
عاطف حلمي
ع المصطبة.. إنجازات ضخمة بحاجة للتوعية
لا يستطيع أحد أن ينكر ما تم إنجازه خلال السنوات القليلة الماضية فى مجالات الطرق والإسكان ونفض الغبار عن المظهر الحضارى للدولة، والقضاء على العشوائيات وانتشال القرى المحرومة من مستنقعات الفقر والعشوائية.
لكن.. مع كل خطوة تنموية جبارة تخطوها الدولة فى أى من هذه المجالات يطرح سؤال نفسه، ألا وهو: كيف نحقق استدامة هذه الإنجازات؟ وبمعنى أدق كيف نجعل المواطن العادى المستفيد من هذه النقلة الحضارية يحافظ عليها؟
السؤال يحيلنا بدوره إلى مشكلة متوارثة عبر عقود مضت لم يكن فيها الإنسان المصرى محور التنمية، فظل لا يثق فى أى مشروع ينجز، فإذا أنشأت الدولة طريقًا أو أى مشروعا آخر، شك فى أن المستفيد منه رجال الأعمال أو هذا المسئول أو ذاك.
والآن وقد أصبح الإنسان محور التنمية، بل وجوهرها، بات علينا أن نعيد تأهيل المواطن عبر التوعية والتثقيف بأن كل ما يتم إنما لأجله أولاً وأخيراً، حتى يحافظ على هذه المكتسبات. المشكلة من وجهة نظرى المتواضعة، أن الأمور الآن أصبحت مغايرة تماماً لما كان يحدث سابقاً، فبينما كانت تطلعات المواطن تسبق بمسافات كبيرة أداء الدولة أصبح الآن أداء الدولة يسبق بسرعة فائقة تطلعات المواطن، وفى الوقت نفسه لم يحظ المواطن بالتوعية الكافية ليدرك أهمية أنه بات شريكاً حقيقياً فى هذه الإنجازات التنموية.
وحتى تتضح الصورة سأضرب مثالاً بسيطاً يعكس المفارقة فى الوضع الحالى، ففى الطرق التى أصبحت مصدر فخر لكل مصرى، نجد أن هناك من لم يتخل عن سلوكيات «الفهلوة» التى تصل إلى حد العشوائية أو البلطجة، فلا التزام بالحارات المحددة لسير المركبات، ولا بإشارات المرور.. إلخ.
يلخص هذا الأمر واقعة حدثت لى مع سائق تاكسى، حيث لاحظت أنه يتعمد السير بين الحارات، فالطريق ذو الحارات الثلاث أصبح نتيجة هذا السلوك أربع حارات تتلامس فيها السيارات مع بعضها البعض.
سألته: لماذا تسير بين الحارات بهذا الشكل؟
أجاب: إزاى يا أستاذ الطريق أربع حارات زى الفل.
قلت له: لكن المخطط على الأرض ثلاث حارات فقط.
قال ضاحكاً: دى الحكومة اللى عاملة كده.. لكن الطريق زى ما أنت شايف يساع أربع عربيات جنب بعض.
الموقف رغم بساطته، وربما خفة دم السائق، إلا أنه يعكس مشكلة كبيرة تستوجب التوعية، بأنه فى الجمهورية الجديدة لا مجال للفهلوة، ولا بد للجميع أن يلتزم بالقانون، ويواكب النقلة الحضارية التى أصبحنا عليها.
الأمر نفسه ينطبق على الكثير من تصرفاتنا الحياتية، سواء فى المدن الجديدة أو مناطق القاهرة المختلفة التى امتدت إليها يد التطوير، أو فى القرى التى أصبحت بفضل مبادرة «حياة كريمة» مثار فخر للمجتمع بأكمله، لكن هذا الفخر لن يستديم من دون احترام المواطن لهذه الإنجازات بالحفاظ عليها.
وهنا، يطرح سؤال آخر نفسه، كيف يغير المواطن من سلوك «الفهلوة» إلى سلوك التحضر؟
الحل يكمن فى طريقين متوازيين، الأول عبر العقوبات الرادعة، وهى وسيلة سريعة النتائج، إلا أن نتائجها تزول فور تراخى القبضة وضعف الحسم.
أما الطريق الثانى وهو الأكثر ديمومة، فيكون عبر التوعية منذ الصغر فى المدارس، وكذلك عبر الخطب والعظات فى المساجد والكنائس، كما أنه على منظمات المجتمع المدنى وما أكثرها فى مصر القيام بدور فاعل فى مجال التوعية الحضارية، لأن السلوك الحضارى مثله مثل أى سلوك بشرى لن يترسخ إلا بالتوعية ثم التوعية ثم التوعية ثم العقوبات الرادعة لمن يصر على نهج «الفهلوة».