الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
سرطان الإعلام!

سرطان الإعلام!


على شاشة إحدى القنوات الفضائية الخاصة شاهدت برنامجًا يستضيف باحثًا فى جامعة الأزهر، وكان مبرر الاستضافة أن هذا الباحث قد توصل لعلاج لمرض السرطان.. لم يكتف الباحث بأن يزف للمشاهدين خبر اختراعه الفذ.. ونجاحه فى الوصول إلى علاج المرض الذى فشل العلماء فى أكبر المراكز العلمية فى دول العالم الأول أن يصلوا إلى علاج ناجح له حتى الآن.. فإلى جانب إعلانه عن اكتشافه العلمى الذى سبق به علماء الشرق والغرب قال الباحث الذى استضافه البرنامج إنه مرشح للحصول على جائزة نوبل فى الطب!
 
رغم أنه لم يوضح ما هى الجهة العلمية التى رشحته للحصول على الجائزة.
نحن إذن إزاء رجل لا يخرج عن واحد من تفسيرين.. أولهما أن الرجل يعانى من ضلالات وهلاوس تصور له أنه استطاع تحقيق إنجاز معين بخلاف ما هو الأمر عليه فى الواقع.
وثانيهما أننا إزاء رجل يخدع الناس عن عمد.. ويعرف أنه يخدع الناس عن عمد بحثًا عن تحقيق المصلحة المادية الخاصة حين يلجأ له الراغبون فى العلاج وفاقدى الأمل فى الشفاء الذين على استعداد لبذل الغالى والنفيس بحثا عن الأمل.
فى كل الأحوال وأيًا كان دافع الرجل فنحن إزاء جريمة إعلامية ارتكبتها مقدمة البرنامج، والقناة التى أذاعته، ذلك أن البحث عن كل ما هو شاذ وغريب والسعى لتقديمه بات سلوكًا إعلاميًا مرفوضًا ومذمومًا فى وقت تخوض فيه مصر معركة بقاء ضد الإرهاب وضد أعداء بعضهم معلن وبعضهم خفى.. ولا أنكر أن قنوات وبرامج كثيرة كانت تقدم مواد شبيهة فى الفترة التى سبقت ثورة يناير، ولعل ذلك كان أحد أعراض حالة التدهور والغيبوبة التى سادت المجتمع ثم قادتنا إلى ما حدث وما تلاه من تداعيات.
إن الفرق بين الإعلامى الواعى والمتعلم وبين ذلك الجاهل والمدعى أن الأول يعرف ما يسمى بواجب الوقت ويرصد التغيرات التى يشهدها مجتمعه ويقدم المادة الإعلامية المواكبة للمرحلة، أما الأدعياء وأنصاف المتعلمين فيعبدونه تقديم البضاعة القديمة دون أن يلتفتوا إلى أنهم يحملون مخلفات قديمة صالحة للانفجار.
إن حال بعض إعلاميينا يذكرنى بتلك القصة الشائعة عن ذلك الأعرابى الذى فاجأ الحجيج بالتبول فى الحرم الشريف فأوسعه الناس ضربا.. حتى أنقذه أحدهم وسأله عن دافعه لارتكاب هذه الفعلة المشينة فقال ردا ثار مضربا للمثل حيث قال.. أردت أن أذكر ولو باللعن!
والمعنى أن بعض النكرات وخاملى الذكر ليس لديهم مانع من تقديم كل ما هو شاذ وساقط بحثا عن الشهرة وطمعًا فى أن يذكرهم الناس ولو باللعن!
إننى اكتب هذا المقال فى اليوم التالى لرحيل سيدة الإعلام العربى سامية صادق، ولا أستطيع أن أمنع نفسى من المقارنة بين هذه السيدة العظيمة، وبين بعض من تسللن للشاشات فى غفلة من الزمن وفِى غياب أى معايير، وأخشى أن يكون الفرق بين عظمة سامية صادق وبين ابتذال بعض من يوصفن بالإعلاميات اليوم هو فرق بين مصر التى كانت ومصر التى أصبحت.. وما أصعب الفرق بين الاثنين.