الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
الحب ليس ذوبانًا

الحب ليس ذوبانًا


قال لها: إننى أذوب فيكِ.. فقالت: إن كنت تذوب حبًا فمرحبًا.. ولكننى أريدك أنت كما أنت، فلا تذوب..
فى جلسة مع بعض الشباب اكتشفت أن معظم مشكلات الحب تتعلق بذوبان الهوية.. إذ يعتقد البعض أن تقديم الحب للحبيب هو عبارة عن أن يصير الطرف الأول كل ما يريده الطرف الثانى.. ويتغير هذا الطرف الأول المحب شيئًا فشيئًا ليصبح صورة باهتة يرسمها الطرف الثانى ولكنها صورة مقيتة تمحو هوية الطرف الأول.. فقد تُقْدِم الفتاة على تنازلات كثيرة تتعلق بهويتها ومعتقداتها وعلاقاتها الأخرى إرضاء للرجل الذى تحبه.. وهذا قد يحدث أيضًا من شاب من أصحاب القلوب الرقيقة والحب القوى تجاه الفتاة التى يحبها..
فهمت من كلامهم أن أدق تشبيه يصور تلك الحالة: هو ذوبان طرف فى الآخر كذوبان قطعة السكر فى الشاى.. والنتيجة أن الشاى يزداد حلاوة دون أن تتغير خصائصه ولونه وهويته.. ولكن قطعة السكر تختفى.. وتصبح مجرد جزء من الشاى.. لا ينفصل عنه.. ولا يقف وحده دون الشاى.. ولا يمكن استعادته مرة أخرى.. فمن هو الطرف الشاي؟ ومن هو الطرف القطعة السكر؟
من المناقشات التى دارت بيننا ظهر أن الذى يذوب فى الآخر ليس هو دائمًا الطرف الضعيف، بل على العكس قد يكون صاحب شخصية قوية أقوى وأثقل من شخصية الطرف الآخر.. ولكن الذى يتنازل عن هويته ويذوب هو الأكبر حبًا والأرق قلبا والأكثر حرصًا على استمرار العلاقة.. لذا يتنازل عن بعض من هويته دون غضاضة فى بادئ الأمر..
ومن الملاحظ أيضًا أن الطرف الذى يذوب هو أيضا قليل الخبرات بالحياة وقليل النضج وغالبا تكون تلك العلاقة بالنسبة له أو لها هى الأولى!! ولا تمنع قوة الشخصية أبدًا هؤلاء الشباب الصغار المندفعين الذين يحبون بصدق ويتلقون إشاراتهم من قلوبهم عن أن يذوبوا فى تلك العلاقات الصادقة - من ناحيتهم على الأقل – ويتناسوا هويتهم الحقيقية.. وبخاصة أن معظمهم يدخل فى علاقات الحب قبل أن تتشكل هويته الناضجة بشكل تام..
وبينما كانت المناقشات تدور تذكرت تلك الأستاذة الطبيبة التى رأيتها فى أحد البرامج التليفزيونية وهى تقول إن إحدى المدارس الطبية المعروفة بالخارج أثبتت أن القلب هو الذى يعطى إشارات للمخ وليس العكس.. وأن القلب يتحكم فى المشاعر النفسية ويعطى إشارات للمخ لإفراز الهرمونات المختلفة.. ولما قلت للشباب هذا، فوجئت بعاصفة من الهجوم الشديد..
قالوا إن القلب لا يعتمد عليه.. وإن العقل – أيا ما كان مكانه، فى المخ أو لا – هو الأساس الوحيد الذى تقوم عليه العلاقات السليمة.. كانوا متألمين.. كلهم خرجوا من تلك العلاقات التى قد تطور بعضها إلى زيجات وهم مجروحون.. وموجوعون.. اكتشفوا أن إشارات قلوبهم قد أدخلتهم فى علاقات محت هوياتهم.. أذابت شخصياتهم.. ضيعت باكورة القطفة الأولى من عواطفهم الثمينة.. أنضجت عقولهم، ولكنها قسَّت قلوبهم..
بعضهم قالوا إن المشكلة الأساسية هى أنهم كانوا يتوقعون من الطرف الآخر أن يتغير للصورة التى يريدونها كما تغيروا هم للصورة التى أرادها.. ولما لم يحدث هذا، اكتشفوا أنهم قد انخدعوا.. أنهم بذلوا حبًا ولم يجدوا مقابلًا من الحب.. ولكن الشباب الأكثر قدرة على التحليل قالوا إن المشكلة تكمن فى ذوبان الهوية.. وهم يندمون على أنهم قد تركوا أنفسهم للآخر ليشكل لهم هوية تناسبه.. وأن استعادة الهوية الأولى مرة أخرى ليس أمرًا سهلًا.. لأنك تكون قد تغيرت من داخلك فعلًا، وبخاصة لو كنت صغيرًا ورقيقًا وعاطفيًا، وقطعة سكر..
أحسست المرارة فى كلامهم.. ساءنى أن يكون نضج هذا الشباب وتشكيل هويتهم مسيرة صعبة ومؤلمة إلى هذا الحد.. ولكننى ارتعبت من أن النتيجة التى وصلوا لها جميعًا بعد هذا الألم القلبى هو أن التأكيد على الهوية أمر من أمور العقل فقط.. ويبدو أنهم لا يستطيعون التمييز بين التأكيد على الهوية من ناحية والأنانية من ناحية أخرى.. ولا التمييز بين الذوبان من جهة والبذل من جهة أخرى..
أكملت حديثها لحبيبها.. أريدك أن تذوب حبًا أى أن تبذل من أجلى وتهتم بى وتحتمل طباعى وتغفر أخطائى وتحبنى كما أنا بهويتى وبصورتى.. لأننى أنا أيضًا أحبك كما أنت بصورتك الحقيقية وسأبذل من أجلك وأتغاضى عن أخطائك وأحاول إسعادك قدر طاقتى.. أليس الحب فن إسعاد الآخر؟ قال: نعم.. أن تُسعِد الآخر لا أن تذوب فيه!!