الاستدعاءات الثلاثة للجيش
عندما قال الرئيس إن ( الجيش استدعى نفسه)، سأل الكثيرون يعنى إيه هو مش إحنا (الشعب اللى استدعينا الجيش فى 30 يونيو)؟ نعم الشعب استدعى الجيش فى 30 يونيو ولكن قبل هذا التاريخ ولقرابة عشرين يوما كان الوضع فى البلاد متأزما بين رئيس الدولة وقتذاك د.مرسى والشعب الذى رفض حكم المرشد والجماعة والذى كان يمثله مرسى وأحدث حالة استقطاب حاد فى المجتمع تبعها تمييز صارخ بين العشيرة الإخوانية وباقى أفراد الشعب والأكثر أنه عندما طلب منه الجيش الالتزام بالدستور ،والذى كان قد وضعته الجماعة وأربابها من بعض التيارات الأخرى حتى هذا لم يلتزم به واستصدر إعلانا دستوريا محصنا لأى قرار يتخذه مما دعا الشعب بجميع فئاته لعدم قبوله جملة وتفصيلا ولأن الجيش مسئول عن استقرار البلاد وعدم العبث بثوابته ومكتسبات الشعب اجتمع المجلس الأعلى وأخذ قرارا بالتعامل مع هذه الأزمة التى ستؤدى إلى إحداث فوضى مرة أخرى كما حدث فى يناير 2011 ويعد تكليف الجيش لنفسه بالتعامل مع هذه الأزمة حتى لاتتفاقم ومن هنا يكون معنى أن الجيش (استدعى نفسه) وهذا الاستدعاء كان الغرض منه هو الوصول الى حل للأزمة بإبعاد الجماعة عن سدة الحكم وأن يقوم مرسى بدوره كرئيس منتخب لكل الشعب إلا أن هذا لم يرض الجماعة وزادت فى غطرستها فأصدر الجيش عدة بيانات فى شكل نداءات للجماعة وباقى التيارات وممثلين للشعب للوصول إلى صيغة توافقية حتى لا تتعرض البلاد لأزمة لا تحمد عقباها - لكن مرسى وجماعته لم يرتدعوا وصار الشعب فى حالة غليان وعلا صوته لمطالبة الجيش بإنقاذه من براثن هذه الجماعة ورئيسها الفاشيين القمعيين، وظلت النبرة الشعبية فى تزايد حتى نتج عنها ثورة ٣٠ يونيو التى استدعى فيها الشعب الجيش لحمايته وإسقاط نظام جاء نتيجة خطيئة مجتمعية لاختياره علاوة على التزوير الذى قامت به الجماعة بشكل تعسفى وبمساعدة قوى خارجية ومن هنا صار هذا (الاستدعاء الشعبى للجيش) بمثابة تكليف له للقيام بمهمة أسندها له الشعب ولا يمكن للجيش أن يتخلى عن واجبه وهذا كان الاستدعاء الثالث والأخير حتى الآن للجيش خلال ثلاث سنوات من 2011 وحتى 2013 بعدها طلب القائد العام وزير الدفاع تفويضا شخصيا له حتى يقوم ببعض الإجراءات اللازمة لما طلبه منه الشعب ولكن له الشكل القانونى لاستدعاء الجيش وقد منحه الشعب هذا بكل الثقة لشخصه وللجيش المصرى ذات الدلالة الخاصة عند شعبه، ومررنا بمرحلة انتقالية ورئيس مؤقت لمدة عام ثم قمنا بإنجاز خارطة طريق للرجوع بالوطن إلى مساره الصحيح بإجراء انتخابات حرة ليأتى لنا رئيس يقدر قيمة الشعب المصرى وتراب الوطن.أما الاستدعاء الثانى فهو الذى ذكرته سالفا وكان من الجيش لنفسه والذى تحدث عنه الرئيس فى مؤتمر الشباب، وكان الاستدعاء الأول عندما تنحى الرئيس الأسبق مبارك فى 11 فبراير 2011 واستدعى الجيش لتسليمه البلاد للقيام بواجبه فى الحفاظ عليها وإدارة شئونها حتى يحدد الشعب ما يريده وربما يسأل أحد ولكن الجيش نزل الشارع قبل هذا الاستدعاء من مبارك - نعم بالفعل الجيش كان موجودا ولكن بناء على أوامر صادرة من قائده الأعلى وقتذاك وهو الرئيس مبارك بأن يقوم الجيش بعمله فى حماية منشآت الدولة الحيوية والحفاظ على الأمن العام وهذا يطلق عليه فى الجيش (صرف أمر) أى إعطاء أوامر بتنفيذ مهمة ويتقدم القائد العام للقائد الأعلى بأنه قام بتنفيذها أو أن الأمر يستوجب أكثر من (صرف الأمر ) وهذا ما حدث أنه على مدار عشرة أيّام وجود الجيش للحماية لم يعد كافيا لأن سقف المطالبات للمتظاهرين وباقى الشعب زاد عن حدود إمكانيات (صرف الأمر) ومن هنا كانت المطالبة لمبارك بالتنحى فلم يعد وجوده مقبولا أو ذات فائدة… تلك كانت الاستدعاءات الثلاثة للجيش خلال ثلاث سنوات يمكن إجمالها بالآتى: (استدعاء استلام البلاد من مبارك - استدعاء الجيش لنفسه كوسيط بين الشعب والتيارات السياسية المختلفة، ومن يعتلى حكم البلاد مرسى وجماعته - وأخيرا الاستدعاء الشعبى للجيش ليخلصه من براثن حكم فاش قمعى يريد تغيير الهوية والمكتسب الوطنى).. استدعاءات الجيش الثلاثة المذكورة كل منها ذات ظرف سياسى متصل الحدث منفصل التكليف يعطى الدلالة الأكبر والأهم التى تحاول الجماعة الإخوانية ترديدها عن جهل وادعاء فى ذات الوقت بأن ما حدث هو انقلاب عسكرى على حكمهم الفاشى الطائفى والمتأسلم عنوة لأنه بعيد شكلا ومضمونًا عن ديننا فأرادوا أن يصبغوا أهم وأطهر استدعاء قام به شعب لنداء جيشه لحمايته وخلاصه من حكم فاسد أراد بيع الأرض والعباد فى وطن مستقر لآلاف السنين بأنه (انقلاب).. هكذا وصفوا الثورة الشعبية الوحيدة المتكاملة فى حياة المصريين بعد إرهاصات على مر التاريخ منها من حقق هدفا جزئيا ومنها ما فشل أما ثورة 30 يونيو فهى ثورة مكتملة الأركان تحقق نتائجها يوما بعد يوم وتصحح مسار ثورات خرجت عن أهدافها.