السيسى يصرف لنفسه (توجيه)
احترنا كثيرًا فى مسار الرئيس تجاه القضايا الخارجية، وقام كل منا بالاجتهاد للوصول إلى تحليل اتجاهاته وانعكاسها على مصر، كان هناك من تفاءل وأيضًا من قال بضبابية المواقف وطالب بالمصارحة كحق أصيل للإعلام الذى واجبه أن يقوم بتوصيل هذا للشعب بشكل واعٍ ودقيق لا تشوبه الشبهات ولكل رئيس طريقته وأسلوبه فى إدارة ملفات تشغل الرأى العام فى بلاده، وتبقى نظرته وتناوله للقضايا الدولية المحيطة هى المعبر عن أسلوب سياسته الخارجية التى من خلالها يتحدد أين سيكون موقع الوطن على خريطة العلاقات الدولية؟
قام السيسى فى حفل افتتاح منتدى الشباب بإعلان ماهية سياسته الخارجية كونه تجمعًا عالمىًا وجاء ذلك خلال تعقيبه على فيلم الافتتاح (رواد السلام) الذى ضم زعماء العالم المؤثرين فى مسيرة السلام المستدام وليس المؤقت، وقال إن التجربة التى يمتلكها القائد الذى يتم انتخابه بواسطة الشعب هى عبارة عن توجهاته وقناعاته فى تناول القضايا التى تواجه بلاده وكان مثاله الرئيس السادات الذى أعطى نفسه توجهًا فى بناء السلام وكان عملًا متفردًا فى عصره ربما لم يقتنع به آخرون ولكنها تجربته ورؤيته.. من هنا يمكننا معرفة الطريقة التى يفكر بها السيسى أنه أعطى نفسه (توجيه) ومعناها أنه كلّف نفسه للقيام بمهمة سيتم تقييمه ومحاسبته عليها من خلال الشعب أولًا والتاريخ ثانيًا، ويمكننا القول بأنه يؤمن بالشكل المرحلى فى تناوله للقضايا وهو أسلوب يعتمد على المتابعة حتى لا يخطئ التقدير، فنجده مثلًا فى ملف (سد إثيوبيا) وخاصة فى مرحلته الحالية من خلال مسئولين جددًا بإثيوبيا تناول الموضوع بشكل ودى تمامًا وجعل مبدأ الثقة المتبادلة يسود حتى ينتقل إلى المرحلة التالية والتى أعلنها فى منتدى شباب العالم فقال: حدث تغير كبير فى إثيوبيا وتواصلنا مع القيادة الجديدة ورسالة للشعب المصرى المهتم بهذا الموضوع (سد النهضة) لا يبقى فيه إلا أن نحول الكلام الطيب الذى حدث من قبل إلى اتفاقية ملزمة بعيدًا عن الحديث والنوايا الطيبة، من حقهم أن تكون لديهم مشروعات تنموية ولكن ليس على حساب المصريين، علينا بتحويل الكلام السابق إلى وثائق واتفاقيات، وبخصوص المعوقات فإنها تنحصر فى موضوع ملء خزان السد الذى يحتاج إلى ٧٠ ألف لتر مياه والمطلوب ألا يؤثر هذا على حصة مصر وهناك لجان فنية مشكلة من أجل هذا، الشىء الآخر ألا يستخدم السد لأهداف أو أغراض سياسية، وحتى الآن نقدر نقول إننا لم نصل إلى حد الاطمئنان ولكن نقدر نقول متفاهمين.
وأفصح الرئيس عن هاجس آخر يقلق المصريين فيما يطلق عليه (صفقة القرن) فقال: حتى الآن ليست هناك معلومات عن هذه الصفقة ولكنه تعبير أطلق على أساس أن القضية الفلسطينية هى قضية القرن وكونها تحل بعد سنين طويلة فأطلقوا عليها (صفقة القرن)، لكن الشىء الأهم الذى قاله الرئيس هو تحديد دور مصر بشكل جديد فيما يخص القضية الفلسطينية وذلك عندما أسندها لأصحابها معلنًا أن احنا والدول العربية لا نستطيع أن نفرض على الفلسطينيين حلًا وأضاف: وبالمناسبة مصر لا تقبل أن تشارك فى تفعيل أى حل ليقبله الفلسطينيون أو ندفعهم فى اتجاه معين أو نتفاوض نيابة عنهم مؤكدًا بحسم: (لا مش حنعمل كده) وهو فى ذلك يحمل الفلسطينيين ضرورة التحرك صوب قضيتهم وألا يدفعوا آخرين للقيام بذلك لأنهم أصحاب القضية ويعرفون ماذا يريدون؟ إذن الرئيس يعلن موقف مصر (داعم) وليس (راعى أو قائم بالنيابة).
ويحسب للسيسى أنه ومنذ توليه رئاسة مصر يسعى لتفعيل اتفاقية (الدفاع المشترك) التى يتضمنها ميثاق جامعة الدول العربية وبعد أربع سنوات ظهر هذا للنور من خلال المناورة التى تجرى الآن بقاعدة محمد نجيب (درع العرب) تشمل مصر ودول الخليج، ورحب الرئيس بأى دول عربية أخرى تنوى الانضمام لـ(درع العرب) فى إشارة منه أن منطقتنا العربية صارت هشة بعد خروج جيوش عربية من حيّز الوجود ويعاد الآن تكوينها وأن النزاعات بالمنطقة تحتم وجود قوة عربية مشتركة فى وضع الاستعداد إذا ما تعرضت أى دولة عربية لتهديدات، خاصة والأمن القومى العربى خرجت من معادلته بعض الدول نتيجة عدم الاستقرار، وأعلن السيسى أن لنا ثوابت تجاه الأزمات فى المنطقة ولكن مع الحرص على عدم التدخل فى شئون غيرنا أو التآمر عليهم، فقط نريد الحفاظ على وحدة الدول ودعم الاستقرار لأن عدم وجوده يظهر دورًا لجماعات وميليشيات مسلحة حتى لو كانت فى شكل أحزاب داخل الدولة ويجب على الإرادة السياسية للشعب أن ترفض هذا من أجل المصلحة القومية لبلدانهم.
وفى إطار سياسة (الدعم) التى ينتهجها السيسى لمساعدة دول المنطقة لتقوم من كبوتها وجه رسالة للشباب العربى والأفريقى بشكل خاص ومن واقع تجربتنا المصرية فقال: لا أحد يفرض على المصريين مسارًا هو مش عايزه، لأن أى دولة حتعطى مصيرها للمجهول لا تنتظر إلا الضياع، هذه هي تجربة مصر كنّا دولة على المحك وربنا حفظ دولتنا مش لازم نجرب مرة تانية (خلوا بالكم من بلادكم) وقال كلامى للشباب العربى وبما فيها مصر، مؤكدًا على عدم ترك البلاد فريسة الفوضى ويتم صياغة دساتير فورية للحفاظ على شكل الدولة، بالطبع يريد هنا أن يجعلهم يسرعوا من استحقاقات بناء الدولة ومؤسساتها حتى وإن ظهرت بعد ذلك عيوب فى الدساتير يمكن علاجها وتعديلها فيما بعد المهم إنقاذ الدول من الضياع لأنه كلما طال الوقت صعب الحل، هذا كان بعضًا من قناعات الرئيس الذى صرف لنفسه بشأنها (توجيه الحفاظ على الوطن).