الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

إعدام «صلاح جاهين» ورجم «أم كلثوم»

إعدام «صلاح جاهين» ورجم «أم كلثوم»
إعدام «صلاح جاهين» ورجم «أم كلثوم»



ملخص الجزء الاول
الأجواء كانت تؤكد أن صعود «المتشددين» إلى قمة السلطة سيغير موازين الأحداث.. وسيعمل على تشكيل دولة غير الدولة.. دولة تتحرك عجلة التنمية فيها إلى الخلف!
 
 
السياسة ممنوعة.. والأقلام مرفوعة.. وعقوبات الرأى موضوعة.. وبين هذا وذاك جلادون لايفقهون.. لايميزون.. لا يعرفون الفرق بين من  أصابهم الجنون، وأصحاب الفنون!
 
 
تتراجع الدولة اقتصاديا.. ويهجر 5 ملايين قبطى البلاد.. وتغلق المسارح ودور السينما!


تغلق الصحف والفضائيات، ولايبقى إلا صحيفة واحدة هى «حماة الشريعة» لا هم لها - ليل نهار - إلا أن تسبح بحمد أمير المؤمنين.. وفطنة.. وذكاء الأمير وخبرته السياسية، الأقرب إلى الفتوحات البرلمانية!
 
 

 
 
 الفصل الثانى
عاصرت عهودا من الجاهلية ولدت بعد سنوات قليلة من حكم عدو الإسلام والمسلمين جمال عبدالناصر، وأدركنى الشباب وأنهيت تعليمى الثانوى والجامعى فى ظل الفرعون الكافر أنور السادات، ثم أنفقت ما تبقى من عمرى خاضعا لرأس الكفر حسنى مبارك.
 
 
عند إزاحة الطاغية الأخير، كنت قد عبرت الخمسين بعدة سنوات. شاهدت أحداث الثورة فى التليفزيون، وأكرمنى الله بحكمة الصمت  البليغ فقنعت بالكنبة دون موقف أو انحياز، راضيا قانعا بالحياة العادية الآمنة، منشغلا بالقراءة والكتابة السرية، والحوارات  الحماسية الساخنة مع أصدقائى ومعارفى القلائل، وكلهم يشبهوننى فى إيثار الفرجة،  والتنفيس عن مشاعر  الحيرة والغضب  بالإسراف فى التحليل الفلسفى حول أكواب الشاى ووسط  دخان السجائر .لا عداوة أو صداقة مع اتجاه أو حزب، ولا انخراط فى ائتلاف أو تنظيم.
 
أعيش بعيدا عن  الشهرة والنجومية وبرامج الفضائيات، أما دائرة اتصالاتى فضيقة لا تتجاوز البقال والكواء والجزار والحلاق والزبال والصيدلانى والسباك وصاحب العمارة القديمة المتهالكة. يحترموننى بلا  اهتمام، ولاشك أننى أشاركهم الشعور نفسه.
 
 
عندما كتب الله النصر لأمير المؤمنين، اكتشفت أن أحدا لا يعرفنى أو يرتاب فى أمرى. الكتب التى نشرتها، وبعضها يستحق القتل، والمقالات التى كتبتها فى بعض الصحف والمجلات، ومعظمها يؤهلنى للجلد والرجم، لم تترك أثرًا. توكلت على الله وتخلصت من شاربى، الذى صاحبنى ثلاثين عاما، وأطلقت لحيتى، التى اختلط سوادها القليل بالبياض المنتشر، وبعت دبلتى الذهبية، وأحرقت الكتب الشريرة التى تملأ  غرفة من غرفتى الشقة التى أقيم فيها وحيدا. أواظب على الصلاة فى المسجد القريب، حريصا على الجلوس فى الصفوف الأولى، وأعلق صورة أمير المؤمنين فى الصالة المستطيلة الصغيرة، بحيث يراها من أفتح له الباب: قارئ عداد الغاز، محصل الكهرباء، صبيا البقال والكواء، رجال الأمر بالمعروف فى زياراتهم المفاجئة.
 

 
 
 
كنت قد أحلت نفسى إلى المعاش المبكر فى زمن الجاهلية، معتزما التفرغ للقراءة والكتابة لكن الثورة الإسلامية المباركة غيرت الحسابات، وكان لابد أن أعيد النظر. المعاش الضئيل التافه يقف بى على حافة الجوع، ومصادر الرزق القديمة تبخرت، فلا صحف مصرية أو عربية. بعد القرار التاريخى لأمير المؤمنين  بتحريم عمل النساء، وجدت وظيفة فى التدريس. قضيت عاما فى تعليم اللغة الإنجليزية، التى لم أتخصص فيها، ثم أصدر مجلس شورى العلماء  فتوى بتجريم تعلم اللغات الأوروبية جميعا، فتحولت إلى تدريس الكيمياء التى لا أفقه فيها شيئا، وعندما شكوت إلى فضيلة الشيخ ناظر المدرسة، قال  فى بساطة :كله أكل عيش.
 
 
منذ أسبوع عدت إلى المعاش من جديد، فقد تجاوزت الستين بثلاث سنوات، واستنفدت كل المسموح بى من فترات التجديد. عشر سنوات من الوحدة القاتلة والولد الوحيد مع أمه فى الكويت. لا يفكران فى العودة، ولا أستطيع أن ألحق بهما. خلقنى الله مريضا بحب الوطن، وإذا سافرت لن أعود. سيقولون عند استقبالى فى مطار عباس بن فرناس، القاهرة سابقا، إننى تحملت الغياب عن نعيم دولة أمير المؤمنين، ولم أعد جديرا بالثقة. سيجدون لى تهمة مناسبة، إن لم تصل بى إلى السياف أو السجن المؤبد، فلن أنجو من الجلد الذى لن يطيقه جسدى العليل.
 
الحلاق العجوز عبدالمنعم، الذى يقترب من عامه الثمانين، هو من أوحى لى بفكرة العمل فى جريدة الحزب. كنت أهديه  كتبى فى زمن الجاهلية،  وأثبت الرجل شهامته فلم يبلغ عنى أو يشى بى، مترفعا عن المكافأة السخية التى ينالها كل من يدلى بمعلومات ذات قيمة لأشاوس الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
 
 
بعد عشر سنوات من الغياب عن المبنى الذى كان شامخا عملاقا فى شارع يزيد بن معاوية رضى الله عنهما، شارع الجلاء سابقا، أعود إليه من جديد. لحيتى البيضاء السوداء تدفع موظف الاستقبال إلى تبجيلى، فقد أكون عضوا فى مجلس شورى العلماء. تقدمى النسبى فى السن لم يحل دون قدرتى  على الصعود إلى الطابق الخامس، فالمصعد معطل منذ سبع سنوات، ولا  أمل فى إصلاحه لغياب قطع الغيار وحظر  استيرادها.
 

 
 
أنهيت كوب السحلب فى مكتب سكرتير رئيس التحرير، ثم دخلت  إلى حجرته الفسيحة. استقبلنى فى حياء يخلو من الحماس والفتور، واستمع إلى رغبتى فى العمل غير قادر على إخفاء مشاعر الاستياء والاستنكار.
 
 
 <الأولى بك أن تستريح وتتفرغ للعبادة. أى عمل تريده وقد تجاوزت الستين ؟
 
 
 -كلماته مسكونة بالسخرية والتهكم، كأنه لم يعبر السبعين منذ عدة سنوات، لكننى كنت أتوقع مقولته وأعددت الإجابة التى أعرف أنها ستفحمه.
 
 
 -حبى لأمير المؤمنين، حفظه الله، هو راحتى الحقيقية، وقد ألهمنى الله بفكرة سديدة  تدعم ملكه إن شاء الله.
 
 
 -قبل أن تنتهى كلماتى كان قد انتفض واقفا، فهو لا يستطيع أن يواصل السخرية ممن يحب الأمير ويسعى إلى تدعيم ملكه .تبرق عيناه فأدرك أنه يفكر فىَّ بطريقة مختلفة. قد أكون مدسوسا عليه لاختبار ولائه، وقد تكون فكرتى التى لا يعرفها جديرة بالاهتمام، فماذا لو بلغ أمير المؤمنين أنه استهان بمن يحملها ؟ !سيكون مصيره مظلما يفوق كل ما صادفه فى حياته من كوابيس .
 
 
 <كلنا من محبى أمير المؤمنين رافع الراية موحد الجماعة. بفضله نحيا كراما منذ عشر سنوات. هات ما عندك.
 
 
كيف يتصور هذا الساذج أننى سأبوح له بكل ما عندى ؟ !لابد أن ألاعبه وأراوغه، فالعمل فى الجريدة هو أملى الأخير حتى لا أموت جوعا.
 
 
صحيح أن أحدا لا يقرأ فيها حرفا، لكن الاشتراكات فيها تزيد على ثلاثة ملايين. المجانين وحدهم هم من يستهينون بها جهرا، فمن يسنى ما طال صاحب عربة الفول فى قلعة الكرامة، قلعة الكبش سابقا؟!
 
ضُبط متلبسا بلف السندوتشات فى أوراق الصحيفة، وبعد البلاغ الذى تقدم به بعض زبائنه، يعلنون فيه عن فجيعتهم بمطالعة صورة  أمير المؤمنين وقد لوثها زيت الفول، تعرض الرجل لعقوبة التأديب من رجال الأمر بالمعروف فى منطقته، ومنع من العمل الذى لا يعرف غيره، ثم صدر القرار التاريخى الذى يحرم ازدراء صحيفة الحزب المؤمن بلف السندوتشات فى صفحاتها.
 -مشروعى يتلخص فى إجراء حوارات يومية مع أمير المؤمنين، تتطرق إلى كل القضايا التى تنشغل بها الرعية، ومن خلال هذه الحوارات نرد على الأعداء ونفحمهم، ونكشف عن حكمة أميرنا الظافر المنصور بإذن الله.
 
 
 - <ألا تعرف أن الأمير حفظه الله يكره الشهرة والأضواء وكل مجد زائل ؟
 
 
 - استغفر الله  !..ومن قال أننى أبحث لأميرنا عن الشهرة والمجد؟ هل ينقصه شىء من هذا؟
 
 
-      لم تغب عن عينى أمواج العرق التى غمرته، وزكمت أنفى رائحة الخوف الذى يزلزله. لاشك أنه نادم الآن على مقابلتى، لكنه لا يستطيع التراجع. عليه أن يسايرنى؟
 
 -    <ماذا تريد بالضبط ؟

      
 - قدمت له الأوراق التى أنفقت فى كتابتها ثلاثة أيام متصلة، وكنت على يقين أنه سينظر فيها بدقة ويقرأ بعناية، ثم يسارع بإرسالها إلى مكتب أمير المؤمنين امتدت يده إلى الجرس فى عصبية، وسرعان ما دخل سكرتيره فطلب كوبين من السحلب، وأمره ألا يدخل عليه أحد، أو يُحول إليه اتصال تليفونى، واندمج فى القراءة.

      
- الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى اللهم ندعوك أن تنصر مولانا أمير المؤمنين، وتبارك له فى المال والبنين، وتزيده صحة وعافية، سبحانك إنك على كل شىء قدير.


  -    أما بعد.  
 
-  فضيلة الشيخ الكريم رئيس تحرير الجريدة المباركة «حماة الشريعة» أحييكم بتحية الإسلام فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعرض عليكم فى إيجاز بلا تقصير، ما أرى فيه دعما لدولة الأمير، الذى ارتفعنا فى ظل حكمه الرشيد، من ضياع اللئام إلى حياة الكرام، ومن حضيض الجاهلية إلى نعيم الدولة الإسلامية.

      
-  تعرفون فضيلتكم حجم المؤامرات والدسائس التى يدبرها أعداء الإسلام والمسلمين، ضد ظل الله على الأرض أمير المؤمنين نسمع عما يدبرون كل يوم فى أمريكا وأوروبا واليابان، وفى الصين والهند وجنوب السودان، خاب سعيهم وسيخيب دائماً بعون ومدد الله، وما علينا إلا أن نواصل العمل غير عابئين بالأكاذيب والمهاترات، رأيت فى منامى هاتفا يطلب منى ألا أتقاعس عن نصرة الأمير، فصحوت مذعوراً أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، لست مقصراً أو متقاعسا، فأنا أدعو له آناء الليل وأطراف النهار، شربت كوبا من السحلب وعدت إلى النوم، فجاءنى الهاتف من جديد، وأمرنى أن أذهب إلى عبدالله رئيس تحرير جريدة «حماة الشريعة»، وأطلب منه أن يفتح صفحات صحيفته المباركة لأنشر فيها حوارات يومية مع أمير المؤمنين، تتولى الرد على افتراءات الزنادقة والكافرين، وتشد من أزر رعاياه الطيبين.

     
-   استيقظت ووجدت نفسى أكتب، وبعد أن انتهيت عدت إلى النوم فرأيت من جاءنى قبلا، يقول لى: باركك الله، لا تنم واذهب من فورك إلى شارع يزيد بن معاوية رضى الله عنهما.

  
-    الأسئلة التى سأطرحها على أمير المؤمنين، ووافق عليها من جاءنى فى المنام، ولعله من عباد الله الصالحين، تهدف إلى حشد المؤمنين للمزيد من نصرته، عبر المناقشة المستفيضة الصريحة لكل ما يثيره الأعداء والخونة والكفار، حول المنهج السديد الذى يتبعه أميرنا المفدى فى معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية.

       
-  لا بأس أن نفيد من مناهج وأساليب أعدائنا، فهم يصنعون من الباطل حقا، ويضعون على رؤساء كفرهم هالات من المجد الإعلامى الزائف، أما نحن فلا نبغى إلا إظهار الحق وتخليصه من الباطل.

      
-    اللهم آمين.

     
-  كنت أتابعه باهتمام وهو يقرأ المقدمة، ثم وهو يلقى نظرة متأنية على المختارات التى كتبتها من الأسئلة المقترحة فى كل بند، غمرنى الشعور بالارتياح لأننى أدركت ما يعانيه من الاضطراب، وكنت قد أنهيت الرشفة الأخيرة من كوب السحلب، الذى لا أحبه وأشربه مضطراً، فشكرته لأنهى حالة الصمت.

     
-   رد على كلمات الشكر بهزة سريعة من رأسه، وأعادتنى حركته هذه إلى وجهه القديم قبل خمسة عشر عاماً، كان صحفيا لامعا فى جريدة قومية بائدة، وعلا نجمه فجأة عندما قدم برنامجا تليفزيونيا تافها منحه الشهرة والثراء، كان يستضيف خليطا من السياسيين والممثلين ورجال الدين والراقصات ونجوم كرة القدم، ويطرح عليهم أسئلة صحفية سطحية ماسخة، ويستخف دمه فيحظى بإعجاب البسطاء، وتظهر عليه أحياناً نوبات من الشجاعة والمعارضة المحسوبة، فيقف على حافة البطولة، بعد ثورة يناير، ظهر وجهه الجديد، فإذا به يضع نفسه فى طليعة ضحايا النظام السابق، ويقدم برنامجا مختلفا يستضيف فيه رموزاً من جميع الاتجاهات.

  
-  عندما مالت البوصلة ناحية الإسلاميين، قفز فى مركبهم، وأشرف على الحملة الانتخابية لأمير المؤمنين، كان ينتظر منصب وزير الإعلام مكافأة على جهده، لكن الوزارة ألغيت، وتقليص عدد الوزارات سد أمامه الطريق للحصول على وزارة أخرى مناسبة، مثل الثقافة أو الشباب، لم يكن فطاحل الشيوخ من المحيطين بأمير المؤمنين يثقون فيه، فذقنه قصيرة هزيلة لا يتجاوز طولها نصف الشبر، وأناقته مسرفة لم يستطع التخلص منها، وثقافته الدينية هزيلة، ولغته رديئة حافلة بالأخطاء الفادحة، لكن الأمير كان يحبه فجعل منه رئيساً لتحرير الصحيفة الوحيدة.
    
   - أين أنت يا أخى الكريم؟!

      
-   انتبهت إلى أنه يقول شيئاً لم أتبينه، وينتظر إجابتى هززت رأسى كأننى أتابعه وأوافقه على ما يقول، ثم نهضت واقفاً مؤملاً أن يعيد ما قاله، ولم يخب ظنى فى غبائه.

    
 - كما قلت لك، سأرسل أوراقك مع مخصوص إلى مكتب أمير المؤمنين حفظه الله.. تفاءل خيراً.
 
-كان هبوط السلم أيسر من صعوده، واستقبلنى شارع يزيد بن معاوية رضى الله عنهما، يسيطر عليه الهدوء والخمول، وأغمضت عينى لأستعيد ما كان عليه فى زمن الجاهلية، وابتسمت.

    
- تستقلنى سيارة التاكسى إلى شقتى الصغيرة قرب ميدان سيد قطب، الجيزة سابقاً، لم يستغرق المشوار أكثر من عشر دقائق، ووجدت نفسى أعود بذاكرتى إلى يوم بعيد قبل عشرين عاماً، استغرقت فيه السيارة ثلاث ساعات لتقطع المسافة نفسها، وأوشك السائق يومها على الجنون، لم يقنع بسب الدين لمبارك ورئيس الوزراء وكل من يمت لهما بصلة، فقد لعن الدنيا والزوجة والأولاد وأكل العيش الذى يجبره على الحياة فى بلد كهذا.

 
-  تستقبلنى الشقة فى حياد ولا مبالاة، وأقرأ فى أعماق الجدران ضيقها بوجودى، ألبس الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء، وأتأكد من وجود الحرارة فى التليفون، وأسعد لأن المياه لم تنقطع بعد فأملأ الزجاجات الفارغة وأرصها أسفل حوض المطبخ، أستلقى على الفراش بلا رغبة فى النوم، وتراودنى أحلام شيطانية كنت أظنها قد توارت بلا رجعة، يعذبنى حنين مفاجئ لصوت أم كلثوم، ولوحات محمود سعيد، ورباعيات صلاح جاهين، ووجه سعاد حسنى.
 
    
-        كيف تحتفظ الذاكرة بهؤلاء جميعا بعد عشر سنوات من الجفاء والقطيعة، أليسوا جميعاً من أعداء الإسلام وصنائع العلمانية والمروجين للزندقة، وحملة ألوية الشيطان؟! تخلص الشعب المسلم منهم ليحظى بالكرامة، والذين يعيشون الآن فى سن المراهقة لا يحفظون إلا أغنية وحيدة بلا موسيقى، يرددونها فى طابور الصباح المدرسى، بديلاً لتحية العلم الوثنى، والنشيد الوطنى الذى لم يعد له وجود:
 


-  أميرنا.. أميرنا..
 
-حبيبنا.. حبيبنا..
 
-أرواحنا فداه..
 
-وكلنا نبايعه..
 
-علمتنا الكرامة..
 
-دامت لك السلامة..
 
-أميرنا.. أميرنا..
 

     
-     ات الماء الضئيلة، وأفيق من الكوابيس الشيطانية التى تهدد مستقبلى والباقى من أيامى، يرتفع رنين الهاتف فأهرول من جديد ألتقط السماعة ويأتينى الصوت الذى أنتظره، قال إنه أحد مساعدى مدير مكتب أمير المؤمنين، وزف إلىَّ بشرى موافقة الأمير حفظه الله على مقابلتى  خيرنى بين موعدين فى الغد: بعد صلاة الظهر، أو بعد صلاة العشاء، اخترت الموعد الثانى بلا تردد، فهو يتيح لى أن تطول الجلسة، إذا راق له الحوار.
- ستنتظرك سيارة تحمل شعار قصر الأمير فى ميدان سيد قطب، عند السابعة والنصف إن شاء الله.
    
-     انتهت المكالمة، وها هو قلبى يزغرد من فرط النشوة، أحكمت إغلاق النوافذ، وعدت إلى غرفة النوم فى خطى بطيئة لا تخلو من الوجل، فتحت الدولاب فى حذر، وأخرجت علبة السجائر التى اشتريتها سرا قبل ثلاثة أشهر، وخبأتها فى جيب البدلة القديمة التى لم أعد ألبسها، عدت إلى المكتب، وأشعلت عدة أعواد من البخور نفاذ الرائحة، ثم أشعلت السيجارة واثقاً أن دخانها سيضيع بلا أثر.. وضعت أوراق الأسئلة أمامى لألقى نظرة أخيرة، وكانت الساعة تقترب من التاسعة والنصف، بدأت فى التثاؤب، وسيطرت علىَّ رغبة النوم، لقد سهرت اليوم أكثر مما ينبغى.