السبت 15 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

اختبار فى «كوم جابر»!

اختبار فى «كوم جابر»!
اختبار فى «كوم جابر»!


ليس هناك دليل على وجود «حياة» فى أى موقع من الموجودات فى الكون الشاسع إلا بوجود حالة اشتباك عاطفى كإطار جوهرى لتلك الحياة، وإذا أردنا سببًا من الدين فقل لى بالله عليك كيف كان بالإمكان وجود حياة دون اشتباك عاطفى حار وناعم وموسيقى بين السيدة حواء والسيد المحترم «آدم»، وكان ناتج هذا اللقاء سلالة فيها من الطيبة والشراسة والذكاء والمكر الكثير والكثير.
جاء إلى الوجود هذا الراقى المحترم المسمى هابيل؛ومعه غادة هيفاء تفوق فى أنوثتها المدعوة «هيفاء وهبي» فتمتم هابيل بكلمات الشكر؛ثم جاء له شقيق أرعن هو المدعو «قابيل» ومعه فتاة يقال إنها لم تكن مثيرة ودافئة مثل توأم هابيل، ومن أجل تواصل التناسل كان القرار السماوى بأن يقترن هابيل بالهيفاء الحسناء، وأن يقترن قابيل بالتى ليست جميلة، وحاول قابيل التمرد؛وقدم قربانا كى يتغير قرار السماء فلم تقبل السماء قربانه بينما قبلت قربان هابيل؛ولأن قابيل أرعن لذلك امتلأ قلبه بالحقد فقتل شقيقه هابيل؛ثم وقف أمام الجثة لا يعرف كيف يتصرف؛فعلّمه غراب كيف يوارى الجثمان، ومضى حاملا لذنب أول جريمة قتل فى التاريخ البشرى، ولم تقل لنا السماء ماذا جرى وهل تزوج قابيل بالدميمة أم اقترن بالحلوة؟ وكل الذى نعرفه أن الجنس البشرى تواجد من بعد ذلك؛ولم يقل لنا أحد ماذا حدث بعد ذلك، ولكن المحتمل هو حدوث تلاقٍ حار بين قابيل وتوأم هابيل الحلوة، وأنه نال عقابًا هو إجباره على احتضان توأمه الدميمة، ومن بطن الحسناء وبطن الدميمة جاء الجنس البشرى بأجمعه، وصار فى كل إنسان قدرة اختيار ما؛إما أن يختار بعضًا من رعونة قابيل أو بعضًا من طيبة هابيل التى كانت تحملها الغادة الحلوة توأمه.
وهكذا دار مسلسل الاشتباك العاطفى حبا وكراهية، مكرا وغباءً، ذكاء وقلة حيلة وفوران صاعق بالغضب من الظروف القاهرة وترحيبًا موسيقيًا بهمسات الحنان التى تسطع أحيانًا من رفاق الجنس البشرى.
ومن المواهب التى يفجرها فى أعماقنا أى اشتباك عاطفى جاءت الموسيقى وأخرج الشعر وتناسلت الحكايات لتصبح روايات وأفلامًا ومسلسلات.
عن نفسى أنا كاتب هذه السطور لابد لى من الاعتراف بأن جوهر اكتشافى لحقائق أى اشتباك عاطفى يقف وراءه أساتذة عظام علمونى كيف أستمتع بأى اشتباك عاطفى على سطح اللوحة المرسومة بألوان يخرجها الرسام المصور من أعماقه قبل أن يأخذها من أنبوبة الألوان المشتراة، وكان أول من علمنى فن رؤية اللوحات هو العبقرى الراحل سيف وانلى رسام الإسكندرية الأشهر، وهو من كتبت لمحات من تاريخ حياته عام 1965 على صفحات «روزاليوسف»، وكانت الجائزة هى رحلة قررتها لى المجلة إلى باريس كى أرى من أحب وتاريخ فكرة الحب، طبعًا حدث ذلك بعد أن نجحت فى اختبار أراده لى إحسان عبدالقدوس، اختبار اللف والدوران فى بر مصر المحروسة بصعيدها، حيث توجد على سبيل المثال قرية اسمها «كوم جابر» تتبع محافظة قنا، وأرسل فلاحوها تلغراف استغاثة لإحسان شاكين أن دودة القطن أكلت معظم المحصول، فكان قرار إحسان هو سفرى إلى قرية «كوم جابر »، ورغم أن بدل السفر وفر لى تذكرة بالدرجة الأولى، فإن الأستاذ إحسان نصحنى بالسفر بالدرجة الثالثة لأرى وجه صعيد مصر الحقيقى، وصحبتنى ضحكات صديقى الشاعر عبدالرحمن الأبنودى وهو يقول لى: «ستجد أناسًا هم خلاصة الكرم عندما تنزل من القطار، لذلك لا داعى للاندهاش عندما تقابلك العيون بتوجس أثناء ركوبك للقطار؛ فالصعيدى يحمل شكًا فى الغرباء أثناء غربته وركوب القطار بالنسبة للصعيدى لون من الغربة، لكن فور أن تنزل من القطار إلى قرية «كوم جابر» ستجد كرمًا يفوق خيالك، هو كرم ترحيب أى قرية صعيدية بأى غريب، وصدق قول عبدالرحمن فكرم أهل القرية فاق خيالى، وأخذت منهم جوالا ممتلئًا بنصفه بدودة القطن لأهديه لمحافظها، وكتبت التجربة على صفحات «روزاليوسف» فكانت النتيجة قرار عبد الناصر بإنهاء خدمة المحافظ الذى قصر فى متابعة مقاومة دودة القطن، وشهدت محافظة قنا وزير الزراعة وهو يقود بذات نفسه فرق متابعة مقاومة دودة القطن. وعدت إلى القاهرة لأجد تذكرة الطائرة التى تحملنى إلى باريس، فألتقى هناك بمن اختارها قلبى رفيقة عشق لم ينضب أبدا، ولأجرى حوارات مع الساسة وأقيس المسافة بين واقع قرية «كوم جابر» وبين الريف الفرنسى الكاره لسلوك أهل باريس.
وهكذا بقى فى ذاكرة كاتب هذه السطور ملامح عن ميلاد فكرة الاشتباك العاطفى، ولكل منكم فكرة عنه قد تتفق مع فكرتى وقد تختلف عنها.. أليس الأمر كذلك؟>