لـولا الثـورة لمـا كـنـت رئـيسًــا

ممدوح مبروك
تعيش مصر الآن لحظة فارقة فى تاريخها؛ فلأول مرة لا يعرف الشعب المصرى حاكمه، ولأول مرة يختار الشعب رئيسه بنفسه من خلال انتخابات من المقرر لها أن تتسم بالنزاهة والحرية، ومادام توافر فيها هذان الشرطان فلا توجد لدى مشكلة على الإطلاق بشأن رئيس مصر القادم حتى ولو لم أعطه صوتى؛ فصندوق الانتخابات هو الحَكَم فى تلك المسألة باعتباره الممثل الأساسى لإرادة الشعب والمعبر الوحيد عنها.
نشاهد يوميًّا على شاشات التليفزيون مرشحى الرئاسة وهم سعداء وفخورون بتلك الخطوة التى هى فى تقديرى ليست مصدرًا للسعادة بقدر ما هى مصدر للقلق والارتياب من عواقب تلك المرحلة الخطيرة؛ فمصر تحتاج إلى بطل من نوع خاص، بطل قادر على تحقيق طموحات الشعب المصرى بمختلف أطيافه لاسيما فى ظل حالة الانفتاح السياسى والثقافى التى تشهدها مصر الآن بفضل الثورة، وفى الوقت نفسه نحن فى حاجة إلى رئيس قادر على مواجهة حالة التعطش السياسى الذى تعيشه مختلف القوى السياسية بعد السنوات الطويلة التى عاشتها داخل السجون والمعتقلات بعيدًا عن الممارسة السياسية.
انطلاقًا من تلك الظروف والتحديات يُثار فى ذهنى تساؤل رئيسى وهو «من أين سيستمد الرئيس القادم شرعيته؟» أو بصيغة أخرى «إلى من يكون ولاء الرئيس القادم؟».
منذ اندلاع ثورة يناير العام الماضى وحتى الآن يُثار مصطلح الشرعية بشكل مستمر ولكن بمسميات مختلفة؛ فأثناء الثورة انتشر فى وسائل الإعلام مصطلح «الشرعية الثورية» وتعنى أن مبادئ الثورة ومطالبها فوق كل شىء؛ فكان من البديهى مادمنا بصدد ثورة على نظام فاسد أن تتم محاكمة رموزه محاكمة عادلة إلا أنه للأسف الشديد لم تتحقق، وبذلك انتهت الشرعية الثورية ودُفن معناها الحقيقى مع جثث شهداء الثورة.
ونتيجة الخروج عن المعنى الحقيقى لمفهوم الثورة وإنقاذًا للموقف؛ حاول الثوار البحث عن مسمى جديد للشرعية الثورية فظهر مصطلح «شرعية الميدان» وتحققت تلك الشرعية باختيار الدكتور عصام شرف رئيسًا للوزراء باعتباره أحد رموز ميدان التحرير الشرفاء، لكن للأسف الشديد حالت الظروف دون أن يكون له دور فعَّال على مستوى الواقع السياسى فى ظل تولى المجلس العسكرى مقاليد الحكم حيث ظهر مسمى جديد للشرعية وهو «شرعية المجلس العسكرى»، تلك الشرعية التى اكتسبها المجلس العسكرى فعليًّا فور قبول الشعب المصرى التصويت على الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى أُجرى فى مارس 2011 مما جعله الجهة الوحيدة القادرة على إضفاء الشرعية على كل شىء، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى اتهام الثوار - المنادين بالشرعية الثورية أو شرعية الميدان - بأنهم العقبة الأساسية وراء عودة الاستقرار والنهوض بالبلاد وظهر ذلك بوضوح فى حملات التشويه التى شُنت ضد الشباب المرشحين فى الانتخابات البرلمانية والتى حالت دون وصولهم للبرلمان.
لاشك أنه بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وعودة القوات المسلحة لثكناتها فى 30 يونيو 2012 وتولى الرئيس القادم المسئولية فإنه سوف يبحث أولاً عن مصدر شرعية جديد ينفذ من خلاله قراراته، وهو هنا أمام خيارين؛ إما أن يسعى إلى إرضاء المجلس العسكرى على حساب الثورة والثوار من خلال عدم التطرق إلى أى تجاوزات ارتُكبت أثناء توليه مسئولية الحكم طوال المرحلة الانتقالية، وإما أن يرضى الثوار بتحقيق مبادئ الثورة بكل شجاعة وإقدام، لكن فى واقع الأمر القضية تتوقف فى النهاية على مرجعية الرئيس القادم؛ ثورى أم فلول!
من وجهة نظرى إن الشرعية لا تُكتسب إلا من خلال الشعب، وأقصد بالشعب هنا الأغلبية وهذا النوع من الشرعية يُطلق عليه «شرعية الانتخابات» أو «شرعية الصندوق» وتلك الشرعية سيكتسبها الرئيس تلقائيًّا بمجرد فوزه بأصوات الأغلبية فى الانتخابات لكنها فى تقديرى شرعية شكلية غير حقيقية، أما الشرعية الفعلية فتتحقق حينما يكون هذا الرئيس مؤمنًا إيمانًا تامًا بأهداف ومبادئ الثورة ولا يتهاون على الإطلاق فى تحقيقها.
وهوية شرعية الرئيس؛ شكلية أم فعلية، يمكن قياسها بكل سهولة من خلال معرفة رأى الشارع؛ فإذا قَلَّت حالة الاحتقان فى الشارع المصرى ففى هذه الحالة يمكننا القول بأن هذا الرئيس هو رئيس الثورة ورجل تلك المرحلة. أما إذا أخل بمبادئ الثورة وتراجع عن تحقيقها إرضاءً لأطراف أخرى ففى هذه الحالة لن يهدأ الشارع وستعود الشرعية الثورية من جديد فى مواجهة حادة مع تلك الشرعية المزيفة، ومن ثم لن تُكتب للرئيس القادم الاستمرارية ولن ينهض الوطن. فيا أيها الرئيس القادم تَذكَّر دائمًا أنك «لولا الثورة لما كنت رئيسًا».