
وائل لطفى
طرق يوليو المقطوعة!
أسوأ ما كشف عنه الجدل حول ثورة يوليو أننا لا نقرأ.. نحن أيضا لا نكتفى بهذا، لكننا نخوض معارك الماضى ونحن نحمل آلام الحاضر.. فلا نرى الطريق إلى المستقبل.. الأكيد أيضًا أننا جميعًا كمصريين أصبحنا نفتقر للموضوعية، ولا ننحى عواطفنا ومشاعرنا ونحن نحكم على قضايانا العامة.. الغاضبون من الوضع الحالى يحملون ثورة يوليو وزر ما حدث.. وهى ربما تتحمل جزءا من الوزر.. لكن أحدًا أبدًا لا يتحدث عن إخفاقنا كشعب فى تحقيق النهضة مرة بعد مرة.. محاولة بعد محاولة.. من محمد على إلى إسماعيل ومن إسماعيل إلى جمال عبدالناصر ولَم يبق لنا إلا أن نقاتل كى نحقق النهضة مع رئيس يحلم بمصر قوية مثل الرئيس السيسى.. لا أحد يرغب فى أن نحاكم أنفسنا ولا موروثنا الفكرى، ولا عاداتنا.. ولا علاقتنا بقيم العمل والنجاح والإتقان.. نحن نحلم فقط بالماضى الأنيق الذى كان فيه المخرج محمد كريم يغسل (الجاموسة) قبل أن يدفع بها للتصوير فى فيلم (زينب )!
الحقيقة هى أننا جميعًا نتحمّل مسئوليات عن إخفاق النهضة ولا يقل لى أحد إن ثورة يوليو قادتنا إلى النكسة.. لأن هناك بلدا اسمه فيتنام خرج من حرب مع أكبر قوة فى العالم محطمًا حتى قيل إنه لا يوجد فيه شارع واحد سليم.. والآن فإن فيتنام من أكبر القوى الاقتصادية الصاعدة فى آسيا. إننا لن نستطيع أن نخطو نحو المستقبل دون أن نتصالح مع الماضى.. وأن نعرف أن ما حدث فى الماضى لا يعطلنا بقدر ما يعطلنا ما يدور فى عقولنا من أفكار.. فى سبيل هذا أقول: إن ثورة يوليو قامت لأنها كان يجب أن تقوم.. قامت الثورة لأن حكم أسرة محمد على انتهى فعليا مع وفاة الملك فؤاد آخر ملوك الأسرة الأقوياء وإن كل الفترة التى حكمها فاروق ١٩٣٦-١٩٥٢ لم تكن سوى فترة انتقالية.. قامت الثورة لأن عدم خبرة الملك الضعيف قادته للرهان على دول المحور وبهزيمة المحور كان لابد من رحيل كل المهزومين وهو على رأسهم.. قامت الثورة لأن دبابات الاحتلال الإنجليزى داست شرعيته حين حاصرت قصر عابدين ليتحول إلى رجل جريح يبحث عن الثأر من رجال الإنجليز وكان يليق به أن يغادر عرشه فى كبرياء كما فعل غير واحد من ملوك أسرته، قامت الثورة لأن النظام السياسى كان قد سقط بالفعل، وكانت السلطة فى انتظار من يلتقطها من الطريق وأثبتت الأيام أن جمال عبدالناصر كان رجل الوقت.. لقد سار جمال عبدالناصر فى طريق واضح للتنمية وتعرض لضربة الهزيمة ثم شاء الله أن يموت.. ليجىء السادات ويسير فى طريق آخر ويشاء الله أن يموت دون أن يكمل الطريق.. ثم يجىء مبارك ليضيع وقتًا طويلاً فى تجميد الوضع.. ثم يسير فى آخر سبع سنوات من حكمه فى طريق يشبه ما كان السادات يريد أن يسير فيه مع اختلافات، لكن الشعب يقرر ألا يسمح له بإكمال طريقه.. فعلى أى شىء نحاسب ثورة ٢٣ يوليو؟ والطرق كلها كما نرى مقطوعة ولا أحد أكمل طريقًا سار فيه. إننا لا نملك إلا أن نبدأ من جديد وأن ندعو للصبر وأن ندعو لمصر بالتوفيق لعلنا نكمل طريقنا مرة واحدة.. وما ذلك على الله ببعيد.