
عاطف بشاى
التنمر.. وفتنة الملايين
انضم مصطلح «التنمر» المستحدث إلى قائمة المصطلحات التى تعكس ما اعترى الشخصية المصرية من تحولات خلال الثلث الأخير من القرن الماضى وحتى زماننا الراهن.. (رصدته د.عزة عزت فى كتابها الهام.. التحولات فى الشخصية المصرية) فقد أصبح الإنسان المصرى المعاصر يعانى من تراجع واضح فى السمات الأصلية التى اتسم بها عبر العصور.. والشخصية المصرية أصابها تغيير كبير فى صفاتها وسجاياها وطبائعها وسلوكها المجتمعى.. وانقلب السلم القيمى فتدنت قيمة العمل فى مقابل تقدم قيمة المال والتفاخر به.. والقناعة والتعفف فى مقابل الطمع والجشع والانتهازية والوصولية.. والقيمة والأصالة فى مقابل المصالح والمنافع والدقة والإتقان فى مقابل التسيب والاستهتار.. والتآخى والحب والتودد والتسامح فى مقابل العدوان والتطرف وازدياد معدلات الجريمة.. والانضباط والالتزام والإحساس بالمسئولية فى مقابل السلبية واللامبالاة.
أما السخرية فقد تضخمت فشملت تطرفًا بعد أن كانت تعنى تفكهًا محببًا وتهكمًا لا يتجاوز حدود الأدب والأخلاق المرعية ليسلط الضوء على اعوجاج وسلبيات ونقائص فى سلوك الشخصيات... أو نقضًا موضوعيًا لمفارقات الواقع المعاش.. وكانت تلك السخرية تتصف بالطرافة واللماحية والذكاء فى إبراز العيوب بهدف إصلاحها ولكنها تصاعدت الآن تصاعدًا مزريًا وخطيرًا فأصبحت اعتداء لفظيًا قبيحًا أو عدوانًا بذيئًا.. أو ازدراء بغيضًا أو كراهية عمياء.. أو تحرشًا حقيرًا.. واتخذت لها عنوانًا جديدًا هو التنمر.
وقد انتشرت وتفشت فى الآونة الأخيرة أحداث تنمر عديدة شملت شخصيات عامة وإعلاميين وفنانين وذويهم ومفكرين وساسة ومشاهير من نجوم فى كافة المجالات، آخرها ذلك التنمر الذى تناثرت شظاياه فى وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعى والخاص برحيل لاعب كرة القدم الموهوب «رمضان صبحى» من النادى الأهلى والانضمام إلى نادى «بيراميزا» مقابل (100) مليون جنيه فى (3) مواسم يحصل اللاعب منها على (60) مليون جنيه فور الموافقة.. وعلى (10) ملايين أخرى مع إعلان التعاقد الرسمى.. وعلى أثر ذلك أعلن رئيس النادى «الخطيب» غضبه العارم لسلوك اللاعب، خاصة أنه سبق أن تفاوض بنفسه معه فأبلغه اللاعب برغبته فى البقاء بالنادى الأهلى.. ولكنه غير رأيه طمعًا فى الملايين.. على الرغم من ترحيب نادى «هيدرسفلد» الإنجليزى المعار إليه «رمضان» ببيعه للأهلى.. وبناء على ذلك أصدر «سيد عبدالحفيظ» مدير الكرة بالنادى فرمانًا حاسمًا وحادًا يحذر فيه لاعبى الفريق الأول من التعامل مع «رمضان صبحى» ومخاصمته وعدم التعليق على ما جرى أو التلميح به فى أى وسيلة إعلامية أو عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى.
ويقول المصدر إنه هدد الجميع وتوعدهم بتوقيع عقوبات مشددة مغلظة عليهم إذا ما تم مخالفة هذه التعليمات والحقيقة أنه إذا اعترفنا أن من حق مسئولى النادى الأهلى وجماهيره الغضب لاعتبارات كثيرة أهمها أن «رمضان صبحى» هو ابن النادى فقد كان شبلًا تربى فى مدرسة الكرة للأهلى.. وكبر وتألق بين أحضان ملاعبه.. ثم إن رحيله يمثل خسارة كبيرة فالآمال كانت معقودة عليه لقيادة الفريق إلى انتصارات متتالية.. لكن هذا الغضب الهادر يظل غضبًا انفعاليًا يدحضه حق اللاعب فى ظل نظام الاحتراف أن ينتقل إلى ناد آخر طالما أن هذا الانتقال مشروع من الزاوية القانونية ولا تشوبه شائبة تلاعب أو عوار.. والعقد فى النهاية شريعة المتعاقدين.
لكن أن يتحول الغضب الجامح إلى آفة «التنمر» البغيضة على صفحات التواصل الاجتماعى، حيث تنهمر المتابعات والتعليقات والتعقيبات.. فيصبح ما فعله «رمضان» يدمغه بالخيانة وتدنى الأخلاق والتنكر لقدسية الارتباط بالنادى صاحب الفضل الأول والأخير فى شهرته وبزوغه.. وأضحى بين يوم وليلة متمردًا ألعوبانا غادرًا.. لا منتميا.. شيطانا آثما.. عميلا لجهات معلومة أو مجهولة.. شرها للمال.. عبد الملايين التى من أجلها باع ناديه وجماهيره ووطنه.. وتنكر لأولياء نعمته.. عديم الاشتراكية.. خائن المسئولية يمينيا رجعيا متعفنا.. بورجوازيا لعينا.
تجاوزت مسألة الحزن المشروع لرحيل نجم معشوق لجماهير ناديه إلى تنمر يعكس حقدًا للملايين التى سوف يحصدها لخصه الكاتب الكبير «حمدى رزق» فى عبارة «حديث الملايين يوغر القلوب ويمرر الحلوق»...
سحقًا للتنمر والمتنمرين..