
وائل لطفى
الذى تبقى من 30 يونيو
ما الذى تبقى من 30 يونيو؟ هذا هو السؤال الذى يطرح نفسه فى الذكرى الخامسة للثورة، وربما فى كل ذكرى لها منذ قيامها عام 2013، والحقيقة أن السؤال هو أكثر الأسئلة أهمية.. وفى ظنى أن ما تبقى من 30 يونيو كثير جدًا.
فما تبقى منها أنها الثورة التى غيرت شكل الحياة فى مصر وفى المنطقة العربية، وبفضل 30 يونيو صمدت الدولة السورية فى وجه محاولات الميليشيات لتفتيتها واقتسامها وتسليمها للإخوان وحلفائهم من الإرهابيين.
وبفضل 30 يونيو تنفست دول الخليج الصعداء بعد أن كان الخطر الإخوانى قاب قوسين أو أدنى، وكان الإخوان يبتزون حكام الخليج صراحة ويتوعدونهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وبفضل 30 يونيو استعاد الجيش الليبى (الوطنى) قوامه بعد أن كانت ليبيا نهبًا لميليشيات متناحرة ومتنازعة.. وأصبح هناك أكثر من صوت يمكن سماعه فى تحديد مستقبل ليبيا، بعد أن كان استيلاء الإخوان عليها أمرًا منتهى منه.
وليس من قبيل المبالغة القول إن التغييرات القوية التى تشهدها دولة عربية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية فى اتجاه نفض ركام التزمت الدينى هى تجليات للتغيير العنيف الذى شهدته المنطقة بعد 30 يونيو.. فلولا هذا لما كان ذاك.
أما على المستوى الداخلى فإن ما بقى من 30 يونيو هو أن المصريين رفضوا ولايزالون يرفضون الحكم الدينى، وأنهم رفضوا ولايزالون يرفضون محاولات تغيير هوية مصر، وأنهم رفضوا ولايزالون يرفضون المساس بشكل الدولة المصرية، وأنهم رفضوا إنهاء نظام حكم يوليو، كما عرفوه منذ عام 52، وقبلوه بعيوبه ومميزاته.
ما بقى أيضًا أن حكم الإخوان قد انتهى إلى الأبد وأن المصريين أدركوا أن الجماعة لم تكن سوى «كذبة كبيرة» عاشت على الفساد، الذى تحكم فى مصر خلال أربعين عامًا.
ما بقى أن المصريين لم يعودوا قابلين لفكرة أن الفساد واحد من مفردات الحياة المصرية، وأنهم باتوا واعين أن الفساد وباء لابد من محاصرته، والقضاء عليه إذا كنا نريد أن نخطوا نحو المستقبل.
ما بقى أيضًا أن نخب الفساد القديمة التى سيطرت على أوصال هذا البلد، وتقاسمت خيراته لعقود طويلة فى طريقها إلى الزوال، رغم شراسة المقاومة.. وأن ذلك فى حد ذاته أمر يدعو للتفاؤل.. ما بقى من 30 يونيو كثير.. وما سيظهر من ملامحه الخفية فى المستقبل أكثر وأكثر.