الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكايات الأمل والألم فى إبداعات «فنون جميلة»!

لم يكن طلاب كلية الفنون الجميلة بمعزل عما يدور فى المجتمع خلال الفترة الأخيرة؛ إذ جاءت الأعمال الفنية فى مشاريع التخرج الخاصة بهم لهذا العام انعكاسًا واضحًا لحالات من التأمل والأمل والألم أيضًا عشناها جميعًا فى الآونة الأخيرة لأسباب عدة فى مقدمتها فيروس كورونا.



 

مصطفى حسنى، يبلغ من العمر 24 عامًا، طالب بالفرقة الرابعة، كلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، قسم النحت، شعبة ميدانى، قام باستخدام الحديد والطين الأسوانى والبوليستر والأكريلك، لتنفيذ مشروعه «عنق الزجاجة»، والذى يهدف إلى: التعبير عن شعور الإنسان فى المشاكل الحياتية التى يتعرض لها سواء المادية والمعنوية.

 

 تتلخص فكرة «عنق الزجاجة» فى أن: الإنسان عندما يتعرض للمشاكل الحياتية؛ فإنه عادة ما يبحث عن أسرع وأيسر الحلول للخروج من الأزمة مستبعدًا بذلك طرق التفكير والتخطيط والمفاضلة بين البدائل، فالزجاجة هنا تمثل مشكلة الإنسان؛ حيث يعتقد للوهلة الأولى أن الخروج من الأزمة أمر يسير لا يحتاج للتفكير، ليتفاجأ بعدها بأن المعاناة تكمُن فى «عُنق الزجاجة»؛ المفاجأة التى تدفعه بشكل تلقائى للتسرع ورفع اليدين والرجلين فى آن واحد ظنًا منه أنها المفر، ولكنها هى الطريقة التى ستؤدى حتمًا إلى كسر الزجاجة مع احتمال تعرُّض الإنسان لإصابات جسيمة لها ضرر نفسى، والتى قد تؤثر عليه بالسلب فى مراحل حياته التالية.

 

يقول مصطفى: «كان لاختيار الألوان فلسفة خاصة، فاللون الأزرق من الألوان التى تدل على البرودة الذى يتمثل فى الثلج، فالثلج هنا يعبر عن مشكلة الإنسان، وبسبب تجمده وازدياده عن الحد المحتمل تنكسر الزجاجة، أما إذا كان الثلج بشكل متناسب مع طبيعة تحمله وتعامله وتعايشه مع المشكلة فلن تنكسر الزجاجة».

 

 يضيف مصطفى: «بسبب جائحة كورونا، اضطررنا - طلبة مشاريع التخرج - للعمل بالمنزل، وهو ما كان يعد بالأمر غير اليسير؛ لأننا كنا بحاجة للتفاعل الحى مع أساتذة الأقسام، وبعد الاعتياد على تلك الأزمة استطعت الانتهاء من المشروع بفترة ما تعادل الشهر (من 8 أبريل وحتى 11 يونيو)».

 

لم يختلف الطابع الحزين الغالب فى مشروع «يوسف عمرو»، طالب بالفرقة الرابعة، كلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، قسم جرافيك، شعبة تصميمات، كثيرًا عن مشروع «مصطفى حسنى»؛ حيث كان للأحبار المائية هنا دور فى تعبيره عن فكرة: الموت والنهاية، وعدم استعداد الإنسان - متناسيًا- لحتمية الموت، فالموت هو الحقيقة الوحيدة وسط متغيرات الحياة.

 

قام يوسف بمعالجة هذه الحقيقة بشكل ترميزى، من خلال رسمة معبرة، فيرمز للموت بحيوان الغزال، والذى كان يعتبر قديمًا هو وسيلة الانتقال للعالم الآخر.

 

 يقول يوسف: «كان سبب اختيارى للطابع الحزين مقصودًا، وهذا الأمر كان قبل أزمة الكورونا، ومما لا شك فيه أن تلك الأزمة قد تكون سببًا من أسباب انتشار الحزن بمشاريع التخرج هذا العام».

 

 ويضيف يوسف: «ونتيجة للإجراءات الاحترازية التى فرضتها الدولة للوقاية من الكورونا، كان يحتم علينا هذا الوضع استكمال مشاريع التخرج بالمنزل، رافعين على عاتقنا كيفية النزول لشراء الخامات ومستلزمات التنفيذ وسط تلك الأزمة العالمية، وكان أيضًا من الصعب علينا التواصل مع أساتذة القسم، ولكن نحن مدينون بالفضل لكل من خفف علينا ذلك العبء، مستكملين بذلك مشاريعنا بالمنزل بشكل هادئ بعيدًا عن التوتر والضغط، فضلًا عن النزول وضياع الوقت والجهد».

 

 على الجانب الآخر، عبرت «هدير محمد»، طالبة بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، قسم التصميمات، عن مشروعها «معاناة مرض نادر» ، من خلال رسم فتاة يظهر عليها الألم والحزن، ولا يدرى أحد ممن حولها ما تشعر به، وتهدف بهذا المشروع الإشارة إلى الحالة النفسية السيئة التى يمر بها البعض ولا يجد من يمد له يد العون، وطوق النجاة.

 

تقول هدير: «هذه الفتاة التى تمر بتلك المعاناة قد تعيش طفولة فريدة، ولكنها تجربة من النوع الملىء بالخبرات والآلام والتنمر، ربما لم تضعفها، فقد يكون لتلك الطفولة إسهام فى بناء روح صلبة قادرة على التغلب على أى شىء تمر به، تعانى وتعافر، تشعر بمن يعانى مثلها، فالأمر قد يتطور لديهم حيث الاستسلام مستكملًا معاناته بغرفة صغيرة مغلقة بأحد المستشفيات، يعانى فيها من الاكتئاب، وينتظر على فراشه الموت».

 

 وتضيف هدير: «ومع ذلك لم تُرحم تلك الفتاة، فهناك من الأطباء من يتعامل معها على أنها «فأر تجارب»، وتتعرض للتنمر من زميلاتها ممن يهدمن الروح هدمًا، فتضطر للعيش مع ما تبقى من جسدها المتهالك، بعقل يردد هذه الأصوات البشرية قائلًا: «أنتِ لا تستحقين الحياة»، ولكنها تحاول التمسك بفتات الحب المتبقى الحقيقى ممن حولها، ورغم كل شىء تحاول ألا يُنقِص العلاج المرير والمرض الطويل من جمالها وعزيمتها شيئًا، فتتخذ من الصبر مسلكًا لتؤكد وبقوة على أن: «المرض الحقيقى هو مرض النفس والعقل، فهى لا ينقصها شىء». 

 

 كما جاء مشروع «مى الأشقر»، الطالبة بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، قسم جرافيك، شعبة الرسوم المتحركة وفن الكتاب، ليخرج عن الإطار الحزين قليلًا ويتحول إلى قضية مجتمعة ذات مغزى مؤثر، وهو مشروع « اختيار» والذى يهدف إلى التعبير عن: الحالة النفسية للطفل عند انفصال الأب والأم، مستمدة قصتها من الواقع المجتمعى الذى نعيشه وارتفاع نسب الطلاق المُتسببة بانحدار الحالة النفسية للأطفال، مستشهدة بذلك على حب التملك لكل من الأب والأم بالاستحواذ عليه، متجاهلين بذلك المشاعر الذاتية والحقيقية للطفل.

 

وتهدف مى بـ « الاختيار» إلى توجيه نصيحتين: أولاهما: الاختيار الصحيح من البداية؛ لأن الاختيار الخاطئ يضع الأطفال فى دائرة المجازفة بالتأثير السلبى على حالتهم النفسية، وثانيتهما: هى ترك مجال لحرية الطفل، وأن له الحق بالتعبير والاختيار، فلا ذنب له بتلك المشاكل الأسرية؛ وكل ذلك ينعكس على النشأة السليمة للطفل.

 

وتضيف مى: «تخطى تنفيذ المشروع مدة الـ5 أشهر بدايةً من التفكير بالفكرة وصولًا إلى تنفيذها، من خلال الرسومات على الورق وتجميع الأفكار بشكل تقريبى، وحتى التصميم باستخدام برنامج الفوتوشوب، وتكمن الصعوبة الكبرى فى كيفية التواصل والمتابعة الفعالة مع أساتذة القسم، ولكن بالاعتياد على التواصل الإلكترونى تم الأمر واستطعت الانتهاء وتسليم مشروع « اختيار».

 

«فى دروب الحياة التقينا، ومضى الزمان ومضينا، لنجد أنفسنا فجأة فى مفترق الطريق، عندها تتصافح الأيدى، وتغرق العيون بالدموع؛ لتبقى تذكارًا بين الأحبة»، كلمات شهيرة، على إثرها رددتها «ياسمين جمال»، طالبة الفرقة النهائية، بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، قسم التصميمات، حيث رسمت بريشتها بالألوان الرمادية مشروعها «الجندى المفقود»، مكتفية بوجود جنديين، وكلبين يبدو على أحدهما علامات الحزن.

 

وتابعت ياسمين تلك الكلمات الحزينة لتستكمل وصف مشروعها «الجندى المفقود»: «نشعر وكأننا فى أرض غريبة، ونسرح للحظات نتأمل فيها الماضى، يوم كنت تدخل علينا وأنت مبتسم، ونسمع منك تلك الكلمات التى تواسينا وتشجعنا بها، عندما كنا فى مقتبل العمر نخلق السعادة ونصنع الابتسامة وسط جبل الهموم والأحزان، وكلبك الحكيم الذى يزحف إلى ركن هادئ ويعلق جروحه ولا ينضم إلى العالم، وإن فرقتنا الأيام، وتباعدت الأجسام؛ فإن فى الصدر قلبًا ينبض بك، ويحيا بذكراك، ويسترجع لحظات عذاب، ولقاءات الأحباب، وابتسامات صادقة، لن نقول وداعًا، بل ستبقى الذكرى وصور المحبة شامخة على أمل لقائك».

 

أما عن «إسراء مهران»، طالبة قسم النحت، شعبة النحت الميدانى، بكلية الفنون الجميلة، جامعة حلوان، فمن خلال استخدامها لخامتى الحديد والطين الأسوانى استطاعت تنفيذ مشروعها «وهم»، واكتفت بالتعبير بكلماتها القليلة المعبرة عن المشروع  قائلة: «كثيرًا ما ننحاز للوهم، فهو أرض رخوة تنتشلنا للأسفل، فتجعلنا نسقط، وما الوهم إلا تمنٍّ نتعمد خلقه لنبقى!!، فنحن نخلق وهمًا بأفكارنا لمجرد البقاء سواء فى حياتنا الشخصية أو حياتنا العامة فى تعايشنا مع الوباء، فهو بناءٌ من العدم».