلات المسيحية فى مصر والتى بلغ عددها 76 مطبوعة حتى الآن، وذلك حسب الإحصاء الذى قام به الكاتب والباحث روبير الفارس فى كتابه «المجلات القبطية.. دراسة تاريخية ومختارات» والذى صدر مؤخرًا عن دار «روافد»، وللأسف معظم هذه الإصدارات أغلقت ولم تستمر لأسباب مختلفة، والقليل منها ما زال صامدًا. اللافت للنظر أن الغالبية العظمى من هذه المجلات لا يعرف المهتمون بالصحافة عنها الكثير حتى الأكاديميين والمتخصصين فقد كانت تصدر وتوزع داخل الكنائس ومكتباتها،



ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى يكشف الدور الذى لعبته هذه المجلات فى حياة المسيحيين وتوجهاتهم ويوضح مدى ارتباط هذه المطبوعات بالبلد وقضاياها العامة، فلم تكن موادها المنشورة دينية فقط رغم غلبة هذا الاتجاه عليها.. كتاب روبير يسد ثغرة كبيرة فى الدراسات الصحفية إذ لم يسبقه فى هذا الاتجاه سوى الدكتور رامى عطا فى كتابه المتميز «صحافة الأقباط.. وقضايا المجتمع المصرى» والذى اهتم فيه بالجرائد القبطية سواء كانت عامة أو متخصصة من عام 1877 إلى عام 1930، ولكنه لم يتطرق إلى المجلات أو الجرائد التى صدرت بعد هذا التاريخ، أما كتاب روبير فيغطى مساحة كبيرة غير مطروقة من قبل، وحسب الدكتورة نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فى مقدمتها للكتاب فإن المؤلف ومن خلال المقالات التى نشرها كمختارات من المجلات «كشف الارتباط العميق بين الانتماء الوطنى والانتماء العقائدى لدى الأقباط، حيث يصير الدفاع عن الوطن هو الوجه الآخر للتقرب من المسيح»، أيضًا أوضحت المقالات الدور الاجتماعى الذى لعبه الأقباط خصوصًا فى مجال التعليم وهو ما يتضح من عدة مقالات مثل ما كتبه جرجس فيلوثاوس فى مجلة «اليقظة» عن البابا كيرلس فى القرن التاسع عشر وكيف بنى مدارس ولم يميز بين مسلم ومسيحى وفقير وغنى.

وتضيف الدكتورة نيفين «أن المقالات أيضا تقود إلى مناقشة الصراع داخل الكنيسة بين تيار الإصلاح وتيار التشدد وهو ما انعكس على صفحات المجلات مثل مجلة مدارس الأحد التى لعبت دورًا نهضويًا واهتمت بكشف السلبيات داخل المجتمع الكنسى»، وتستطرد الدكتورة نيفين فى مقدمتها «أن الكتاب يكشف عن وجود تيارات سياسية مختلفة بين الأقباط وهو ما انعكس على المجلات القبطية وأثر فيها، فقد ساند الأب متى المسكين أفكار جمال عبدالناصر التى كانت تؤمن بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وجعل من مجلة مرقس منبرًا للدفاع عن عبدالناصر، كما أنه رثاه عند وفاته رثاء حارًا، وعلى الجانب الآخر اصطدمت مجلة مدارس الأحد بعبدالناصر عام 1953 وهنا طلبت إدارة المطبوعات إبعاد رئيس تحريرها آنذاك مسعد صادق وهو ما كان وتولى مكانه نظير جيد الذى أصبح البابا شنودة فيما بعد». لكن كيف تصدر هذه المجلات ومن يملكها؟ يكشف روبير جهة إصدار كل مجلة سواء كانوا أفرادًا أو جمعيات، أما طريقة الحصول على الترخيص فإنها تتم وفقًا للملابسات والفترة الزمنية التى صدرت فيها المطبوعة، فقد استمر العمل بنظام الترخيص الحكومى من عام 1881 إلى عام 1931 ليحل محله الإخطار المقيد حتى صدور قانون تنظيم الصحافة عام 1960، والذى أعاد نظام الترخيص مرة أخرى وإن تعددت السلطات المانحة له بدءًا من الاتحاد القومى ثم الاتحاد الاشتراكى والمجلس الأعلى للصحافة وانتهاء بمجلس الوزراء الذى يمنح الترخيص للشركات المساهمة التى تصدر الصحافة، وبجانب موافقة الجهات المانحة للترخيص فإن المجلات الدينية تحتاج أيضًا إلى موافقة القيادة الدينية سواء البطريركية أو المطرانية، أما عن مضمون ما نشرته هذه المجلات فيرى إسحق الباجوشى عضو لجنة التاريخ القبطى بالكنيسة فى تقديمه للكتاب «أن المجلات القبطية تنوعت مضامينها وأهدافها بين الإصلاحية والأدبية والسياسية والاجتماعية والنسائية والطبية»، ومن أهم ما فعله الفارس فى الكتاب هو نشره مقالات اختارها من هذه المجلات والتى تنوعت بين التاريخ والأدب والفن والأخبار العامة والسياسة والأسرة والمرأة والقصص، وتضمنت هذه المقالات كنوزًا تكشف عن أسرار كثيرة مثل أن الفتنة الطائفية سابقة على ثورة 23 يوليو ويظهر ذلك فى مقال كتبه نظير جيد فى مجلة مدارس الأحد فى يناير 1952 قبل أن يترهبن ويصبح بعد ذلك بتسعة عشر عامًا البابا شنودة الثالث، وعبر فيه عن غضب الكنيسة والمسيحيين بسبب حرق كنيسة فى السويس وموجهًا اللوم للمسئولين السياسيين والأمنيين بسبب تقصيرهم، وهو الحادث الذى أشارت بعض المصادر إلى دور الإخوان المسلمين فيه وفى تأجيج الفتنة ضد الأقباط، وأخيرًا أضم صوتى إلى روبير الذى يرى أننا نحتاج إلى مشروع قومى تتولاه وزارة الثقافة أو الهيئة المصرية العامة للكتاب أو مكتبة الإسكندرية وهو إتاحة نسخ ورقية لكامل المجلات والصحف القبطية أو على الأقل ديجتال ليكون تحت يد الباحثين والمهتمين باعتبارها جزءًا مهمًا من تاريخ مصر.