الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كدهوّن!.. أعلى شهقة ملوخية

كدهوّن!.. أعلى شهقة ملوخية

 تقول الأسطورة القديمة أن المطبخ هو مملكة النساء، ولكل امرأة مذاق ونفس خاص فى الطبيخ، وعندما تعشق المرأة تتفنن فى صنع أطباق المحمر والمشمر وطشة الملوخية بالذات، لاعتمادها بشكل مباشر على شهقة الست (ومن هنا جاءت مقولة نفس الست فى الأكل) ومش أى ست تقدر تعبر بشهقة الملوخية  لبر الأمان كى تسعد جوزها وحبيبها بما لذ وطاب، أو هكذا يعتقد الرجل عندما يقدم على الزواج.



 

 فكما أكدت له أمه بأن أقرب طريق لقلبه هو معدته وأن كرشه دليل على السعادة الزوجية دون أى سفسطة أو جدل وكدهون، استيقظت من نومى على رائحة ذات سحر خاص لا تخطئه أنفى أبدًا منذ طفولتى، حيث زمن طشة الملوخية الجميل فى بيت أمى، وما أدراك بملوخية أمى التى لا تقارن بطعم أى ملوخية فى العالم، وظللت للحظات أترنح بين الشك واليقين، هل هذه تهيؤات رجل جائع ولديه حنين ما بعرف لمين؟ أم هى حقيقة واقعة وزوجتى حبيبتى أرادت أن تسعدنى أخيرًا بتلك المفاجأة السعيدة بعد طول انتظار وكدهون، خاصة أن الرائحة تزداد وتنتشر وتتوغل وتتسرب وتُحدث بهجة فى نفوس الذواقة أمثالى لا يمكن إنكارها أبدًا، وتأكدت أنها حقيقة، وعندما وصل الأمر لمرحلة شهقة الملوخية لم أستطع المقاومة كثيرًا، وقفزت من فراشى سريعًا حتى أشهد تلك اللحظات المهمة فى مراحل صنع الملوخية وكدهون، كم أنت عظيمة يا زوجتى الحبيبة، استيقظت مبكرًا حتى تفاجئنى  بثنائية الملوخية  بالأرانب التاريخية بعد شهور طويلة من المماطلة والتأجيل وربما التهرب من الفكرة نفسها نظرًا لكراهيتها الشديدة للأرانب بالملوخية، التى أعشقها منذ طفولتى وكدهون، قبل أن أتهور بالشكر والثناء والتهليل وجدت زوجتى تجلس بكل أريحية على كنبة الأنتريه (زوجتى إحدى رائدات حزب الكنبة) تشاهد مسلسل «رأفت الهجان» للمرة العشرين بعد المائة بمنتهى الشغف والترقب، وفى الوقت نفسه تنهى مكالمة تليفونية مع حماتى (ست الحبايب) وأمامها كوب ضخم من النسكافيه الساخن وبسكوت بعجوة، ولا توجد أى مظاهر توحى بأنها قد طشت الملوخية الخضراء، أو حتى الناشفة منذ لحظات، أو أنها دخلت المطبخ أصلًا منذ أيام، وتساءلت بسذاجة أحسد عليها كيف لها أن تنتهى بهذه السرعة من تقلية  الملوخية وتحمير الأرانب مع العناية الفائقة بتصفيف شعرها وهندمة نفسها، وترتيب ونظافة البيت  وكدهون، وماذا عن تلك الرائحة التى خطفت قلبى وعقلى؟ ولم أنتظر طويلًا وقررت أن أحسم الشك باليقين، فرسمت ابتسامة مفتعلة على وجهى وأنا أقول لها: تسلم إيدك يا حبيبتى ريحة الملوخية تجنن، وهنا اشمأزت ملامحها وقالت:  هى فعلًا هاتجننى وقلبت بطنى من الصبح وأنا بشم الجحيم ده (أول مرة أعرف أن الجحيم له ريحة) مش معقول عمايل سناء دى؟ تتصور إنها صاحية من الفجر تطبخ وترش التقلية، وتحمر فى فراخ وقطط (زوجتى بتشبه الأرانب بالقطط) وقبل أن أتهور وأبدى إعجابى بطبيخ سناء جارتها استكملت هجومها قائلة: أنا حاسة أنها فاتحة مسمط بلدى فى بيتها، دى العمارة كلها بتشم ريحة طبيخها كل يوم، وبنعرف طابخة إيه أول بأول من بشاعة أكلها - ثم أخذت نفسًا عميقًا وقالت بحزم: حقيقى لازم تاخد موقف جماعى منهم، يا يعزلوا يا نعزل إحنا ونستريح وكدهون، ظهرت الرؤية وأيقنت أن هذه الريحة الرائعة قادمة من شباك سناء ووجدت نفسى دون أن أدرى أرد بصوت هامس وبحقد دفين: يا متهنى يا سى إبراهيم (جوز سناء) كفاية عليه طشة ملوخيتها إللى واصلة لسابع جار، وهنا ارتفع صوتى وأنا أقول لزوجتى أكيد سناء بتعشق إبراهيم، فزغرط لى زوجتى وقالت لى بصوت نعيمة الصغير: إيه المناسبة وعرفت إزاي؟ فاستحضرت روح الست فردوس محمد قبل أن أفتى: أنت ما تعرفيش إن أقرب طريق لقلب الزوج معدته، وعلشان سناء بتحب إبراهيم بتسعده كل يوم بأكلة دسمة بشهادتك أنت شخصيًا وكدهون، قالت بهدوء  العلماء: أنا مش هاعمل زى الدبة اللى قتلت صاحبها وأطبخ أكل يقتلك ببطء، أنا بطبخ لك الأكل الصحى والمفيد فقلت لها بتوسل: أنا نفسى فى أكل له ريحة زى أكل سناء (ودى كانت غلطتى القاتلة) فانفجرت فى وجهى صائحة: لو مش عاجبك طبيخى اتفضل اطبخ أنت وفرجنى هاتعمل إيه يا منعم وكدهون، وأصبح حتمًًا ولا بد من قبول التحدى ودخولى المطبخ لصنع مملكتى بنفسى وتعلم فنون الطبيخ، حتى أتخلص من تحكمات زوجتى وتعنتها الواضح أمام كل ما يتعلق بالأكلات الدسمة وبخاصة للتقلية والفتة والمحمر والمشمر. (ماعرفش يعنى ايه مشمر بس هى حاجة مرتبطة بالمحمر) فى مطبخها الصحى وإصرارها الرهيب على الالتزام بالأكل المسلوق وكأن بيتى فرع من فروع مستشفى قصر العينى وكدهون، وحتى أثبت لزوجتى مهاراتى فى المطبخ، ولأن الطبيخ أساسًا ملعب الرجال، وأمهر الطهاة من الرجال قررت أن أبدأ المشوار، وبإصرار وعزيمة رجل محروم من أكل ملوخية أمه بشكل متعمد، وعلمًا أننى متأكد  أن الطبيخ بشكل عام أمر بسيط وهين وليس كما تشيع السيدات بأنهن يمتلكن  سر الخلطة وكدهون، فأى شىء يوضع على النار نص ساعة مع قليل من الملح والفلفل والزبدة والطماطم والبصل ونتركه نص ساعة ننشغل فيها بممارسة النميمة الصباحية على الفيسبوك ونعود لنجده طاب واستوى بدون ادعاء أى مهارات خاصة وكدهون، قررت التمرد على قوانينها المنزلية ونزول ميدان المعركة بنفسى متسلحًا بفيديوهات الشيف شلبى والشيف فوزى والست أم  شيماء على اليوتيوب (هى مكركبة بس بتطلع يخن عجب) حتى أضمن أفضل نتيجة ممكنة  للوصول إلى مرحلة الاحتراف التى تؤهلنى بعد ذلك لإقامة أسطورتى الخاصة وربما يتطور الأمر ويكون لى فيديوهات ومعجبين وجمهور كبير من ربات البيوت ينبهروا بوصفاتى السحرية التى سأخترعها فيما بعد، وربما أتحول لنجم تليفزيونى يقدم برامج الطبخ على جميع الفضائيات وأشترك فى إعلانات السمنة النباتى اللى بطعم السمنة البلدى مع إنها نباتى (مش عارف إزاى) والزهر يلعب وأبقى غنى ومشهور، وأسافر أمثل الأكلات المصرية  فى كل بلاد العالم وكدهون، أحضرت كل الطلبات والبهارات الغريبة اللى وصى عليها الشيف فوزى والست أم شيماء  وأشياء أخرى وكأنى بصدد تحضير عفاريت مش بحضر ملوخية خضراء وكدهون، التزمت بكل الخطوات بمنتهى الدقة والجدية خصوصًا تعليمات أم شيماء (شكلها عندها خبرة وعارفة بتعمل إيه كويس) ووضعت كل البهارات بدون تمييز (لأنى زهقت من وقفة المطبخ) مع مرقة الدجاج اللذيذة وأخدت نفسًا عميقًا قبل وضع التقلية على المولوخية حتى أتمكن من إطلاق أقوى وأعلى شهقة للملوخية تهز أركان العمارة وربما الشارع كله، وسأجعل جمهورى الحبيب يستنشق رائحة تقلية منعم من على بعد كليو متر وكدهون، لا أدرى ماذا حدث بعد ذلك جعل الملوخية الخضراء صفراء اللون برائحة السمك المدخن، ولن أحكى عن غرابة طعمها والذى جعل الكلبة كاندى تترفع عن  تذوقها رغم توددى وتوسلاتى لها بأن تأكلها قبل ظهور زوجتى وينفضح أمرى إلا أن الكلبة رفضت تتستر علىّ وكدهون، أبقى آكل ملوخية عند أختى حبيبتى ولا بد أن أعترف بأن كار الطبيخ ده مش كارى.