«الصلاة».. و«السلام»!
المزايدات الدينية والوطنية تنتج تطرفًا غير محمود.. واستغلالها فى غير موضعها جريمة يجب محاسبة ومراجعة مرتكبيها مهما بلغ شأنهم.
ما صرحت به وزيرة الصحة من استخدام السلام الجمهورى والقسم الطبى هو نفس ما نادى به أصحاب الشعارات الدينية والأفكار الوافدة إلينا من دول شقيقة فى السبعينيات الذين استغلوا توجه الشعب بالتكبير والشكر لله سبحانه وتعالى لما حققناه من نصر مبين فى حرب أكتوبر، وزايدوا فى استغلال واستخدام هذا الحماس الدينى المتأجج ليدسوا أفكارهم المتطرفة ويلعبوا على أوتار الفضيلة الزائفة والمغالاة فى استخدام كل ما يخص الدين؛ لخدمة أهدافهم.. فصار هناك استخدام للصلاة للهروب من الواجب الوظيفى وصارت «زبيبة» الموظف فى جبهته هى علامة الجودة فى عمله حتى وإن لم يقم بعمله من الأساس أو استغله أسوأ استغلال.
وامتد هذا المظهر الدينى ليشمل وجبات الإفطار فى المكاتب أو أثناء العمل.. وبكل صفاقة يصرخ فيك الموظفون «أنت مش شايفنى باكل حرام عليكم تقومونا من الأكل تروحوا فين من ربنا»!
هذه الكلمات تتنافى مع الدين جملة وتفصيلاً.. فالأديان جميعها حثت على العمل ووضعته فى نفس منزلة الصلاة التى زودنا ديننا ببدائل لتقديمها أو تأخيرها عند الحاجة.
وهل هناك أكثر من أن يكون المواطن مستقبله وحياته متوقفة عند موظف زوغ من عمله تحت حجة ذهب ليصلى أو موظفة جلست فى حفلة نميمة أو تجهيز خضار طبيخها، وهى ترتدى حجاب التدين وتتمتم بالدعاء على خلق الله الذين قلقوا راحتها وطلبوا إنهاء إجراءاتهم.
كل هذا دسه مغرضون وتجرعناه خشية أن النقد فى المظاهر الدينية حرام، وشجعت الدولة هذا المد المتطرف فأنشأت زوايا داخل دواوين الحكومة وأباح البعض الرشوة بأنها «زكاة قضاء الخدمة أو زكاة مال»، حسب الإكرامية المدفوعة والتى قننها أرباب الزبيبة.
ولم تقف هذه المظاهر والشعارات بل امتدت إلى المستوصفات والجمعيات الخيرية والشرعية وغيرها، واعتمدها الرئيس المؤمن، ولَم يقدر على التصدى لها رئيس الثلاثين عامًا، حتى رأينا أنفسنا تحت حكمهم يقومون بظلمنا وتهميشنا يوميًا، حتى جاءت قومة ٣٠ يونيو لتقضى على بداية عام سبعين إلى حد ما.
نفس الشيء ينطبق على استغلال «الطقوس والشعارات» الوطنية المقدسة والنبيلة فى غير موضعها وبشكل يشوبه التطرّف من جراء ما نتج عن ثورة ٢٥ يناير، وظهور بعض المنتفعين الذين أطلقوا على أنفسهم «المحترمين».
وعلى من كانوا يستأجرونهم من المواطنين البسطاء «الشرفاء» وباقى المصريين ليس لهم حساب فى نظرهم.
وللأسف قام بتأصيل تلك الحالة الفضائيات والتواصل الاجتماعى - على الجانب الآخر.. كانت الأغلبية المصرية التى انسحبت من تلك الثورة بعد أن قفز عليها الأوغاد وبين مؤيد ومعارض لتلك الثورة ليأتى تصحيح مسار بثورة ٣٠ يونيو؛ ليصير لها هى الأخرى غالبية مؤيدة وقلة معارضة، واستخدموا أيضًا «الشرفاء»، هذا صحبه ما جعلنا ننعت بعضا بالخيانة والاختلاف صار مطالبة بخلع الجنسية عن ما يختلفون معنا مع أن إسقاط الجنسية محددة بشروط قانونية ولا يجوز التعدى عليها حتى بالقول بالمطالبة هذا غير مخول لأحد مهما كان إلا ما أقره الدستور والقانون.
إن الإسهاب فى دوافع الانتماء تجعل له دوافع تطرف مصاحبة له يستخدمها المغرضون وتصير تقليدا وعادة.
الانتماء وحب الوطن يغرس فى التنشئة الأسرية والمراحل التعليمية المختلفة ويكون التعبير عنه هو «الضمير الوطنى» الذى تظهر دلالته فى أداء الواجب المهنى المطلوب منى هذا لا يصحيه سلام وطنى أنه انتماء فطرى قامت بتأصيله الأسرة والمدرسة ويدعمه الإعلام بأغان حماسية واحتفالات المناسبات الوطنية ودراما واعية وأفلام تؤثر فى الوجدان ولا تبتره وبرامج يقوم عليها من تتوافر فيه الوعى والإدراك والتأثير بالحديث للوصول إلى الناس.
لا تغالوا فى شعارات الانتماء والسلام الوطنى حتى لا يتعرض للإهانة من مواطن يتألم مما يعانيه جسديا والخلفية فى أذنه السلام الجمهورى والممرضة والطبيب مشغولين بأشياء أخرى أو متهاونين فى إسعافه أو متعاملين بشكل غير إنسانى معه فما هو المنتظر أن يخرج من فم هذا المريض والخلفية قسم لم يأخذ به الطبيب وسلام مقدس صار عائقا عن الإغاثة.
سيدتى وزيرة الصحة أثبتى أنتِ أولا انتماءك ووطنيتك وقومى بواجبك الذى طلبه رئيس الدولة منك وهو تحسين الخدمة الصحية ومراعاة المرضى وكفالتهم بالتأمين الصحى - الانتماء عمل وليس مظاهر و«الصلاة والسلام» فريضة وواجب لا تحتاج شعارات وتذكرة ومزايدات يرحمكم الله والوطن.