الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كيف تناولت دراما رمضان المرأة «كأم»? أمهات عابرات للأجيال

الدعاء المستمر، قوة الإحساس عن بعد، الاحتواء لحظات الانهيار، وغير ذلك من مواقف ومشاعر لا يقدر عليها أى شخص، سوى الأم؛ وهو ما ركزت عليه دراما رمضان هذا العام، حينما أبرزت دور المرأة كـ(أم)، منذ الحلقات الأولى، وليس فى الأسبوع الرابع والأخير فحسب.



لكن، قبل إلقاء الضوء على المرأة كأم، كان من الضرورى انتظار الحلقات الأخيرة، لرؤية صورتها كاملة، بجميع تفاصيلها، حسب طبيعة كل شخصية، ومعتقداتها، وأفكارها، وشكل حياتها، وتصرفاتها، لرؤية مدى اختلاف صورة الأم فى الدراما الحالية عن الماضي؛ وحجم التفاوت بين أمهات الجيل السابق والحالي؛ وهل هن مشابهات للواقع الذى نعيشه الآن؟

أم البطل، وأم أبناء البطل فى مسلسل (الاختيار 2)

رصد مسلسل (الاختيار 2: رجال الظل) صورًا متنوعة وعديدة للأم المصرية، سواء على المستوى الدرامى، أو من خلال اللقطات الواقعية المصورة. كما رصد المسلسل أيضًا صورة أم البطل، وزوجته أيضًا كأم لأطفاله، مع إبراز الاختلاف بين أجيال الأمهات.

فى البداية، نتحدث عن اللقطات الواقعية التى عرضها المسلسل، ومنها انفجار قنبلة زرعها عناصر تنظيم أجناد مصر الإرهابى، أمام قسم شرطة الطالبية، بشارع الهرم، حيث انتقلت لها قوة من إدارة المفرقعات، تضم الشهيد الرائد «ضياء فتحى فتوح»، وبدأ التعامل مع القنبلة لإبطال مفعولها، إلا أنها انفجرت فيه، واستشهد على الفور. ومن ثم عرضت مشاهد حقيقية من جنازة الشهيد، ورأى المشاهدون بكاء والدته على فراقه، ودعائها: «يارب احتسبته عندك.. يحرق قلب أمه اللى رمى القنبلة.. كل اللى يحط قنبلة فى إخواته، إخواته المسلمين».

أما على مستوى الدراما، فقد ظهرت أم البطل، وأم الشهيد مرات فى مشاهد مفعمة بالمشاعر الجياشة، ولعل أحد المشاهد المؤثرة، تلك التى لم تظهر فيها صورة الأم، بل صوتها الهادئ الملىء بالسكينة، بدعاء وأحاسيس مست قلوب المشاهدين، حينما قام أحد الضباط قام بدوره «هشام ماجد» بمكالمة والدته، خلال توجهه مع زملائه فى مهمة للقبض على مجموعة من الإرهابين، وطلب منها الدعاء له وللضابط «يوسف رفاعى – أحمد مكى»، ليسمع المشاهدون صوتها، وهى تقول: «ربنا يحرسك ويحفظك يا ابنى.. ويكفيك شر المؤذين أنت واللى معاك.. يصلح حالك ويسمعنى عنك الخير، ويعديها معاك على خير يارب.. فى حفظ الله ورعايته.. يجعل مشوارك أوله فلاح، وأوسطه صلاح، وآخره نجاح.. يارب العالمين»، وهى الثوانى المعدودة، التى تناولها رواد مواقع التواصل الاجتماعى، بتعليقات مفعمة بالمشاعر.

وعلى الجانب الآخر، رأى المشاهدون أيضًا مشاعر أم الإرهابى، فى شخصية «أم إبراهيم – غادة طلعت»، والدة الإرهابى «إبراهيم – أحمد داش» ومحاولاتها الكثيرة لإبعاد ابنها عن طريق الإرهابيين، حتى لا يتعرض لما تعرض له والده من قبل، ولكنها تفشل. وفى النهاية، تتعاون مع رجال الشرطة، من أجل إنقاذ ابنها من طريق الضياع.

وبعيدًا عن الأحداث الساخنة للمسلسل، أبرز المسلسل زاوية مهمة أخرى خلال الأحداث، وهى (اختلاف الأجيال) بين الأمهات، عبر قضية (التربية الحديثة).. ففى أحد المشاهد تجلس «هدى – ليلى عز العرب» والدة الضابط «زكريا – كريم عبدالعزيز» بجانب ابنها، وزوجته «نادية – إنجى المقدم»، لنجد الأخيرة تتحدث مع الأم عن أسلوب التربية الحديثة، فى محاولة للاستحواذ على دعم الأم. لكن ينتهى المشهد بصورة فكاهية، عندما تعلق الأم على كلام الزوجة مع ابنها بسخرية: «كان أبوك طردنى من البيت».

كما أظهرت «نادية» أيضًا صورة قوية للأم، حينما علمت بأنها مصابة بسرطان الرحم، إذ كتمت الأمر أمام بناتها، ثم أجلت ميعاد العملية باتفاق مع زوجها، حتى تمر فترة الامتحانات، ناهيك عن كم الأحاسيس التى أوصلتها للمشاهدين قبيل دخولها غرفة العمليات، حينما أوصت الزوج، أن الذهب يقسم بين الفتاتين فى حالة وفاتها، وشددت عليه بضرورة الاهتمام بهما، وتعليمهما، حينما قالت لزوجها: «مذاكرتهم، خلى بالك من مذاكرتهم».

الأمر نفسه، قامت به «رشا – بشرى»، زوجة المقدم «محمد مبروك – إياد نصار»، ولكن برباطة جأش وقوة أكبر، حينما علمت باستشهاد زوجها، صممت أن تكتم انهيارها داخلها، حتى لا يتأثر الأولاد، كما صممت أن تخفى الخبر عنهم، حتى انتهاء الامتحانات، ناهيك عن طلبها من «زكريا» البحث عن عمل حتى تستطيع تلبية رغبات أبنائها.

فقد أظهر المسلسل قوة تحمل الأمهات الكبيرة والصغيرة مع ما يمررن به من أحداث صعبة، من أجل توفير حياة ومستقبل أفضل لأولادهن، حتى وإن كان على حساب أنفسهن.

وعلى هامش المسلسل، شوهدت شخصية «إيمان – سلوى عثمان»، والدة «عالية – أسماء أبو اليزيد»، ورغم مشاهدها القليلة، إلا أنها عرضت صورة لشخصية أم واقعية، التى يكون شغلها الشاغل، هو إيجاد زوج مناسب (عريس) لابنتها، حتى يطمئن قلبها عليها.  شعور لا يكذب، وأفعال تكذب فى مسلسل (هجمة مرتدة)

رغم عدم معرفة الأم «عايدة – ماجدة زكى» بطبيعة عمل ابنها «سيف – أحمد عز» مع المخابرات، إلا أنها دائمًا ما شعرت بأن هناك خطبًا ما، يشوبه القلق والتوتر الدائم داخل قلبها تجاه ابنها، الذى ترفض أن تسمع عنه أى خبر سيئ. 

وفى أحد مشاهد الحلقة التاسعة عشرة، عرض المسلسل موقفًا لـ«عايدة» شائعًا بين أمهات  الواقع، وهو التظاهر بالقوة والمرح رغم التعب الشديد. إذ ظهرت تبكى بحرقة وحدها، لمعاناتها من مرضها، وما يمر بها من أحداث تؤرقها، وفجأة تمسح دموعها على الفور، وتتظاهر بالمرح، راسمة على وجهها ابتسامة عريضة، بمجرد دخول ابنها «سيف» من باب المنزل. ورغم سؤاله إن كانت تبكى، ترد عليه كذبًا، بجملة الأمهات المعتادة «حد يبقى عنده ابن زيك ويعيط!»، تلحقها بدعاء معهود على آذان المشاهدين.

ومن ثم يشتد عليها المرض، بمجرد معرفة أن ابنها سيسافر من جديد، ويبتعد عن أحضانها، وهو ما لم تستطع البطلة كتمانه فى قلبها أكثر، معربة عن رفضها لسفره، ولكن، فى الوقت ذاته تحارب نفسها، بألا تقف فى طريقه الذى لا تعرف عنه شيئًا سوى مجرد أحاسيس بالتوتر والريبة داخلها. 

تجنب الاصطدام بالواقع فى مسلسل (القاهرة – كابول)

رغم قلة ظهورها، إلا أن أم الإرهابى «رمزى – طارق لطفى»، التى تدعى «خيرات»، ولعبت دورها الفنانة الراحلة «أحلام الجريتلى»، أثرت فى المشاهدين بشدة، بعد رد فعلها، حينما عرفت توجهات وأفكار ابنها. فكانت تحاول الهروب من الواقع، الذى يؤكد أن ابنها إرهابى من الممكن أن تسمع خبر قتله. لذلك، تدعى فى نفسها أنه سافر للخارج فقط. 

وفى الوقت الذى تشعر بمرارة الأمر، إلا أنها تظهر قوة غير عادية فى محاولات إخراج زوجها من الحالة السيئة، التى كان يغرق داخلها. لذلك، أدى وقوع خبر وفاتها إلى حالة حزن شديدة، خاصة مع والد «رمزى»، والذى يقدم دوره الفنان «رشدى الشامى»، كما يدخل «رمزى» نفسه فى حالة حزن عميقة للغاية، ويأمر الجماعة الإرهابية بصلاة الغائب.

 مشاعر متناقضة فى مسلسل (لعبة نيوتن)

بعيدًا عما أكدته بطلة المسلسل «هنا – منى زكى» طوال حلقات المسلسل، بأن الأم قد تفعل أى شىء لدرجة التهور أحيانًا على حساب نفسها، وحريتها، وحياتها، من أجل ابنها.

أبدعت الفنانة «حنان يوسف» فى دور «فادية»، والدة « حازم – محمد ممدوح»، التى عاشت لحظات صعبة أيضًا مثل «هنا»، ولكن بشكل آخر. إذ شعرت بمرارة الحزن على ابنها، الذى سمعت قصته من جانبه هو فقط، وعاشت معه مأساته.

وفى أحد المشاهد القوية، برعت «يوسف» فى إبراز مشاعر متناقضة، بين الجدة التى رأت حفيدها لأول مرة، والحماة التى واجهت طليقة ابنها لأول مرة. ففى الوقت الذى امتلأت عين «فادية» بفرحة وحب عارم ناحية حفيدها، التى حملته فى أحضانها، إلا أنها أطلقت وابلًا من الكلمات القاسية ناحية «هنا» بنظرات حادة جدًا.

فقد أظهرت «فادية» كيف تتغير نظرتها ومشاعرها، التى تتأرجح بين الحفيد، وطليقة الابن، وهذا ما أعربت عنه، حينما قالت لـ«هنا»: «وعزة جلال الله لولا أنت جاية وشايلة على إيدك الواد ده أنا ماكنتش بصيت فى وشك». 

 الاحتواء، وتقويم الأخلاق فى مسلسلى: (حرب أهلية)، و(ضد الكسر)

فى مسلسل (حرب أهلية)، رأينا بطلة المسلسل «مريم – يسرا»، التى تبنت «نور – مايان السيد» ابنة الخادمة لتحتضنها كابنة، بعدما تعرضت «مريم» لقسوة من ابنتها الحقيقية «تمارا – جميلة عوض»، وكان السبب وراء تبنيها «نور»، هو محاولة تعويض شعور الأمومة بطريقة أخرى. وقد ظهر ذلك من خلال تكرار «مريم» لـ«نور» فى عدة مواقف كلمة «أنا أمك». 

وبعد حلقات، تتأجج مشاعر الغيرة بين الفتاتين، خاصة مع عودة «تمارا» لحياة والدتها، بعد وفاة والدها، وهو ما يؤدى إلى تناسى «مريم» لـ«نور» بعض الوقت، رغبة فى استعادة ابنتها الحقيقية لأحضانها، وتحسين سلوكها الذى يؤذى كل من حولها. وبالفعل، نجحت الأم فى تعديل طبيعة ابنتها الشريرة. 

ومن ثم تستفيق البطلة، وتقوم بدورها كأم، وتحاول تقريب وجهات النظر بين الفتاتين، عبر احتوائهما، وتقويم أخلاقهما معًا، لتزرع بداخلهما مشاعر الأخوة والحب والتعاون، وإطفاء نار الغيرة والكراهية.

ظهرت مشاعر الأمومة، والأخوة فى الحلقة الـ22، عندما قتلت «نور» على يد سارق منزل «مريم»، الذى خنقها، وماتت ما أن وصلت إلى المستشفى، لتقوم النجمة «يسرا» بدور مؤثر جدًا، إذ أشعرت المشاهدين بحرقة الأم على فراق ابنتها، فبكت البطلة كأن ابنتها الحقيقية هى من توفت وليست المتبناة، كما أظهرت أختها حزنًا رهيبًا، وكأن شقيقتها التى ماتت، وليس أختها التى كرهتها طوال حلقات النصف الأول من المسلسل.

أما مسلسل (ضد الكسر)، فلم تختلف شخصية الأم كثيرًا، رغم اختلاف القصة تمامًا، إذ حاولت الأم، تقويم سلوك البنات، وإطفاء نار الغيرة التى تشتعل بينهن. 

فتظهر قصة المسلسل أنه بعد وفاة والدهن، تقوم بطلة المسلسل «سلمى – نيللى كريم» بمساعدة والدتها، وتنفق على أسرتها، وتنتشلهن من حالة الفقر، مما يجعل الأم تحمل لها مشاعر امتنان كبيرة، وهو ما يجعل الأختين الأخرتين تعتقدان أن الأم تفضل «سلمى» عليهما.

لكن، المواقف أثبتت خطأ الاعتقاد، حينما نهرت الأم ابنتها «سلمى»، بعد أن عرفت أنها السبب فى زواج أختها من رجل لا تحبه، حتى تخفى مشكلة حمل الأخت من رجل آخر، مما يضطر زوج الأخت إلى رفع قضية نسب فى المحكمة. 

وعليه، تأمر الأم ابنتها «سلمى» بأشد العبارات ضرورة التصرف لتصحيح هذا الخطأ الذى ورطت أختها فيه، لتظهر الأم أنها غير منحازة، وأن هناك فرقًا بين مشاعر الامتنان والعرفان بالجميل، ومشاعر الحب والتفضيل.

 مشاعر مكبوتة فى مسلسل (خلى بالك من زيزى)

ممثلتان كبيرتان فى دورين مميزين بهذا المسلسل، وهما: «سلوى محمد على»، و«صفاء الطوخى»، اللتان تجسدان دور شقيقتين تعانيان فى صمت، الأولى يتزوج عليها زوجها بعد العمر الطويل، والثانية لا تتوقف متاعبها مع ابنتها «زيزى»، لكنها لم تستطع تحمل كتم مشاعرها لفترة طويلة، إذ انهارت منذ حلقات قليلة أمام ابنتها، معربة أن كل ما تشعر به الابنة، يصيب الأم أيضًا، لكن بصورة أكثر قسوة.

قدمت الممثلتان مشاهد قليلة، ولكن بحساسية عالية، خاصة عندما تلتقيان معًا، وتعبران ببراعة عن نماذج نسائية لا يُكتب عنها فى السينما والدراما بكثرة، حتى وإن تم التطرق لحالتهما، يُكتب لهما بمنطق أنهما «أمهات» وكفى، وكأن الأم ليس لها عالمها الخاص، وكأنها ليست إنسانة لها ظروفها، وحياتها، وإحباطاتها، إذ يقدمونها عادة كمجرد شخصية عابرة تنصح بكلمتين فقط.

لعل هذين الدورين، المكتوبين بشكل جيد، وبأداء «سلوى»، و«صفاء»، قد يفتحان الباب لأعمال درامية تتناول هذه النماذج الإنسانية، التى نراها كل يوم أمامنا، خاصة أن واقعنا اليومى يحتوى على قصص أكثر ثراء، وأغنى من كل ما نراه.  

فى النهاية، يمكن القول إنه رغم اختلاف شخصيات وطبيعة حياة الأمهات المعروضة فى رمضان هذا العام، إلا أنها قدمت صورة واقعية، من قضايا مجتمعية حقيقية، وإن كانت فى سياق الدراما، أو حتى فى مشاهد غير مؤثرة فى الأحداث.

كما رأى المشاهدون مراحل تطور المرأة، من فتاة، إلى زوجة، ثم أم صغيرة، لجدة كبيرة، الأجمل أن أغلبهن تمتعن بالقوة، والصلابة، والكفاح، لمواجهة تحديات الحياة، سواء لأنفسهن، أو أبنائهن، أو أزواجهن.

ومن جانبهم، ترك صناع المسلسلات هذا العام مساحة واسعة لتعبر كل منهن عن شعورها الداخلى من فرحة وحزن، انتصار وانكسار. فالمرأة كأم فى مسلسلات رمضان هذا العام، ليست مجرد شخص على هامش الدراما تقدم النصائح فى مشاهد محدودة، بل هى الأساس الذى قام ببناء، وتأسيس، والتأثير على بطل العمل الدرامى.