الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أزمة الوقود تهدد اقتصاد العالم: أزمة الطاقة تجتاح كبرى الدول الصناعية.. وأوروبا والصين أولى الخاسرين

على مدار عامَين والعالم يواجه العديدَ من الأزمات المتلاحقة، فمنذ تفشّى فيروس «كورونا» وأصبحت الحكومات والشعوب على المَحك تواجه خطرًا تلو الآخر.. وما إن أصبحت الدول فى فترة انتعاش نوعية بعد انحسار الوباء العالمى.. حتى بدأت الأزمات الاقتصادية تواجه العديد من الحكومات.. وزاد من تفاقمها ظهور أزمة الوقود بجميع صوره فى بلدان تعتبر من القوى الدولية العظمى، سواء فى دول أوروبا أو شرق آسيا وحتى أمريكا.. الكل الآن يتصارع لاحتواء الأزمة بجميع السبل التى تضر بمستقبل الاقتصاد العالمى بصورة قد تؤدى إلى أزمة ركود اقتصادى ربما تضاهى أزمة 2008.



وعلى مدار أسابيع واجهت حكومات القوى العالمية العديد من المشكلات الناتجة عن أزمة الوقود؛ حيث ساهمت ارتفاع أسعار الطاقة فى زيادة التضخم، وأضر بالاقتصاد الدولى الذى شاهد فترة صعبة منذ بداية انتشار جائحة «كوفيد- 19». 

ورُغم ما تمتاز به حكومات الدول العظمى من دراسات واستراتيچيات لمواجهة مَخاطر المستقبل؛ فإنها وقفت عاجزة عن تدبر أمورها بعد تفاقم أزمة الطاقة بصورة سريعة ومتلاحقة.. الأمرُ الذى أثبت عدم وجود رؤية مستقبلية واضحة لمواجهة هذه الأزمة، وحسر تداعياتها الخطرة على الشعوب.

 أسباب متشابكة

وفى تقرير لصحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية، قال دانيال يرچن، مؤلف كتاب «الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصدام الأمم»، إن أزمة الطاقة أصبحت تنتقل من سوق إلى أخرى بصورة سريعة ومرعبة، وتسارع الحكومات لتقديم الدعم من أجل تجنب رد فعل سياسى هائل، وهناك حالة من القلق الكبير بشأن ما يمكن أن يحدث فى الشتاء، بسبب شىء ليس لدينا سيطرة عليه وهو الطقس.

وعلى مدار الأشهُر الماضية واجهت الدول فى الغرب الأوروبى والشرق الآسيوى عددًا من الأزمات، منها تغيُّر المناخ بصورة قوية وتعرّض عدد من البلدان لموجات برد قاسية أو موجات حرارة عالية خلال العام الماضى، الأمْرُ الذى استعدَى استهلاكًا متزايدًا للطاقة.

كما أثر التغيُّر المناخى أيضًا فى إنتاج الغاز فى الولايات المتحدة؛ حيث أعاقت موجة البرد الشديدة فى ولاية تكساس إنتاج الغاز فى الولايات المتحدة، مما أدى إلى انخفاض صادرات الغاز الطبيعى المسال الأمريكى إلى آسيا وأماكن أخرى خلال فبراير الماضى، كما أدت ظروف الجفاف فى الصين وأمريكا الجنوبية إلى انخفاض إنتاج الطاقة الكهرومائية، وجذب إمدادات الغاز المتداول عالميًا إلى تلك الأسواق.

وبسبب سلسلة الأعاصير التى واجهتها أوروبا خلال العام الجارى، أدى الأمْرُ إلى إغلاق مصافى النفط فى الخليج، وتحوُّل نحو الأسوأ فى العلاقات بين الصين وأستراليا أدى ببكين إلى وقف استيراد الفحم من «داون أندر»، وبسبب قلة الرياح أيضًا تقلص إنتاج بحر الشمال من الطاقة الكهرومائية المولدة للكهرباء.

 الغاز والكهرباء.. أزمات متوالية

كما تأثر الغاز الطبيعى أيضًا من هذه المشكلات؛ خصوصًا فى أوروبا؛ فقد أصبحت مرافق تخزين الغاز الطبيعى الأوروبية فى أدنى مستوياتها خلال عقد من الزمن، وفى حال كان الشتاء الأوروبى باردًا بشكل غير عادى هذا العام أيضًا؛ فقد تكون مخزونات الغاز الطبيعى غير كافية لتلبية الطلب، مما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار وإجبار الزبائن؛ خصوصًا الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، على تقليص استخدامهم للكهرباء وإنتاجهم التصناعى.

وفى سوق الغاز الطبيعى العالمى؛ فإن ما يحدث فى أوروبا لا يبقى فى القارة وحدها. وستظهر الأسعار المرتفعة اللازمة لسَحب إمدادات الغاز إلى السوق الأوروبية فى الأسواق الأخرى التى تتنافس على تلك الإمدادات. وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعى فى الولايات المتحدة بالفعل إلى 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى مستوى منذ سبع سنوات.

ويرى محللون أن أزمة نقص امتدادات الغاز فى أوروبا، تعتبر الأخطر منذ عقود، يقابلها فى الناحية الأخرى مستفيدون من ارتفاعات أسعار الغاز العالمية، من جانب الدول المُصدرة؛ حيث تضاعفت أسعار الغاز عدة مرات منذ بداية جائحة كورونا حتى وصلت إلى نحو 400 % هذا العام فى أوروبا وحدها، كما صاحب ذلك انخفاض المخزون مع زيادة الطلب مع عودة النشاط الاقتصادى الصناعى بعد جمود أثناء فترة تفشى جائحة كورونا.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى احتماليات تواصُل استمرار ارتفاع الأسعار خلال الأشهُر المقبلة وقبيل حلول فصل الشتاء، بما يزيد الضغوطات على المستهلكين.  ارتفاع غير مسبوق

كما تواجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أزمة تتفاقم يومًا تلو الآخر مع تصاعُد أزمة الغاز، وبشكل خاص بالقارة العجوز.

وقال الرئيس التنفيذى لمركز «كوروم للدراسات الاستراتيچية» فى لندن، طارق الرفاعى، عن أبعاد أزمة الغاز الطبيعى فى أوروبا، موضحًا أن العالم يشهد ارتفاعًا فى أسعار الوقود بشكل كبير، وأن الارتفاعات القياسية فى سعر الغاز تؤثر تأثيرًا مباشرًا على كثير من الدول فى أوروبا على وجه التحديد.

وشهدت أسعار العقود الآجلة للغاز فى أوروبا وبريطانيا، مطلع الشهر الجارى، ارتفاعات قوية لتصل إلى مستويات قياسية جديدة؛ حيث زادت عقود الغاز الهولندية والبريطانية بأكثر من 25 % بعد أن لامست مكاسبها 40 %.

وأمام هذ الأزمة الحرجة تقف القارة الأوروبية شبه عاجزة أمام الارتفاع الجنونى فى أسعار الغاز، ما يهدد مئات آلاف العائلات من عدم تحمُّل ارتفاع كلفة التدفئة خلال فصل الشتاء أو تخوُّف دول عدة فى الاتحاد الأوروبى من عدم تمكنها من تأمين مصادر الطاقة الأساسية لمواطنيها. وسيكون لفرنسا نصيبها من هذه الأزمة مع اعتماد أكثر من ثلث سكانها على هذه المادة للتدفئة. وإذ تكمن معظم مسببات هذا الارتفاع فى أوجه اقتصادية وتقنية؛ فإن العوامل السياسية قد يكون لها دورٌ مُهم وفقًا للعديد من الخبراء والمحللين.

 بريطانيا.. أزمات غير مسبوق

شهدت بريطانيا على مدار شهرين أزمة غير مسبوقة فى قطاع الطاقة، أدى الأمْرُ إلى امتداد طوابير السيارات لأميال خارج بعض محطات الوقود، ولم يتمكن العديد من محطات الوقود من مواكبة الطلب واضطرت إلى الإغلاق.

ورُغم تصريحات شركات النفط، ومن بينها شل، وإكسون موبيل، وجرين إنيرچى، أنه لا يوجد نقص فى البنزين، موضحين أن الضغوط على الإمدادات ناتجة عن «ارتفاع مؤقت فى طلب العملاء - وليس عن نقص فى الوقود على المستوى الوطنى»؛ فإن جمعية تجار التجزئة للوقود صرحت سابقًا بأن الوقود نفد فى نحو ثلثى المنافذ من بين نحو 5500 منفذ مستقل، وإن البقية «سينتهى فى بعضها الوقود وسرعان ما سينفد»، كما أعلنت جمعية أصحاب محطات البنزين أن أعضاءها أفادوا بأن 26 % من المحطات خالية من الوقود، و27 % لديها نوع واحد فقط فى خزاناتها و47 % لديها ما يكفى من البنزين والديزل.

وفى وقت سابق، أعلنت شركة النفط «بى بى» أنها ستضطر إلى إغلاق عدد قليل من محطات الوقود «مؤقتًا» بسبب نقص سائقى الشاحنات، ليس هذا فحسب. 

وبدأت الأزمة تتفاقم فى بريطانيا تحديدًا، بسبب نقص سائقى الشاحنات؛ حيث تشير التقديرات إلى أن هذا النقص يبلغ حاليًا أكثر من 100 ألف سائق، وذلك بعد انتهاء عقودهم وبسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، الأمرُ الذى أدى برئيس الوزراء البريطانى لاتخاذ عدة إجراءات استثنائية، منها إصدار تأشيرات مؤقتة لسائقى الشاحنات لمدة ثلاثة أشهُر فقط، وهو الأمر الذى لم يلقَ أى نتيجة إيجابية، والثانى هو الاستعانة بالجيش لحل الأزمة. وتم نشر نحو 200 جندى فى أنحاء المملكة لتوصيل الوقود إلى محطات البنزين للسيطرة على أزمة إمدادات الوقود المستمرة.

لكن لم تقف الأزمة البريطانية عند سائقى الشاحنات فحسب؛ ففى مطلع الشهر الجارى، أعلنت الحكومة البريطانية عن أزمة جديدة بسبب عدم توافر الوقود؛ حيث بدأت بعض محطات الوقود، عرض الوقود المتوافر لديها، بـ«ضعف متوسط سعر الوقود» فى البلاد. وبحسب صحيفة «دايلى ميل» البريطانية، من المتوقع أن ترتفع أسعار الوقود 3 بنس للتر، كما يحذر الخبراء من استمرار أزمة الوقود فى لندن وجنوب شرقى بريطانيا.

 أزمة الوقود تهدد «مصنع العالم»

أمّا فى شرق آسيا؛ فقد عانت أكبر الدول الصناعية من أزمة الطاقة؛ حيث أعلنت الشركات الصينية عن تأثر عملياتها بالقيود على الطاقة التى فرضتها حكومة بكين؛ حيث امتدت أزمة الطاقة إلى نحو 20 مقاطعة صينية تمثل نحو 66 % من الناتج المحلى الإجمالى للصين. وقامت أكثر من نصف عدد مقاطعات الصين بتقنين الكهرباء خلال الأسابيع الماضية، مما أدى إلى تعطيل الحياة اليومية لعشرات الملايين من الناس، وفى الوقت نفسه شهد شهر سبتمبر الماضى انخفاضًا فى الإنتاج الصناعى للمرة الأولى منذ أن بدأت الصين فى التعافى من عمليات الإغلاق جراء جائحة «كوفيد- 19».

ووفق صحيفة «فورين بوليسى» الأمريكية؛ فإن محاولات التحول من الفحم إلى مصادر الطاقة المتجددة يعتبر عاملًا لأزمة الصين؛ إلا أنه وفق خبراء؛ فإن الحل لإعادة إمدادات الكهرباء إلى سابق معدلها واستمرارها خلال فصل الشتاء، هو زيادة إمدادات الفحم وأسعار الطاقة.

من جهة أخرى، نشرت صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية أن أزمة نقص الطاقة فى الصين تهدد الاقتصاد العالمى ككل، وأوضحت الصحيفة أن تراجُع الإنتاج بقطاع التصنيع فى الصين التى سيوجه ضربة لسلاسل الإمداد العالمى، الأمر الذى يهدد بارتفاع التضخم يعقبه ركود عالمى.

وأوضحت الصحيفة أنه فى الوقت الذى تعانى فيه بريطانيا من أزمة متفاقمة فى الوقود، وتشهد أوروبا ارتفاعًا تاريخيًا فى أسعار الغاز، أصبحت المصانع فى الصين أحدث ضحايا أزمة الطاقة العالمية؛ وذلك بسبب الارتفاع الضخم فى أسعار الفحم الذى يعتمد عليه ٦٠٪من الاقتصاد الصينى. وأوضحت أن أزمة الطاقة فى الصين تضاعف فى خطورتها نظيرتها فى أوروبا؛ وذلك لأنها تهدد صادرات «ثانى أكبر اقتصاد فى العالم»؛ خصوصًا صادرات الصناعات الثقيلة التى تقوم على الحديد والألومنيوم، علمًا بأن الصين تعد أكبر دول العالم إنتاجًا للحديد.

وعلى صعيد متصل، تواجه الهند أزمة طاقة أخرى؛ فقد حذرت حكومة نيودلهى أن البلاد قد تشهد كارثة قوية بسبب نقص الكهرباء، وحذر رئيس وزراء نيودلهى أرفيند كيچريوال من قرب حدوث أزمة كهرباء فى العاصمة التى يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة بسبب نقص الفحم، وهو ما أدى بالفعل إلى انقطاع الكهرباء فى بعض الولايات الشرقية والشمالية. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن الهند تواجه أزمة غير مسبوقة فى مجال الطاقة بسبب انخفاض مخزون الفحم بشكل خطير، فى الوقت الذى يُستخدم فيه الفحم فى أكثر من نصف محطات توليد الطاقة، والبالغ عددها 135 محطة فى البلاد.

وفى بلد يعتمد على الفحم فى توليد 70 % من الكهرباء، يعد هذا سببًا رئيسيًا للشعور بالقلق؛ لأنه ينذر بعرقلة الانتعاش الاقتصادى فى الهند فى مرحلة ما بعد الوباء.

وانتشرت أزمة الكهرباء والطاقة أيضًا فى الفلبين؛ حيث أمرت وزارة الطاقة الفلبينية شركات البترول بالتأكد من وجود كميات كافية من المخزون بهدف تخفيف التأثيرات المحتملة لارتفاع أسعار الخام خلال الشهور المقبلة.