حرق الوطن على الخازوق
محمود التهامي
محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 15 - 01 - 2011
مما يؤسف له وأشعر معه بالحزن الخروج بموضوع جريمة الإسكندرية التى وقعت أمام كنيسة القديسيين فى ليلة عيد رأس السنة الميلادية عن سياقه، واستغلال تلك المأساة الوطنية والإنسانية لأغراض أخرى فى نفس أصحابها، ربما يسعى بعضهم للحصول على مكسب سياسى بمناسبة الحادث، ربما آخرون يريدون استمرار الأزمة لوقت طويل لإثبات وجهة نظر معينة، ربما يلعب البعض الآخر لحساب أجندة خارجية.. الله أعلم بما فى النفوس، لكن علينا ألا نكف عن محاولة القراءة والفهم لما يصدر من سلوك وتصرفات.
دائما ستوجد الآراء الغريبة والشاذة فى الفن وفى السياسة وفى الموضوعات الاجتماعية كذلك وفى المسائل المتعلقة بأمور الدين التى يحلو للبعض أن يفتى فيها بغير علم، وقد يجد فى الإدلاء بالرأى الغريب فرصة لجذب انتباه وسائل الإعلام والعامة، ربما يكون انتشار القنوات التليفزيونية وتنافسها على تقديم المادة الجذابة والمثيرة سببا من أسباب تنافس البعض من الضيوف على تقديم الآراء الغريبة المتطرفة لأسباب تجارية بحته دون إدراك لما قد تسببه من مشكلات لدى بعض ضعاف العقول من الناس.
يحضرنى هنا بعض ما يردده بعض الإخوة من الأقباط فى الخارج عن مطالب قبطية تتجاوز حق المواطنة إلى مشروع لتقسيم الوطن بنسبة مئوية!! بين الأقباط وبين المسلمين، كما يحضرنى أولئك الذين تمطعوا وتشمروا ليتحدثوا عن الأقباط بوصفهم أصحاب البلد وعن المسلمين باعتبارهم غزاة وفاتحين يعنى محتلين لمصر ومغتصبين لأهلها وأرضها.
الغريب فى مثل هذا الكلام أنه يتردد الآن بعد نحو خمسة عشر قرنا من الزمان أعادت صهر وتشكيل عناصر المجتمع المصرى عدة مرات بحيث أصبح سبيكة واحدة متميزة لم يعرف التعصب الدينى ولا الفرز الطائفى من اليوم الأول لدخول العرب المسلمين إلى مصر. فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
قد يكون مفيدا أن أشير هنا إلى أن دخول العرب المسلمين إلى مصر تم فى إطار توسع سياسى للدولة الفتية الناشئة فى الجزيرة العربية والدليل على ذلك أن جيوش عمرو بن العاص لم تجبر أحدا على الدخول فى الدين الجديد ولم تضطهد الذين بقوا على دينهم ولم تحول كنائس إلى مساجد كما لم تجبر أحدا على المشاركة فى الجيش ولم تأت أوامر خليفة رسول الله وصاحبه الفاروق عمر من المدينة المنورة بهدم معابد الأقصر أو تدمير تماثيل قدماء المصريين.
الجدير بالذكر أن والى مصر فى ذلك الوقت عمرو بن العاص أبقى الموظفين الأقباط فى وظائفهم فى ديوان الحكم واعتبرهم أمناء على بيت مال المسلمين!!!
إن الذى يتأمل تاريخ الدولة الإسلامية فى عنفوانها وقوتها ويدرس أصول التشريع ويقرأ القرآن كما قرأه الأولون يستطيع ببساطة أن يدرك مدى تورط المحدثين فى خطأ فادح فى الترويج لشىء آخر غير الإسلام.
بالضبط كما تورط بعض الإخوة من الأقباط فى أمور لا علاقة لها بما جاء به المسيح عليه السلام وخلطوا بين أمور دينهم وبين مطالب دنيوية تدخل فى إطار شئون السياسة والحكم، وهذا تاريخ طويل يستطيع الباحثون عن الحقيقة أن يدرسوه فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية فى روما منذ القرن الثالث الميلادى حين قاد الخلط بين الدين وبين شئون الحكم أوروبا إلى ما أسماه المؤرخون العصور الوسطى أو عصور الظلام حين ابتدعوا وقتها حرق الأحياء على الخازوق قبل ظهور الإسلام فى الجزيرة العربية بنحو ثلاثمائة عام.
من هنا نقول لمن يثيرون الفتن سواء من المسلمين أو الأقباط فى الداخل أو الخارج أن وطننا واحد للمصريين جميعا، وطوق النجاة لنا جميعا ليس حرق الوطن على الخازوق، وإنما النضال بقوة لتمكين الدولة المدنية من رعاية الجميع تحت سقف الوطن.