عبدالله رشدى.. تاجر صكوك الجنة!
عبدالله رامى
فى إحدى ليالى شهر أبريل 2013 كان الهولنديون فى انتظار حفل موسيقى بالأوبرا الوطنية.. امتلأت القاعة بالحاضرين ممن جاءوا للاستمتاع بالموسيقى.. وفى المقصورة الرئيسية كانت ملكة هولندا «بياتريكس» تنتظر أن يبدأ العزف.. وإذ بأحد الحاضرين ينتزع الميكروفون ويرتل آيات من القرآن.. داعيًا الملكة لاعتناق الإسلام قائلًا «اعبدى الله وحده لأن هذا هو الصراط المستقيم».
بالطبع لم ينجح الرجل المسلم فى إقناع الملكة بالدخول فى الإسلام.. لكنه أفسد الحفلة على الحاضرين.. حيث انسحب أعضاء الفرقة واحدًا تلو الآخر.. وأُسدل الستار من دون عزف الموسيقى.
يشبه ذلك ما يفعله دائمًا «عبدالله رشدى»، فهو بارع فى انتزاع الميكروفون وإفساد الحفلات.. ففى الوقت الذى يعلن فيه المصريون فرحهم بتكريم الرمز المصرى الدكتور مجدى يعقوب فى حفل صناع الأمل بالإمارت؛ قرر خطيب مسجد السيدة السابق أن يبهرنا بعلمه قائلًا «العمل الدنيوى مادام ليس صادرا عن الإيمان بالله ورسوله فقيمته دنيوية بحتة، تستحق الشكر والثناء والتبجيل منا نحن البشر فى الدنيا فقط، لكنه لا وزن له يوم القيامة» مستشهدًا بالآية 23 فى سورة الفرقان {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}.
خرج بعد ذلك «رشدى» ليعلن أن لم يقصد بكلامه (الذى تزامن مع الحدث) الدكتور مجدى يعقوب على الإطلاق.. وأنه فقط يوضح للمسلمين أسس العقيدة!.. لكن يبدو أنه نسى تاريخه الطويل فى التكفير.
«يوم القيامة لا تطالبنى أن أدخلك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» هكذا تفرغ رشدى لتحديد أهل الجنة (ممن يطالبونه بدخولها) متعديًا على حق لله وحده.. لم يكتف بذلك فقط لكنه تطاول على كل من خالفوا ما يقول بمن فيهم علماء الأزهر الشريف قائلًا «الحُمر التى لا تستوعب الأحكام الدينية العقدية الثابتة... لا مكان لهم فى مصاف العقلاء»!
ظهر رشدى فى الإعلام للمرة الأولى فى العام 2011 على قناة الفجر المملوكة لرجل الأعمال سعيد توفيق، الراعى للكثير من أنشطة جماعة الإخوان.. حيث كان يقدم برنامج «القول الفصل» الذى يعتمد على المناظرات الدينية حول المسائل الخلافية فى الإسلام.
أغوى الظهور فى الإعلام الشيخ الشاب بحثًا عن مزيد من الشهرة والنجومية، ليخرج فى وسائل الإعلام تارة كمتحدث باسم الأزهر وأخرى كباحث فى شئون الأديان والمذاهب، ليناظر ما أسماهم «العلمنجية والملحدين».
بلغت ذروة شهرة الشيخ الشاب فى العام 2015 بعد مناظرة الباحث إسلام بحيري.. والتى خرج منها الشيخ الشاب فرحًا وكأنه منتصر فى إحدى الغزوات، لينشر بعدها أجزاء من الحلقة على صفحته بالفيسبوك ذيلها بعناوين من قبيل «رد نارى من عبدالله رشدى على الملحد إسلام بحيرى».. ليقود حملة على مواقع التواصل الاجتماعى بهدف زيادة شعبيته وتحويل الخلاف فى الآراء إلى حلبة مصارعة يشجع فيها الجمهور الفائز.
الغريب أنه فى الحلقة نفسها أباح عبدالله رشدى زواج القاصرات فى سن 9 سنوات «إذا كانت تطيق الوطء أو سمينة شوية» بحسب تعبيره.. ضاربًا بتقاليد المجتمع وقوانين الدولة عرض الحائط.
على نفس المنوال فى إثارة الجدل والفتنة خرج رشدى مرة أخرى فى 2017 مرددًا ما قاله الشيخ سالم عبدالجليل بأن المسيحيين «أهل النار وعقيدتهم فاسدة» أملًا فى جذب مزيد من المتابعين.
الشاب الذى نصّب نفسه مدافعًا عن الإسلام، تجاوز حدود وظيفته مرة أخرى كخطيب فى مسجد لا يحق له الفتوى، وأفتى بجواز معاشرة سبايا الحرب عبر صفحته مبررًا ذلك بأنها «إنسانة لها احتياجات، فطالما رضيت بعلاقة بينها وبين سيدها فلا حرج عليها ولا عليه، بالرضا لا بالإكراه».. تزامن ذلك (ربما بالصدفة) مع اعترافات مغتصبة هاربة من معاقل داعش الإرهابية، لكن بالتأكيد لم يكن الشيخ يقصدها أو يبرر الإرهاب لأنه لم يذكرها فى فتواه العجيبة!
وقبل شهور عندما انتقدت إحدى المذيعات آراء الشيخ الشعراوى على صفحتها الشخصية.. كان الداعية أول من أدلى بدلوه فى الموضوع.. ليحاول تصوير الأمر وكأنه هجوم على قواعد الدين ذاته.. وشمر عن ساعديه لمواجهة تلك الحرب المزعومة من «أعداء الإسلام والملاحدة» بحسب تعبيره.. فى حين أن الأمر لم يتجاوز رأى فى أفكار شيخ من الشيوخ!
رغم محاولة «رشدى» إخفاء دعمه للإرهاب بشكل صريح؛ فإن ما يكتبه ويصرح به طوال الوقت يؤكد عكس ذلك.. حيث خرج قبل أسابيع يُحيى ذكرى رحيل أحد السلاطين العثمانيين قائلًا «انتقل إلى جوار ربه السلطان الغازى المُعَظَّمُ أميرُ المؤمنين عبدالحميد الثاني..آخر السلاطين الفعلِيِّين للدولةِ العُثْمانِيَّةِ العَلِيَّةِ.. كان حجر عثرةٍ أمام هرتزل ورفض منح فلسطين للصهاينة وطنًا لهم».. وربما من قبيل الصدفة أيضًا أن يتزامن ذلك مع مواجهة الدولة لما يسمى بإحياء الخلافة الإسلامية.
كذب رشدى على الناس وعلى التاريخ بوصف عبدالحميد الثانى أميرًا للمؤمنين زاعمًا أنه حافظ على فلسطين، فى حين أنه هو من تفاوض مع هرتزل على الأراضى الفلسطينية مقابل سداد ديونه المتراكمة. ومرة أخرى خرج رشدى مدافعًا عن الشيخ أبو اسحاق الحوينى الذى اعترف بخطأ كثير من فتاواه، ومن المعروف للجميع انتماء الحوينى للتيار السلفى المتشدد.. بالإضافة لاستناد الكثير من الجماعات الإرهابية لفتاواه لتبرير القتل والسبى باسم الإسلام.. وهو ما يعطينا تصورًا عن كيفية تفكير الشيخ الشاب، أسباب تكفيره للمجتمع.. فهو ابن لذلك التيار سواء أعلن ذلك صراحة أم لا.
الأدلة التى تؤكد إفك ما يقوله الداعية الشاب كثيرة منها على سبيل المثال ما ورد فى سورة البقرة «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون».. أو ما ورد عن النبى (صلى) عند موت عثمان بن مظعون «ما أدرى والله وأنا رسول الله ما يفعل بى».
لكننا لسنا فى مناظرة للتأكيد على أن الله لم يوكل أحدًا من خلقه باختيار من يدخل الجنة.. بل نحن أمام أحد مثيرى الفتنة فى المجتمع باسم الدين.. لم يكن ذلك فى واقعة بعينها ولكن على مدار 9 سنوات..
وتبقى عدة أسئلة مهمة: هل كانت وزارة الأوقاف ستمنع عبدالله رشدى من الخطابة لو ردد نفس ما يقول على منبر مسجد السيدة نفيسة فقط؟ ولماذا عاد إلى الخطابة بعد منعه فى 2017؟
قد تظن المؤسسات الدينية خطأً أن المجتمع يواجه شخصًا بعينه، وهو ما يجعل الأزمة قائمة فى جميع مساجد مصر.. نحن نواجه أفكارًا تؤثر على رؤية الناس بجميع طبقاتهم للدين.. ورؤية قاصرة تحاول طوال الوقت افتعال الأزمات وفرز الناس، وتزعم أن المجتمع والدوله على ضفة أخرى فى مواجهة المؤسسات الدينية.
الأفكار التى يروجها عبدالله رشدى تؤكد على ضرورة تجديد الخطاب الديني.. لأن منعه من الخطابة لا يتجاوز مجرد حل مؤقت.. بينما أمراض التفكير الدينى لا تزال موجودة، بل ويرددها الكثير من الشيوخ على المنابر، ما يستوجب وقفة حقيقية وعلاجًا جذريًا من المؤسسة الدينية.







