
أسامة سلامة
وحيد حامد.. جبرتى العصر
من يريد أن يعرف ماذا حدث فى مصر، وماذا حدث لمصر خلال أكثر من نصف قرن عليه أن يشاهد الأفلام التى كتبها وحيد حامد، ومن المؤكد أنه بعد سنوات ممتدة سيعرف الناس ما جرى فى مصر من الأعمال الفنية التى قام وحيد بتأليفها للسينما والتليفزيون وقبلهما الإذاعة، لقد كان كتاب الجبرتى الشهير «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» هو الوسيلة التى عرفنا من خلالها ما حدث خلال فترة الحملة الفرنسية بقيادة نابليون، وكشف فيه جوانب الحياة المختلفة فى هذا العصر، والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وما حدث للحكام وما جرى للعوام والحرافيش وما فعله التجار والمحتكرون، طاف بنا فى الحوارى والأزقة والقصور ، ووصف كل ما مر به المصريون من أفراح وأتراح، تسلط الحكام وفساد الكبار، الثورات ضد الظلم ونكساتها، حروب وهزائم وانتصارات، عالم كامل شهدناه بعين الجبرتى ولولاه لما عرفنا كل هذه الأحداث، نفس الأمر قام به وحيد حامد مستخدما أدوات عصره ومهارته وإبداعه، بدأ رحلته بالإذاعة عندما كانت الوسيلة الأولى للمعرفة والمتعة لدى المواطنين ثم اتجه إلى التليفزيون والسينما عندما أصبحا أكثر تأثيرا، ومن خلالهما قدم شهادته على العصر الذى نعيشه، رصد التحولات التى حدثت للمجتمع من السبعينيات حتى الآن، من البداية أعلن موقفه: سأفضح السلطة الغاشمة التى تستغل نفوذها فى العسف بالمواطنين وتلفيق التهم للأبرياء، وهى قضية استمر فى طرحها طوال مشواره الفنى، ويمكن من خلال أفلامه نعرف تطور أساليب السلطات المختلفة، عام 1977 ظهر «طائر الليل الحزين» وفى عام 1982 كان «الغول» الذى أعلن عن تسلط الرأسمالية الجديدة وتغولها وقدرتها على سحق البسطاء وحماية نفسها من الرضوخ للقانون، وبعدها بعامين كتب «التخشيبة» عن ما يجرى داخل أقسام الشرطة وكيف يتحول البرىء إلى مجرم بسبب تعسف أفراد من الشرطة وإجراءاتها البليدة؟، ويتطور الأمر فى «ملف فى الآداب» حيث يلفق الضابط الاتهام دون وازع من ضمير أو رادع من قانون، ثم يجىء درة أعماله عن السلطة الغاشمة فى «البرىء» عام 1986، ولا يكتفى وحيد برصد أفعال أصحاب النفوذ فيكشف عن الفساد السياسى للكبار وهو يرتبط أيضا بوضع السلطة وتشابك علاقاتها مع أصحاب المال وهو ما ظهر فى «الغول» كما أوضحنا سابقا ثم فى «الراقصة والسياسى» عام 1990 حيث تلعب الراقصة بوسطها ويلعب السياسى بلسانه، وتكشف أكثر فى «كشف المستور» عام 1994، ولكن سبق ذلك الفيلم بثلاثة أعوام «اللعب مع الكبار» والذى كان شاهدا على تعدد الفساد مثل تدمير القطاع العام لصالح القطاع الخاص واستغلال حصانة أعضاء البرلمان فى تهريب المخدرات تحت حماية الكبار، ثم يكتب واحدا من أهم أفلام السينما المصرية حيث يضع يده على تحالف السلطة الفاسدة مع التطرف والذى أدى إلى كثير من الكوارث فكان «طيور الظلام» عام 1995، ويعرفنا فيلم «معالى الوزير» عام 2002 كيف كانت تدار السياسة فى البلد؟وبأى أسلوب يتم اختيار المسئولين؟ وكيف يستغل هؤلاء مناصبهم؟، أما فى «عمارة يعقوبيان» 2006 فيوضح ما جرى من فساد المسئولين الكبار وانتقائهم أعضاء البرلمان من الفاسدين وانشغالهم عن التطرف والإرهاب الذى كان يحيط بالبلد فى هذه السنوات العجاف، ولم يكتف وحيد بشهادته السياسية ولكن فى معظم أفلامه تتبع ما جرى للطبقة الوسطى والفقيرة فى هذه الفترة من خلال مسلسل «سفر الأحلام» 1986 وهو نفس العام الذى كتب فيه «حد السيف» وهما عن معاناة وتراجع الطبقة الوسطى فى المجتمع، ونفس الأمر يظهر بشكل ما فى «آخر الرجال المحترمين» و«اضحك الصورة تطلع حلوة» 1998 وفيه يعطى جرعة الأمل للبسطاء فمنحهم القدرة على الانتصار على أصحاب المال والنفوذ والتصدى لمن يريد سحق كرامتهم، وهو ما نراه أيضا فى «المنسى» 1993، هؤلاء البسطاء لا يستسلمون للهزيمة والأمل دائما موجود لديهم مهما مر بهم من أزمات وهو ما ظهر أيضا فى «ديل السمكة» و«الإرهاب والكباب»، حيث لم يجد الموظف البسيط البرىء إلا الاحتماء بأبناء طبقته للخروج من الأزمة التى وجد نفسه فيها دون قصد فى مواجهة السلطة، ومن أهم ما حدث فى المجتمع خلال هذه السنوات هو التطرف، وهو ما رصده وحيد بشكل واضح فى «الإرهاب والكباب» من خلال الموظف المتدين تدينا شكليا، لديه لحية كبيرة، يصلى فى غير أوقات الصلاة، لا ينجز عمله المكلف به، وهو ما يكشف عن اتجاه جزء من المجتمع نحو التدين الشكلى ومن الطبيعى أن يصل بنا إلى الإرهاب، ولكن الأمر كان أكثر وضوحا فى مسلسل «العائلة» عام 1994 والذى أوضح كيف بدأ الغلو ثم التطرف وصولا للإرهاب، والأخير تعرض له وحيد فى «عمارة يعقوبيان» و«طيور الظلام»،ثم كان مسلسل (الجماعة) عام 2010 ولم ينس وحيد ما جرى للمهشمين فكتب عن أحلامهم التى تكاد تكون مستحيلة فى «المنسى» و(الهلفوت)، وضع المرأة فى المجتمع لم يغفلها وحيد فى شهادته السينمائية ولعل أبرزها ما جاء فى «أحكى يا شهر زاد» والذى يعطينا تصورا عن حال المرأة من خلال نوعيات مختلفة من النساء، هذا غيض من فيض عطاء السيناريست والكاتب والمفكر الكبير، والأفلام المذكورة على سبيل المثال ولديه أكثر من ذلك بكثير، ويحتاج الأمر إلى مساحة أكبر وبحث أدق حتى نحصل على شهادة ورصد وتحليل وحيد عما جرى لبلدنا، والتى تجعله بحق جبرتى العصر.