الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عظيم فى لندن.. صديق «الهند».. أب لإفريقيا «عبدالناصر» فى مذكرات «الفقى»

عظيم فى لندن.. صديق «الهند».. أب لإفريقيا «عبدالناصر» فى مذكرات «الفقى»

مرّت منذ أيام ذكرى ميلاد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكالعادة مجَّده البعض وهاجمه آخرون، الأقلية كان كلامهم موضوعيًا، والأكثرية سواء معه أو ضده جاء موقفهم مشبعًا بالعاطفة والانحياز غير العقلانى، وبالتزامن مع ذكراه صدرت مذكرات الدبلوماسى البارز والمفكر اللامع الدكتور مصطفى الفقى - وهى مجرد صدفة غير مقصودة.



الكتاب الذى حمل عنوان «الرواية.. رحلة الزمان والمكان» به ثلاث حكايات عن عبدالناصر لها دلالات مهمة، وكلها جرت بعد رحيله بسنوات، وكان الدكتور الفقى شاهدًا عليها، وهى تضيء الطريق لمن يريد أن يعرف مكانة الرئيس المصرى الراحل فى العالم شرقًا وغربًا.. الحكايات أنقلها كما جاءت على لسان «الفقى»:

 

(1)

فى مطار «هيثرو»

يحكى «الفقى» عن الوقت الذى كان فيه ملحقًا بسفارتنا فى لندن، ساردًا: «فى صباح أحد الأيام وصلتنى رسالة رقيقة فى الحقيبة الدبلوماسية، عن طريق مكتب وكيل الوزارة، والرسالة موجهة لى من زميل الدراسة الصديق حاتم صادق، يقول لى فيها: «إن زوجتى وزميلتك هدى عبدالناصر سوف تصل إلى مطار هيثرو لجمع مادة علمية لدراستها العليا»، وكان ذلك فى بداية العام 1973، وطلب منى حاتم أن أتولى أنا وزوجتى رعايتها؛ حيث ستقضى يومين فى لندن ثم تتجه إلى مدينة أكسفورد لجمع مادتها العلمية من مكتبة جامعتها، وعند باب الطائرة كنت أستقبل زميلتى، وعندما تصفح ضابط الجوازات جواز السفر الدبلوماسى للسيدة هدى، نظر إلىَّ وقال بلهجة حازمة: هل هى قريبة الرجل العظيم نفسه؟ - دون أن يذكر أسماء – فقلت له نعم إنها ابنته الكبرى، فوضع على جواز السفر خاتمًا بالإقامة المفتوحة، ووجهنا إلى صالة كبار الزوار حتى تحصل على حقائبها، وأدركت يومها أن الخصم القوى يكون محل احترام أكثر بكثير من صديق ضعيف التأثير محدود الإرادة، وترسّخ فى ذهنى أن الغرب لا يحب ولا يكره ولكنه يحترم أو لا يحترم، فقد كان عبدالناصر خصمًا قويًا وعنيدًا فاحترمه البريطانيون وتعاملوا معه دائمًا باعتباره قيمة كبيرة، حتى وإن كانوا يكرهونه من الأعماق، ولا يزال التليفزيون البريطانى فى ذكرى حرب السويس سنويًا يقول: «الإمبراطورية التى شيَّدها الآباء العظام دق آخر مسمار فى نعشها كولونيل من الشرق الأوسط هو جمال عبدالناصر».

(2)

طريق «عبدالناصر» فى نيودلهى

ومن أوروبا إلى آسيا، يكمل «الفقى» حكاياته، وفيها: «أتذكر الاستقبال الحافل من رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندى فى مطار نيودلهى، للسيدة تحية قرينة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولتلك الزيارة قصة؛ إذ اتصل بى السفير الراحل هشام عامر وأنا أعمل معه فى الهند، وقال لى: إن السيدة تحية سوف تصل إلى نيودلهى ومعها ابنتها السيدة منى، وقريبتها أرملة محمد فهمى السيد المستشار القانونى للرئيس الراحل وضابط حراسة، وستكون ضيفة على «غاندى» التى وجهت لها الدعوة.. وأخطرتنى الخارجية الهندية أن السيدة تحية لن يتم استقبالها فى قاعة كبار الزوار، وعندما أبديت دهشتى قالوا سيجرى استقبالها فيما هو أعظم، فى القاعة التذكارية للمطار، وهى للضيوف ذوى الشخصيات التاريخية والتأثير الدولى، وذهبت للمطار ووجدت حشدًا من المسئولين وعلى رأسهم أنديرا غاندى وابنها راجيف، وجرى الاستقبال الحار، ومكثت السيدة تحية عدة أيام ضيفة غير عادية، وبمنزلى أقمت على شرفها عشاء، ولما كانت القطيعة بين مصر والدول العربية قائمة بسبب توقيع اتفاقية السلام، فإننى دعوت عددًا محدودًا من السفراء العرب ومسئولى الخارجية، ولكنى فوجئت بسيل ينهمر من سفراء دول عربية كانوا من أشد المتحمسين لمقاطعة السفارة المصرية، فإذا بهم يطلبون دعوتهم للعشاء، واكتمل العدد الكبير فى منزلى، ووقف عميد السلك الدبلوماسى العربى - وكان سفير الكويت- ليعلن أن هذا الجمع فى هذا العشاء مدعو على شرف حرم الزعيم الراحل فى منزله فى الليلة التالية، أما السيدة أنديرا غاندى فاهتمت كثيرًا بقرينة الزعيم العربى، ولم أندهش أن الطريق من المطار إلى قلب نيودلهى كان يحمل اسم طريق عبدالناصر.

(3)

الزعيم والأب فى «مالى»

حكاية ثالثة، لكن من إفريقيا، يسردها «الفقى»: «حكى لى الرئيس الأسبق مبارك قصة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضى قصها عليه رئيس مالى الأسبق موسى تراورى الذى قال: «جاءنى أحد نواب رئيس الجمهورية فى إحدى الدول العربية، وهو يحمل حقيبة سامسونيت تحتوى على خمسة ملايين دولار، واشترط للحصول عليها أن نصوت معهم من أجل تعليق عضوية مصر فى حركة عدم الانحياز، فرفضت بشدة قائلا له: هل تريد أن يأتى والدى عبدالناصر فى المنام ويقول لى لماذا خنت أمك مصر يا موسى؟.. ولم يكن «تراورى» وحده الذى يحمل هذا التقدير لمصر ودورها، فقد قابلت نيلسون مانديلا مع الرئيس مبارك وحضرت لقاء بينهما فى الاحتفال بإعلان استقلال دولة نامبيا، وتحدث مانديلا بإشادة بالغة عن مصر وجمال عبدالناصر ومحمد فايق الذى كان مديرًا لمكتب «ناصر» للشئون الإفريقية. 

انتهت حكايات «الفقى» عن «عبدالناصر»، والتى جرت فى لندن؛ حيث قارة أوروبا، ونيودلهى فى قارة آسيا، ومالى بالقارة الإفريقية، وهى لا تحتاج إلى تعليق، وهى أيضًا تجيب على السؤال من هو جمال عبدالناصر؟ ولماذا بقى حيًا فى وجدان معظم الناس رغم رحيله منذ أكثر من نصف قرن؟

ويتبقى أن عبدالناصر يجب تقييمه بموضوعية بعيدًا عن العواطف الجياشة التى تحبه بعنف أو تكرهه بشدة، فقد كان بحق عظيم المجد والأخطاء.

وأخيرًا مذكرات الدكتور الفقى - التى صدرت عن الدار المصرية اللبنانية- تحتوى على وقائع وحكايات ونوادر وطرائف على مدى أكثر من نصف قرن قضاها فى السلك الدبلوماسى والعمل السياسى والشأن العام، وأبرزها الفترة التى قضاها سكرتيرًا للمعلومات مع الرئيس مبارك، ولكن هذه لها مناقشات أخرى حين تأتى مناسباتها.