الجيش والأحزاب والقانون
العنوان أعلاه هو مثلث قوى السياسة الداخلية، حيث قاعدته الجيش وأحد أضلاعه التعددية الحزبية والضلع الآخر القانون، وعلى رأس المثلث يقف الشعب صاحب السيادة والمنتفع من هذه القوى التى تمنح الوطن إفساح الطريق للانطلاق فى ممشى السياسة الخارجية محصنا بهم، ولا يمكن أو يجوز لأى دولة أن تفرض شروط سيادتها على قرارها الخارجى إلا من واقع تكامل هذا المثلث، ومنذ قيام ثورة يوليو ومصر تعيش حالة سياسية وقتية رغم ما لديها من إرث كبير فى هذا المثلث، والسبب يرجع فى انحيازها إبان ثورة يوليو للمعسكر الشرقى الذى اعتمد نظام الحزب الأوحد متخطيا الشكل الأكثر شيوعا وهو الأحزاب، ويرجع محاكاة مصر لهذا النموذج إلى أنه ما هو إلا إعلان التخلص من التبعية البريطانية الممثلة فى الاحتلال وتابعها القصر الملكى لتعلن تخليها عن نظام تم إرساؤه وعاش تجارب ناجحة لكن عبدالناصر فعل هذا لإثبات التغيير جذريا وليس جزئيا، ومع حكم السادات كان التقارب الأمريكى والغربى ضرورة لإحلال السلام، وعليه أراد لمصر أن تتفاوض بساحة داخلية تماثل تلك الأنظمة التى سيجلس معها فهو يريد مصر التى تتمتع بالتعددية وقوة القانون والجيش القوى الذى برهن على ذلك فى حرب أكتوبر، لكن معضلة المعارضة فى عهد السادات جعلته يقصيها فى آخر أيامه وقبل استشهاده لتنتج فوضى واعتقالات، وحتى مبارك الذى استكمل مسيرة سابقه ظل على العهد بتلك المرحلة حتى جاءت 2010 بإقصاء المعارضة أيضًا التى ناصبت نظامه العداء وحدث ما حدث فى يناير 2011، ثم حدثت فوضى حزبية لا مثيل لها فى تاريخ مصر أثناء فترة إدارة المجلس العسكرى لشئون مصر وفترة حكم الإخوان لتنتج لنا 45 حزبا «عشرة دينية، سبعة يسارية، أربعة اشتراكية، حزبين صوفيين، وحزبا شيوعيا، والباقى ليبرالى ووسطى» وهى أحزاب حتى الآن لا نعلم أين هى ولا ماذا تفعل وكأنها لبست طاقية الإخفاء مؤقتا لأن أيًّا منها لم يحل أو يلغى فيما عدا حزب العدالة الإخوانى الذى أخذه الوبا كما حدث مع الحزب الوطنى الأكبر فى نظام مبارك، المهم أن هناك من لديه العقدة الحزبية وينصح الرئيس أن يظل مستقلا دون ظهير حزبى، والبعض الآخر يقف مترقبا ويقول آراء على استحياء بضرورة إيجاد حزب يكون ظهيرا للرئيس، ولكن لا هذا ولا ذاك يجب أن يكون التفكير فالرئيس هو لكل المصريين مع اختلاف توجهاتهم، ومنهم يكون المكون الشعبى الداعم له، ولكن يجب ألا يتنافى هذا مع الشرط الأساسى لقوى الدولة والتى تعبر عن أهم المحددات التى تقاس بها قوة الدولة الشاملة على الساحة الدولية، لذلك فإن تهييف أحد أضلاع المثلث المذكورة ليس فى صالح ميزان الدولة وأن ضرورة الاحتكام لقانون التعددية يلزم الرئيس بأن يكون له حزب يعبر عن أهداف مرحلته يتحالف وقت الشدة مع أحزاب أخرى كما حدث أيّام السادات عندما أراد تعضيدا لسياسته الخارجية من القوى الداخلية ووقف معه حزب «كامل مراد حلمى» وهو أول زعيم للمعارضة بعد ثورة يوليو حتى وقع اتفاقية كامب ديفيد ثم فك التحالف لأن السبب الذى تم من أجله تحقق، وإذا كان نظام الرئيس السيسى قد قطع شوطا فى هذا مع حزب الوفد الليبرالى المعارض وهو من أعرق الأحزاب المصرية، إلا أن هذا الحزب تحالف مع النظام ككل كوّن الرئيس لم يعلن بعد عن حزبه الذى يجب أن يكون رغم تهيئة مسرح ظهوره، ويبقى لدينا مسمى الحزب الذى دائمًا ما يذهب إليه رؤساء مصر منذ السادات كونه معبرًا تاريخيًا عن أول حزب أنشئ بمصر فى عام 1907 وقد أسسه الزعيم مصطفى كامل وأطلق عليه «الحزب الوطنى» إلا أنه بعد أكثر من مائة عام تأتى نهاية مأساوية لهذا الحزب على يد نظام مبارك ليرتبط فى بعض الأذهان وكأنه حزب أنشأه هذا النظام وليس هو حزب المصريين الذى أسسه لهم الزعيم الوطنى ورجل القانون المفوّه مصطفى كامل، وأعتقد أنه من هنا لدى نظام السيسى تلك المعضلة بمعنى أنه عندما نادى بعض نواب كتلة «دعم مصر» وهى الكتلة النيابية الأكبر تحت قبه البرلمان بأن يكونوا هم نواة حزب دعم الرئيس الذى سينتمى له بالتبعية إلا أنه سيفتقد الميزة الأهم فى حياة الأحزاب، وهى السند التاريخى أي أنه حزب مستحدث ليس له جذور تاريخية راسخة، ولذلك فإن الأفضل هو استرداد مسمى الحزب الوطنى لكن دون أربابه القدامى، وفى هذا سوف يصطدم النظام بأن الحزب يحمل فى طياته صفات سيئة السمعة من جراء نظام مبارك، ومن هنا كان قد ظهر على الخط أبناء مبارك منذ فترة ملوحين بأنهم أصحاب الحزب الوطنى وأنهم بأربابه القدامى قادرون على استرداده حتى لو تم إدماجه اسمًا وأعضاءً فى حزب آخر حتى تحين لهم الفرصة لإعلانه للوجود مرة أخرى، ولكن الحزب الوطنى ليس ملكا لنظام، إنه ملك الشعب المصرى الذى أسسوه مع زعيمهم مصطفى كامل، ويجب أن يظل هكذا ينتمى له الجمع المصرى ويخرج منه الرؤساء أو ينتمون له بموجب الصك الشعبى لاختياره إذا كان مستقلا لا حزب له.. وننتظر الأيام التى سيحددها القانون للحزب والجيش الذى سيحمى الساحة الداخلية بكل أطيافها.