«أدخلوا المهرجين والبهلوانات»
هذا العنوان الذى يحمله مقالى مأخوذ من كتاب (لست وحدك) وقبل أن أتحدث عن أستاذنا الكبير صاحب الكتاب أود أن أصطحبكم فى جولة داخل الصفحات التى تصل إلى 92 صفحة فيها خلاصة تجربة جديرة بالاحترام والأخذ فى الاعتبار أنها مشوار فكر حياة أوجزها كاتبنا الكبير فى مقولات ذات دلالة لينبهنا لما وراءها من حكمة أو معلومة أو تبصر سياسى لحدث، وهو فى ذلك لا يرهق القارئ، بالعكس يقول له: (لقد فهمت ما تريد أيها القارئ العزيز). فقد أوجز أستاذنا فى شكل كبسولة سهلة القراءة والفهم ليصل المعنى المراد بسهولة ويسر وبشكل يتماشى مع رواد التواصل الاجتماعى (اختصر وفيدنى) فجاء ذلك فى بضعة سطور لا تتعدى الخمسة إلا قليلاً، وإذا تعدت الصفحة فإن الحدث عميق ليأخذنا معه فى سباحة تاريخية موجزة للغاية للتوضيح كما فعل مع فكرته التى تحمل عنوان: (مصائب الشرق الأوسط) ليصل لنا إلى نتيجة تقول: (جر مصر لحروب خارج حدودها). أما العنوان الرائع الذى يحمله مقالى (أدخلوا المهرجين والبهلوانات) والذى لخص فيه ما نعيشه دون القول بذلك فى سطوره المعدودة فقط قال: (فى السيرك تكون الألعاب الخطرة التى يمارسها من يعملون مع الحيوانات المفترسة والتى يحاولون الإيحاء بأنها صارت مولفة لهم ولم تعد خطرة وإن هذا ليس صحيحًا، علاوة على ألعاب التسلق الأكثر خطورة على الحبال وغيرها، ويذكر أستاذنا أنه عندما يكون هناك حوادث من جراء هذه الألعاب، فإن القائمين على السيرك يجرون بسرعة لإدخال المهرجين والبهلوانات ليقوموا بأداء ألعابهم الملهية حتى لا يلتفت الحضور لخطورة ما حدث من الألعاب السابقة) أوجز أستاذنا ما نعيشه فى سيرك الحياة على كل المستويات، ويوضح بطريقة صوفية دلالة قول الله عز وجل فى: (لا تخافوا ولا تحزنوا ولا تهنوا) فإن الله الذى فضّل الإنسان وجعله خليفة له فى الأرض يريد منه أن يكون قويًا ولا يعرّض نفسه للخوف أو الحزن أو الإهانة، ويرى أن الغول الذى يسحق أرواحنا ليس الموت ولكن الاكتئاب، وأن الحياة (ظاهرة مؤقتة) وأننا نعيش تخمة إعلامية (تمزق الوطن) ولا يمكننا أن نفرق بين الترفيه والعمل ولا نقدر على ممارستهما معًا فى مجتمعاتنا التى يراها عالم الثالث عشر وليس العالم الثالث، ويبحر بنا الأستاذ فى العوالم وأغوار السياسة بطرق مختلفة فهو تارة يرى أن (العالم العربى تحالفه مستحيل رغم المخاطر) ويضرب لنا مثلاً فى سطور قليلة بأن العالم كله تعدى المستحيل ماعدا نحن، أمريكا وروسيا تحالفتا فى الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، ولكن ما زال الأمر لدينا مستحيلاً، ويصف لنا أنه فى الستينيات كان هناك تقارب «روسى - أمريكى» وسافرت من الأخيرة فرقة غنائية ذائعة الصيت وفى روسيا غنوا (راسبوتين) رجل الدين الفاسد عشيق زوجة القيصر الذى قامت عليه الثورة البلشفية وقام الشعب بقتله هو وكل أفراد أسرته، إلا أن هذا العمل الوحشى لم يقبله الروس من أنفسهم وما زالوا يعانون الندم بسببه، ولما غنى الأمريكان انزعج الروس لأن الأغنية نالت من حاكم كان يرأسهم فى يوم ما، ويغوص أستاذنا فى أغوارنا ويرى أن لدينا ملهاة تاريخية مجنونة تغنى: (أمجاد ياعرب أمجاد)، ولكن السياح الذين يأتون إلينا يروننا (أمة انقرضت)، ويحكى لنا عن فيلم أمريكى شاهده ملخصه أن الروح بداخلنا تزن (21 جرامًا)، وأننا فى حالة إلى الفضفضة حتى لا نكون شخصيات (صندوقية) مغلقة، وتتجلى حنية الأستاذ التى عهدناها فيه لعنوان: (نفاق الأمهات) ويذكر أن الأم التى تبخل على وليدها بلبن ثديها تذهب وتحضر له لبن البقر ليشربه مع أن هذا اللبن يخص حملان البقر فتحرمهم منه.. هذا كان بعضًا مما ورد فى كتاب أستاذنا الكبير والآن سوف أقول لكم من هو؟ الأستاذ الكبير والأب الحنون الراقى المتحضر بمعنى الكلمة هو المحترم محمد عبدالمنعم، أهم وأقدم مراسل عسكرى والوحيد الذى كان يرافق المشير أبوغزالة على طائرته العسكرية فى مأموريات خارج مصر، وهو المستشار الصحفى للرئيس مبارك فى النصف الأول من التسعينيات، والأكثر من ذلك كله هو ترؤسه لإدارة وتحرير مؤسسة روزاليوسف الحبيبة لمدة سبع سنوات من عام 98 وحتى 2005 عندما سلمها لتلاميذه وهو فخور بهم، لم يحقد يومًا على أحد، جاء أستاذنا الكبير «روزا» فى ظروف صعبة للغاية على كل المستويات، جاءنا من بيته الأول «الأهرام» إلى بيته الثانى «روزا» التى تحمل له فى كل عقل وركن مكانًا غاليًا لدى الأغلبية العظمى منا. عندما وصل الأستاذ «محمد» لنا كنا فى حالة مزرية من المبانى والمكاتب، والأهم كان ينتظره طابور من الصحفيين غير المعينين والذين تعدوا العشر سنوات وأكثر منتظرين، رغم أن المجلة كانت تقوم عليهم ومعلومين لدى القراء والمسئولين بكتاباتهم، ولكنه كان الفساد الإدارى لحرمانهم من أهم حقوقهم، الأستاذ محمد قام بالتعيينات الفورية للصحفيين والإداريين والعمال وأضاف لأول مرة فى تاريخ روزاليوسف (أصول) نتباهى بها ما زال بقايا أطلالها لدينا. وما يحسب للأستاذ الكبير الوقور بحق أنه عندما جاءنا لم يكن لدينا هيكل للترقى، ولكنه أوجده لحفظ الحقوق للأصلح، أحب العاملين معه وكان لهم أستاذًا وأبًا أعطانا من تجاربه وكان حاسمًا يصل معنا فى بعض الأحيان إلى الصرامة إذا أخطأ أحدنا، ويفيض علينا بالحب والود بعلاقات إنسانية تربطنا به حتى الآن، أستاذنا محمد هو الذى زود «روزا» بمطابع جديدة أتى لنا بها من ألمانيا وسأل عن أمهر المهندسين المصريين القادرين على تشغيل هذه الماكينات ليستلمها ويكون مسئولاً عنها فدله المتخصصون الخبراء على (المهندس عبدالصادق) الذى هو الآن رئيس مجلس إدارة «روزا» بكل اقتدار. أستاذى الحبيب محمد أعطاك الله الصحة والعافية، وأدعو الله أن أكون ابنة وفيّة لحضرتك متمنية لك الصحة والعافية والمزيد من العطاء فى الكتابة والاستنارة لنا، لقد تعلّمنا منه الكثير .. الأب والأستاذ الكبير وتحياتى.