الثلاثاء 17 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ماكلتش رز وكدهوّن!.. رمضان جانا

ماكلتش رز وكدهوّن!.. رمضان جانا

قلبى الصغير لم يحتمل وكادت دقاته أن تتوقف تمامًا عند رؤيتى لذلك الشبح الغامض العالق بين السماء والأرض ويرتكز على سور شرفتى بالطابق السابع وكأنه يستعد للطيران للسماء على طريقة المرحوم عباس ابن فرناس أو أنه سيقذف بنفسه للأسفل فيسقط صريعًا على أرض الواقع وهذا هو السيناريو الأكثر رعبًا؛ حيث إنى لست مستعدًا حاليًا ولا فى أى وقت لاحق للتعامل مع مثل هذه الحوادث الخارقة للروتين فى حياتى.



 

فأنا رجل غير مؤهل لاستقبال المفاجآت بشكل عام فما بالك لو كانت تحتوى على أشباح طائرة من الشرفات وكدهون ثم ما الذى يجعل هذا الشبح اللعين يختار  شرفتى أنا بالذات من دون كل شرفات العمارة والعمارات المجاورة  ليبدأ منها رحلته المريبة هذه إلى السماء أو إلى الأرض ويدخلنى فى متاهات لا حصر لها  بصفتى صاحب الشرفة التى انطلق منها، خاصة وأنا صايم وتعبان وهلكان وهمدان والأهم من كل ده جعان وعطشان رغم أنى محمل بخيرات وهدايا  متنوعة من الأطعمة والمشروبات التى قذفها لى المحسنون المصريون  من ذوى القلوب الرحيمة  أثناء توقفى بسيارتى فى إشارات المرور أو عند كل مطب صناعى أو طبيعى فتنهمر علىَّ زجاجات المياه المعدنية وعصائر وأكياس صغيرة من البلح ودائمًا ما أسعد بها (خصوصا أنى ماشترتش السنة دى بلح)   وأعتبرها من هدايا السماء للصائمين خاصة فى نهار الصيف الحارق وهذا بخلاف أنها من الطقوس الرمضانية المحبّبة لقلبى لأنها  تُقدَّم للصائم بصرف النظر عن كونه غنيًا أو فقيرًا وكدهون، إلا أن فرحتى هذه لم تكتمل وكادت  تذوب وتتهاوى سريعًا  عندما وصلت لمنزلى ورأيت هذا الشبح يعبث بشرفتى ويترنح يمينًا ويسارًا  وكأنه يستعد للانطلاق محملاً بشىء ضخم لا أستطيع تحديد معالمه من مكانى أسفل العمارة  مما أثار فزعى وخوفى على أسرتى الصغيرة من هذا المجهول الذى قد يعرضهم للأخطار كدهون فماذا أنا أفعل الآن فى هذه الأزمة الطارئة (إللى لا كانت على البال أو الخاطر) هل أصعد له بنفسى لإنهاء  الأمر   معه  بعقد اتفاق استراتيجى بيننا يجبره على الانصراف دون أن يأذينى وأتعهد أنا أيضا  ألا أقوم بأى تصرف أهوج بعرضه للأذى؟؟ ولكن المشكلة أنى لا أجيد التعامل مع الأشباح؟؟ كما أن صعودى سبعة طوابق دفعة واحدة ودون مصعد قد يستهلك وقتًا طويلًا وهذه رفاهية  لا أمتلكها  ولا بُد فى حل سريع لإنقاذ أسرتى من هذا الشبح الطائر  فهل أصرخ بأعلى صوتى طالبًا النحدة من الجيران ولكنى اكتشفت أنى لا أعرفهم جيدًا رغم وجودنا معًا فى نفس العمارة منذ سنوات، إلا أنى اكتفيت بعلاقة سطحية معهم  دون سبب واضح غير زحمة الحياة ولم  أحسب حسابًا لمثل هذا اليوم كما أن صراخى فى الشارع هكذا كفيل بأن يقضى تماما على وقارى لعدة سنوات قادمة أمام الجيران وخصوصا أم إبراهيم  (إللى بتساعدنا فى البيت) التى ستجدها فرصة رائعة للسخرية منى بعد ذلك ولكن أين هى أم إبراهيم أصلا ؟؟؟ وما سر اختفائها المريب فى هذا الوقت؟؟ كيف لم تكتشف وجود هذا الشبح حتى الآن؟؟؟ ؟؟ لا بُد وأن أعثر حالًا على أم إبراهيم  وأرسلها تستكشف الأمر بطريقتها الخاصة وأبقى أنا هنا بداخل سيارتى أراقب الأحداث عن كثب وكدهون؟؟ ولكنى استبعدت هذا الاقتراح أيضا لأنى أعلم جيدًا أن الاستعانة بأم إبراهيم  مجازفة ممكن أن تحول الموضوع لكارثة لا تحمد عقباها ولاأزال أتذكر عندما  قامت بغسيل سيارتى بالجاز  ثم جلست بجوارها وأشعلت ركية النار لتشوى درة لإبراهيم ابنها لولا ستر  الله  الذى جعلنى أحضر فى الوقت المناسب وأنقذ السيارة  والشارع كله مع الحفاظ على الذرة سليما وكدهون  ظللت أفكر وأفكر فأنا لا أريد أن أفعل أى تصرف غير مدروس جيدًا فمدفع الإفطار على وشك الانطلاق  وأنا جعان جدًا  وكدهون هدانى تفكيرى العميق بأن أبقى قابع فى مكانى وأن أسجل ما يحدث فى شرفتى  بكاميرا موبايلى لأبرئ ساحتى من أى اتهام قد يوجة لى مستقبلا  بصفتى صاحب الشرفة مسرح الجريمة وكدهون بمجرد أن بدأت التصوير فجأة تملكنى الفزع عندما لمحت هذا الشيخ  ينظر  لى بل ويلوح لى بإصرار غريب  وكأنه يسخر منى ومن كاميرتى وكدهون إذن أنه يرانى جيدًا ويعلم أنى صاحب الشرفة التى يستبيحها بدون وجه حق ويعرض أسرتى للخطر وربما يستمع أيضًا لكل ما يجول بخاطرى من تساؤلات ومخاوف ولكن كيف عرفنى ابن العفريتة هذا رغم كل هذه المسافات؟؟ (ثم ماذا يريد منى ما يطير من البلكونة ويخلصني) فأنا صائم وجعان وعطشان وعايز أتفرج على مسلسلات رمضان  وإعلان شريهان وروبى ونانسى عجرم وكدهون وأثناء انهماكى فى التفكير رن جرس موبايلى فجأة لبينقذنى من حيرتى ولحظى السعيد وجدتها زوجتى ولعلها اكتشفت وجود الشبح الطائر فى الشرفة واتصلت تستغيث بى وقبل أن أنطق وأجيبها جاء صوتها صارخًا  كعادتها فى شهر رمضان الكريم  وتقول: اطلع بسرعة أنا محتاجة لك ضرورى جدا ، وهكذا  صدقت شكوكى وأسرتى الصغيرة مهددة من شبح مجهول  وقبل أن أجيبها عادت صارخة هو إنت هاتفضل واقف عندك كده كتير؟؟ مش كفاية تصوير  بقى واطلع علشان تساعدنى أخلص قبل المغرب ما يأذن فقلت لها بصوت هامس (حتى لا يسمعنى العفريت) هو إنتى شايفانى إزاى ؟؟؟  فقالت بنفاد صبر ما هو أنا واقفة فى البلكونة وبشاور لك من بدرى وإنت مشغول بالتصوير  فى الشارع وبعدين  مش كنت تأجل التصوير لبعد ما أعلق الفانوس؟؟ فانوس إيه أنا مش فاهم حاجة  وفجأة أدركت بأن هذا الشبح الطائر لم يكن غير زوجتى الحبيبة تحاول باستماتة أن تعلق فانوس رمضان على شرفتنا وقبل أن أعاتبها على تهورها وخطورة ما تفعله فقالت لى يا حبيبى اطلع ساعدنى فى تعليق فانوس رمضان فى البلكونة لأننا تأخرنا أوى وكل الناس علقت الزينة من أسبوع  وإحنا لا حس ولا خبر وكأننا فى شهر ذى الحجة أو ذى القعدة مش شهر رمضان وليلى وأمينة من حقهم يفرحوا بالفانوس زى أصحابهم ولا إحنا لازم يبقى شكلنا وحش فى الشارع كله  وكدهون وخرجت من سيارتى فوجدت فعلا الشارع مبهجًا جدًا وقد تزينت كل الشرفات بفوانيس ملونة وأعلام صغيرة من الخيامية وتساءلت للحظات كيف كان المسلمون الأوائل يحتفلون بقدوم شهر رمضان وكدهون وتأثرت جدًا وأنا أسمع انطلاق مدفع الإفطار  ولاتزال زوجتى  تكافح من أجل تعليق الفانوس  فجلست بسيارتى آكل البلح وأشرب من العصير الذى أهداه لى أصحاب القلوب الرحيمة.