السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الخريطة الذكورية لطاعة المرأة

الخريطة الذكورية لطاعة المرأة

8 مارس، يوم المرأة العالمى هذا العام 2020، يحمل شعار «جيل المساواة.. أعمال الحقوق».



 

على مر السنوات، تبنى اليوم العالمى للمرأة، شعارات كثيرة متنوعة، تناولت الحقوق السياسية، والاجتماعية، والقانونية، والدستورية، والصحية، والبيئية. لكن الملفت للنظر، أن لا يوم من الأيام العالمية للمرأة، قد تبنى الخيط الأول للقضية، والذى تنبع منه، كل تنويعات القهر، وعدم تكافؤ الفرص، والعنف الأسرى، والغير أسرى. وأقصد به «الطاعة».

 

على مدى أكثر من مائة عام، لم أر شعارًا واحدًا، يُخصص لموضوع، ومفهوم الطاعة، التى ترسم الخطوط الرئيسية، للخريطة الذكورية. ولا أفهم لماذا. فأى حقوق مكتسبة للنساء، فى أى مجال، سوف تُضرب بكرباج الطاعة.

 

 «الطاعة»، البئر الذى تشرب منه النساء طوال التاريخ. شربت منه الماء العكر، حتى ماتت من العطش، وجفت من الظمأ.

 

«طاعة» النساء، مقدسة، لا تمس، ولا تناقش من قريب، أو من بعيد. ومجرد ذكرها، يعتبر رذيلة، يجب بترها، واستئصالها قبل أن تستفحل، وعقابها بأشد العقوبات.  «عدم طاعة» المرأة، اختلال عقلى، وارتباك فى الهرمونات، وشذوذ عن طبيعة النساء، وتخريب لسنُة الحياة، وتدمير للدفء الأسرى، وإطاحة بمصلحة الزوج، والأطفال، وكفر، وانحلال، وتهديد للمجتمع كله.

 

 نتكلم عن محاربة العنف ضد النساء، بكل أشكاله، ودرجاته، وفى كل مجال، ومكان، وننسى أو نتجاهل، أن «الطاعة»، هى أشرس أنواع العنف، وأكبر تجليات سلب الإنسانية، وإجهاض الكرامة.

 

إن الإنجازات التى يمكن أن تحققها المرأة، تنكسر وتفقد مفعولها، على صخرة «الطاعة». مثلاً، إذا أرادت امرأة متزوجة، أن تواصل التعليم، إلى أعلى درجاته، ثم تعمل، فإنها لا تستطيع تحقيق هذا الطموح، إلا إذا وافق الزوج، وأعطاها «الِإذن»، و«التصريح»، و«المباركة». وإذا لم يرض الزوج، على زيارة زوجته، لأمها المريضة، ولو مرة فى الأسبوع، ليس لها أن تعترض، أو تتذمر، أو تسأل عن السبب. بل عليها «الطاعة العمياء».

 

ولتذهب أمها، التى أنجبتها، وتعبت فى تربيتها، إلى الجحيم. ولو رغبت امرأة متزوجة، فى خدمة الوطن، والمشاركة السياسية، بالالتحاق بجمعية، أو حزب، والزوج لا يعجبه هذا الكلام، ويراه انتقاصًا من «خدمة ورعاية» زوجته له، فما عليها إلا الرضوخ.. ولتنسى «خدمة الوطن». وإذا رفضت الزوجة ارتداء الحجاب، أو النقاب، ولكنها أوامر الزوج، فعليها الاستجابة الفورية.

 

وأول الصفات التى يطلبها الرجل فى الزوجة، أن تكون «مطيعة».. «بتسمع الكلام».

 

وقبل الزواج، فإن الأب، يلعب الدور نفسه، مع ابنته. يستطيع أن يحرمها من كل الأشياء التى تحبها، وتتوق إليها، وتساعد على بناء إنسانيتها الكاملة، وشخصيتها السوية، مستخدمًا سلاح «الطاعة». بذلك، يدرب ابنته، ويجهزها، إلى بيت الزوجية، «بيت الطاعة».

 

وتتُرجم طاعة الزوج، فى مقولة: «مراتى وأنا حر فيها».

 

وتُترجم طاعة الأب، فى مقولة: «بنتى وأنا حر فيها». وهذا ليس فقط فى بلادنا، ولكن على مستوى العالم. يكمن الاختلاف فقط، فى الدرجة والشكل، لكن الجوهر واحد.

 

قلة من النساء، تمردن، على موروث الطاعة، ولم يخفن من العواقب، والاتهامات. نساء كرامتهن أغلى، وأهم، وأبقى، من «الستر»، و«اللقمة»، فى بيت الزوج.

 

أما «طاعة» الرجل، للمرأة، غائبة فى قاموسنا اللغوى، وتفكيرنا، وثقافتنا، وتراثنا الدينى. أو حتى فى خيالنا. ولماذا؟ لأن الرجل، «إنسان»، متكامل، وليس «عبدًا»، أو «مملوكًا»، أو «ناقص الأهلية». بل إن مجرد التساؤل، لماذا لا يطيع الرجل، كما تطيع المرأة، هو رذيلة، وإهانة كبرى، لإنسانيته، وعقله، ومكانته، ورجولته. «الرجل المطيع» مصطلح غير موجود.

 

لكن «الطاعة» للمرأة، فضيلتها الوحيدة، والدليل الأقوى على أنوثتها.

 

«الطاعة »، من ميراث العصور العبودية، حيث يوجد «أسياد»، يمتلكون «عبيد»، و«جوارى»، تنحصر مهمتهم فى الخدمة، والطاعة، مقابل توفير الأسياد، للأكل، والمأوى.

 

شىء معيب، ومهين جدًا، أن تنتهى عصور العبودية، بينما ثقافة الاستعباد، والطاعة، ما زالت موجودة، بكل جبروتها، وهيمنتها، واستبدادها.

 

كنت أتمنى، لو جاء شعار اليوم العالمى 2020، ليس «جيل المساواة.. أعمال الحقوق»، ولكن «استئصال الطاعة» من جذورها، وتسميتها باسمها الحقيقى «رذيلة»، وليست «فضيلة»، أو «أنوثة»، أو تميزًا إيجابيًا.

 

إذا توقفت النساء عن طاعة الذكور، ستحدث انقلابات خطيرة، فتبدأ المرأة فى إنجاب الأفكار بدلًا من إنجاب الأطفال، ونشر القصائد بدلًا من نشر الغسيل، وكنس التقاليد المكبلة بدلًا من كنس البلاط، ومسح المهانة بدلًا من مسح أرضيات الغرف والحمامات، وخلط مكونات الكرامة بدلًا من خلط الطبيخ بالبهارات، وتلميع الحضارة الإنسانية بدلًا من تلميع حذاء الزوج.