حريم رمسيس الثانى
كانت مصر فى عهد «نجم الأرض» الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثانى قوة عظمى، فقد كان زمنه علامة فارقة فى تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم؛ نظرًا لعظمة مصر وتجدُّد أمجادها مثلما كانت فى عهود الملوك العظام: تحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وتحتمس الرابع إلى والده الملك سيتى الأول الفاتح العظيم.
لطول فترة حكم رمسيس الثانى ولكثرة العمران والبناء والتشييد فى عهده، ولرخاء الإمبراطورية المصرية فى أرجائها الفسيحة على نطاق واسع كان الجميع يخشى قوة مصر العظمى ويهابها بشدة، ويرجو صداقتها، وكان الحيثيون (أو الخِيتيون أهل ملكة خِيتى أو بلاد الأناضول فى تركيا وشمال سوريا) من القوى البازغة على مسرح الأحداث، وبدأت تتنافس مع مصر العظمى، ثم دخلت مصر فى حروب مع الحيثيين انتهت بتوقيع أقدم معاهدة سلام فى التاريخ بين رمسيس الثانى وملك الحيثيين الملك خاتوشِلى الثالث فى العام الحادى والعشرين من حكم رمسيس العظيم.. ومن المعروف عن الملك رمسيس الثانى أنه كان متعدد الزوجات، وكان مولعًا بالنساء؛ ولذا كان كثرة زيجاته من أميرات الشرق الأدنى القديم. وكان هذا الزواج يدخل فى نطاق ما يمكن أن نطلق عليه «الزواج الدبلوماسى»، وكان الهدف منه تكوين تحالفات سياسية وعسكرية بين القوى العظمى.
الملكة نفرتارى هى جميلة الجميلات، الأكثر سحرًا وجاذبيّة وفتنة والأحب فى قلب زوجها نجم الأرض، فرعون مصر الأشهر، الملك رمسيس الثانى الذى عاش فى الأسرة التاسعة عشرة فى عصر الدولة الحديثة. واسمها الكامل هو «نفرتارى ميريت موت». ويعنى «نفرتارى محبوبة الربة موت». ويعنى اسمها المختصر الأشهر، «نفرتارى»، «أحلاهن»، أو «حلاوتهم» بالعامية المصرية، ومن فرط حب وإعزاز رمسيس الثانى لزوجته نفرتارى صوّرها معه فى معظم آثاره، وبنى الآثار الكبيرة والجميلة لها مثل مقبرتها فى وادى الملكات رقم 66 ومعبدها فى «أبوسمبل».
«أبوسمبل» الكبير هو أحد أربعة معابد بُنيت خلال فترة حكم رمسيس الثانى كوحدة واحدة، وقد أمر مهندسيه البارعين بالبدء فى بنائه فى السنوات الأولى لحكمه واكتمل العمل فيه فى العام الخامس والعشرين من حكمه، ويعتبر من روائع العمارة المصرية، ومن أروع معالمه اختراق شعاع الشمس باب المعبد ليصافح وجه رمسيس الثانى مرتين من كل عام فى ظاهرة هندسية وفلكية تثير الانبهار باستمرار. حين اكتشف سيكيا باريللى مقبرة نفرتارى الجميلة فى عام 1904، فتح الباب ليطل العالم على واحدة من أجمل الإبداعات الفنية فى العالم عبر تاريخ الفن البشرى الطويل، وعلى واحدة من أجل وأجمل المقابر القادمة من مصر الفرعونية ذات الرسوم التى تخلب الأبصار، وتسحر العقول بجمال مناظرها، وتنوُّع موضوعاتها، ونقاء وصفاء ألوانها. وأصبح من المفضَّل عند عشاق الجمال الراغبين فى نشدان البهجة زيارة هذه المقبرة للنهل من جمالها الأخّاذ، وأصبح الجمال علامة وعنوانًا عليها وعلى صاحبتها، جميلة الجميلات، كما كانت الحال فى حياتها الأولى المليئة بالجمال والحب والسعادة والعشق فى عهد مليكها العاشق الأبدى لها ولجمالها الذى كانت تنافس به حتحور ربة الحب والجمال عند قدماء المصريين. وتحول الطموح الفنى الذى راود وساور صاحبتها ومبدعيها إلى حقيقة واقعة واضحة كوضوح الشمس فى كبد السماء فى نهار مشمس رائق العذوبة.
وربما ماتت نفرتارى فى العام الثلاثين من حكم رمسيس الثانى المديد. ودُفنت فى مقبرتها الأشهر والأكبر والأهم بين مقابر وادى الملكات، لكن المؤكد أنها كانت ملكة قوية ومؤثرة بقوة فى عهد زوجها، ولعبت- آنذاك- دورًا كبيرًا فى الشئون الدبلوماسية فى الدولة المصرية العريقة؛ نظرًا لما كانت تتمتع به من مهارات عديدة مثل فنون الكتابة، خصوصًا الهيروغليفية، والقراءة وأصول وفنون علم المراسلات الدبلوماسية، فأفادت بمهاراتها الكبيرة مصر وزوجها الملك العظيم الشأن فى الشرق الأدنى القديم، فضلاً عن حبها وإخلاصها لزوجها الملك المعظم، ما جعل من قصة حب رمسيس الثانى ونفرتارى أعظم قصص الحب والعشاق التى خلّدها الإنسان فى الحجر والفن قبل أن يخلّدها فى فنون الأدب والقول.
كانت الملكة إيست نفرت الأولى (أو «إيزيس نفرت الأولى») زوجة ملكية كبرى من الزوجات الملكيات العظيمات (مع الملكة نفرتارى والملكة سات آمون) للملك رمسيس الثانى، ويعنى اسمها «إيست الجميلة» أو «إيزيس الجميلة».
وبعد الموت المبكر والمفاجئ لجميلة الجميلات الملكة نفرتارى فى نحو العام الرابع والعشرين من حكم زوجها الملك رمسيس الثانى، اضطر إلى رفع زوجته الأخرى إيست نفرت الأولى إلى مقام الزوجة الملكية الكبرى الذى فرغ برحيل حبيبة قلبه الجميلة ومعشوقته الكبرى الملكة الفاتنة نفرتارى التى لم يملأ قلبه غيرها، على الرغم من كثرة زيجاته وولعه الكبير بالنساء؛ لأنها كانت «حلوة الحب» فى عين جلالة الملك المُعَظَّم.
ولا نعرف على وجه التحديد هوية والدىّ الملكة إيست نفرت الأولى. وربما كانت من دم غير ملكي؛ نظرًا لأنها حملت لقب «الأميرة الوراثية»، ولم تحمل لقب «ابنة الملك» أو «أخت الملك» أو ما شابه من ألقاب كانت تحملها عادة نساء البيت المالك. وحملت الملكة إيست نفرت الأولى العديد من الألقاب والصفات الملكية المهمة. وكان من ضمن ألقابها ونعوتها، «أم الأمراء» و«زوجة الملك»، و«عظيمة المديح»، و«سيدة الأرضين بأكملهما»، و«زوجة الملكة». غير أن أهم ألقابها كان «الزوجة الملكية الكبرى».
وربما كانت الملكة إيست نفرت الأولى أولى زوجات الملك رمسيس الثانى، قبل الملكة نفرتارى، وقبل أن يصل إلى الحكم، وحصلت على لقب الزوجة الملكية الكبرى بعد رحيل نفرتارى المبكر. غير أن ظهور الملكة إيست نفرت الأولى على الآثار كان فى مناظر عائلية بصحبة الملك وأبنائها أولياء العهود رمسيس وخع إم واست ومرنبتاح. ومن الملاحظ أنها كانت تظهر مع الملك رمسيس الثانى بصبحة أبنائها، ولم تكن تظهر كثيرًا منفردة مع زوجها الملك، كما كانت الحال مع حبيبة قلبه الملكة الجميلة نفرتارى التى كانت تظهر مع رمسيس العظيم فى معظم آثاره. وبدأت الملكة إيست نفرت الأولى فى الظهور ابتداءً من العام الخامس والعشرين من حكم زوجها الملك وبعد رحيل نفرتارى فى العام الرابع والعشرين من حكمه. كانت الملكة إيست نفرت الأولى أم أكبر أبناء الملك رمسيس الثانى. وأنجبت ثلاثة من الأبناء وبنتًا واحدة (أو بنتين). وهم الأمير والقائد العسكرى رمسيس الذى كان وليًا لعهد أبيه الملك من العام الخامس والعشرين إلى العام الخمسين من حكم والده، وربما الأميرة إيست نفرت، المسماة على اسم أمها، التى ربما كانت إيست نفرت الثانية. وكان أهمهم كاهن المعبود بتاح فى مدينة منف، وأقدم مرمم للآثار فى التاريخ، الأمير خع إم واست الذى كان وليًا لعهد أبيه من العام الخمسين إلى العام الخامس والخمسين من حكم أبيه (ويعنى اسمه «الذى يشرق فى طيبة»)، والذى رحل فى حياة أبيه، والبنت الملكية الكبرى للملك رمسيس الثانى الأميرة «بنت عنات» التى تزوجها الملك رمسيس الثانى،وصارت الملكة «بنت عنات الأولى»، وولى العهد وخليفة الملك رمسيس الثانى، الملك الشهير مرنبتاح، (ويعنى اسمه «محبوب الرب بتاح»)، الأمير الثالث عشر من أبناء رمسيس الثانى الذى عاش بعد أن رحل إخوته الاثنا عشر أميرًا من قبله. ويدل اختيار أبناء الملكة إيست نفرت الأولى لولاية عرش أبيهم رمسيس الثانى وللزواج من إحداهن على أهمية وعظم المكانة التى تمتعت بها لدى زوجها، ومن الجدير بالذكر أن الأمير خع إم واست أنجب ابنة وأطلق عليها إيست نفرت على اسم والدته، واعتُبرت إيست نفرت الثالثة التى ربما تزوجت من الملك مرنبتاح، غير عمتها إيست نفرت الثانية. وربما أطلق الملك مرنبتاح اسم أمه على واحدة من بناته. وربما دُفنت الملكة الأم إيست نفرت الأولى بعد وفاتها فى إحدى مقابر وادى الملكات كعادة ملكات العصر.
وعلى الرغم من أن الملكة إيست نفرت الأولى لم تكن مشهورة فى ربع القرن الأول من حكم رمسيس الثانى، الذى حكم مصر لنحو ستة وستين عامًا، غير أنها حصلت على ولاية العرش لأبنائها الثلاثة على التوالى الأمراء: رمسيس، وخع إم واست، وأخيرًا مرنبتاح الذى صار ملكًا بالفعل.
لم نزل مع الملك رمسيس الثانى نتتبع سيرة المعروفات لنا من زوجاته العديدات، غير أن هذه المرة الملكة مختلفة تمامًا؛ فلم تكن مصرية كسابقتيها، وإنما كانت أميرة أجنبية من بلاد الحيثيين، ما يعنى أن مصر القديمة كانت مجتمعًا منفتحًا جدًا ومتسامحًا للغاية ومتعدد الثقافات والأعراق بشكل ليس له مثيل، وأن ملوكها البنائين العظام آمنوا بتلك القيم والمبادئ وطبقوها فى حياتهم وحكم دولهم وممالكهم وعلى رعاياهم.
تزوج رمسيس العظيم من إحدى الأميرات الحيثيات الجميلات وأعطاها اسمًا مصريًا، وصارت ملكة مهمة من زوجاته الكبريات، وهى الملكة «ماآت حور نفرو رع». ولا نعرف اسمها الحيثى. ويعنى اسمها المصرى «التى ترى حور، الجمال الرائع للإله رع». وكانت هذه الملكة كبرى بنات الملك الحيثى خاتوشِلى الثالث، ودفع لها الملك المصرى مهرًا كبيرًا. وكان هدف الحيثيين من هذا الزواج أن يكون مقدمة لأواصر الصداقة والمحبة مع الملك المصرى العظيم.
ومن عظيم تقدير الملك رمسيس الثانى للملك الحيثى خاتوشِلى الثالث وابنته أن أمر بنحت لوحة تذكارية تخليدًا وتكريمًا لزواجه من تلك الأميرة الحيثية، والأهم أنه أمر بأن يتم نحتها فى واحد من أهم معابده الكبرى، وأعنى معبده الكبير الأشهر بـ«أبوسمبل». وذُكر تحت الخرطوش الذى يحتوى على اسم الملكة الحيثية «ابنة الحاكم العظيم لخيتى». وعلى هذه اللوحة ذكر رمسيس العظيم عنها ما يلي: «الجميلة فى قلب جلالته، وأنه أحبها أكثر من أى شىء». وكانت هذه التعبيرات من العبارات المصرية التقليدية فى هذا السياق. وحملت الملكة من الألقاب الملكية لقب «سيدة الأرضين»، واللقب الأهم لقب «الزوجة الملكية الكبرى»، الذى ربما حصلت عليه بضغط من أبيها الملك الحيثى. غير أن النصوص المصرية كانت تذكرها دائمًا بالوصف التالى «ابنة الحاكم العظيم لخيتى».
أنجبت هذه الملكة طفلاً، ربما كان هذا الطفل أنثى مما أغاظ والدها الملك الحيثى الذى كان يأمل أن تنجب ولى العهد لرمسيس العظيم. وماتت هذه الطفلة صغيرة، غير أنها بعد فترة زمنية، تركت العاصمة بر رمسيس. وبنى لها الملك رمسيس العظيم قصرًا منيفًا فى ضيعة «مر ور» (مدينة غراب فى الفيوم حاليًا) التى خصّصها لها. وانسحبت من المشهد، وانضمت إلى الحريم الملكى فى مدينة غراب. وربما ماتت صغيرة ودُفنت فى مدينة غراب.
ومن الملاحظ أن الملكة الحيثية لم تظهر مع رمسيس العظيم فى آثاره كثيرًا؛ بل إن بعض آثارها معه تعرض للتدمير ولا نعرف السبب وراء ذلك على وجه التحديد، وربما كانت غيرة سيدات البيت المصرى الحاكم وراء محو ذكراها من مصر.>