الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
أين اختفى المصريون؟

أين اختفى المصريون؟


أتأمل فى المسلسلات التى تعرض خلال شهر رمضان وأسأل نفسى: أين ذهب المصريون؟
والمصريون الذين تقصدهم هم أولئك المصريون العاديون.. الصناع والزراع والموظفون والأطباء والمحامون وكافة شرائح الطبقة الوسطى المصرية التى كانت الدراما المصرية تتفنن فى تصوير حياتهم وقصصهم المختلفة حتى أوائل الألفية الثانية تقريبا حتى اختفوا رويدا رويدا من على الشاشة..
أتأمل دراما رمضان هذا العام فلا أجد مدرسا ولا مديرا ولا مصريا عاديا بطلا لعمل.. أجد مجرمين يطاردهم ضباط وبينهم أبطال ينتمون لأربعينيات القرن الماضى ويسكنون فى اللامكان ويتكلمون بلغة خيالية.. وهى رغم جمالها إلا أنها ليست سوى محاولة للهروب إلى الواقع.
أنت على استعداد لفهم ضرورة تقديم صورة إيجابية لضباط الشرطة المصرية بعد سنوات من التشويه فى الدراما المصرية لكن هذا لا يعنى أبدا أن يكون لدينا ثلاثة مسلسلات على الأقل أبطالها من ضباط الشرطة، ذلك أن المثل يقول إن ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وربما يكفى مسلسل واحد كبير أو اثنان لتوصيل الرسالة..ذلك إننا فى حاجة لأن نرى مسلسلا آخر بطله موظف شريف، أو أب يكافح لتربية أبنائه، أو شاب تحدى ظروفه الصعبة وكتب قصة نجاح أو امرأة كافحت للنهوض بأسرتها وهى كلها قصص موجودة فى الواقع لكننا لا نراها، لقد لفت نظرى أن عددا كبيرا من القصص «مستقى» من صفحات الجريمة وأطرافها المختلفة سواء تلك التى تدور عن تهريب الآثار، أو عن أم اغتصبت ابنتها ،أو عن ضابط يطارد أسرارا.
وهذا جزء من المجتمع لكنه ليس كل المجتمع.. إننى ما زلت أتذكر تلك المسلسلات التى كان يقدمها نجم المسرح المصرى حسن عابدين فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى وكان دائما ما يلعب فيها دور رب أسرة مصرية من الطبقة الوسطى، نرى من خلال حلقات مسلسله كيف تسير  به الدنيا هو وأسرته فى مصر بالثمانينيات، ولَم يكن هذا هو النموذج الوحيد، بل كان النموذج السائد.. إننى لست فى حاجة للتذكير بمسلسل مثل أرابيسك للراحل العظيم أسامة أنور عكاشة وكان فى أحد مستوياته يروى قصة «صنايعي» مصرى هو حسن أرابيسك ومن خلال الأحداث كان يناقش قضايا أكبر مثل قضية الهوية، إننى ما زلت أذكر أيضا المسلسلات التى كانت تناقش قضايا تدور فى الريف المصرى وأجد أنه من الغريب جدا أنه من بين ثلاثين مسلسلا مصريا لا يوجد مسلسل واحد تدور أحداثه فى قرية من قرى الدلتا أو تناقش قضية من قضايا أهلنا من الفلاحين والمزارعين ولا أقصد هنا المسلسلات التى تتخذ من عالم الجريمة فى الصعيد مسرحا لأحداثها فتلك قصة أخرى.
لقد تدخلت الدولة ومؤسساتها المختلفة فى ملكية القنوات الفضائية، ورغم أنى من الذين يَرَوْن التجربة إيجابية إلا أن إنتاج هذه القنوات الدرامى ما زال خاضعا لنظرة السوق التجارية.. ومعايير هذه السوق.. إننا فى حاجة لأن نرى فى العام القادم مسلسلا يدور عن أسرة مصرية عادية وليس عن أسرة «مترجمة» أو مستنسخة من المسلسلات الأمريكية والإسبانية، إننا فى حاجة لمسلسلات عن المصرى العادى، وحتى فى معالجتنا لبطولة ضابط الشرطة فنحن فى حاجة لأن نرى ضابط شرطة مصريا وليس ضابطا بمواصفات البطل الأمريكى.. إن الدراما المصرية هذا العام ساهمت فى مزيد من حالة الاغتراب بين المصريين ومجتمعهم وهو ما نتمنى ألا يستمر فى العام القادم... وعلى الله قصد السبيل.