
وائل لطفى
رسائل السيسى من نيويورك
انتهت بنجاح زيارة الرئيس المصرى عبدالفتاح السياسى الثالثة لنيويورك، ولكن الرسائل التى أرسلتها مصر من هناك للداخل والخارج لاتزال باقية، وهى فى الحقيقة رسائل مهمة، وتستحق القراءة، الرسائل متعددة.. وفى اتجاهات مختلفة.. وبعضها موجه للداخل.. فى حين أن بعضها الآخر.. موجه للخارج بطبيعة الحال..
ولعل أولى هذه الرسائل هى لقاء الرئيس بالمرشحين الأهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية التى تجرى بعد أسابيع قليلة ( دونالد ترامب وهيلارى كلينتون).. كان فى اللقاء رسالة على مستوى الشكل.. وأخرى على مستوى المضمون.. على مستوى الشكل.. كانت هناك رسالة البروتوكول.. حيث جلس الرئيس المصرى على كرسى يفوق فى الارتفاع تلك الأريكة التى جلس عليها المرشحان للرئاسة أثناء المقابلة.. وكانت رسالة البروتوكول تقول إن ( المقامات محفوظة).. وإن مصر تعرف جيدا قيمة رؤسائها.. فالسيسى هو رئيس جمهورية مصر.. بينما المرشحان لا يزالان شخصين عاديين.. رغم أن أحدهما سيصبح عما قريب رئيسا لأكبر دولة فى العالم.. ولكن وحتى يحدث ذلك فإن المقامات تظل محفوظة كما قلت..
أما على مستوى المضمون فإن حرص المرشحين على لقاء الرئيس لا يعنى سوى اعتراف الجميع بوزن مصر وقوتها فى المنطقة.. كلا المرشحين يعرف وزن مصر وإن تفاوتت عواطفهما تجاهها فى اللحظة الحالية.. ترامب يبدو الأكثر دفئا تجاه مصر.. وهو أيضا الأكثر تقديرا لما قام به الشعب المصرى والرئيس السيسى فى 30 يونيو.. هو بلا شك أيضا يعرف الدور الكبير الذى قامت وتقوم به مصر لوقف زحف الإرهاب فى المنطقة.. كلينتون تبدو أكثر جفاء.. هى متهمة بالتعاطف مع الجماعة الإرهابية.. بل إنها متهمة بأنها كانت عرابة وصول الإخوان إلى سدة الحكم فى مصر.. لكن السياسة لا تعرف العواطف.. كلاهما طلب مقابلة رئيس مصر.. وكلاهما يعرف جيدا أن عليه فى المستقبل القريب أن يتعامل مع ما تمثله مصر فى المنطقة.. ومصر من جانبها ستتعامل مع ما يمثل مصلحتها الوطنية..
لم تكن كلينتون صادقة تماما، تحدثت مع الرئيس المصرى فى أمور شتي.. ولكنها فى البيان الذى أصدرته عن المقابلة.. اكتفت أن تشير لحديثها عن قضية المواطنة الأمريكية - المصرية ( آية حجازي).. هذا اختيارها إذن.. أو ما أرادت أن تصدره لجمهورها.. هى حرة.. لكن الأكيد أن العلاقة بين مصر وأمريكا تضبطها مؤسسات متعددة وفاعلة فى القرار الأمريكي.. حتى لو جاءت كلينتون بالإخوانية ( هوما عابدين) لتصبح وزيرة لخارجيتها.. أو المستشارة لها.
كانت الرسالة الثانية التى لا تخطئها عين هى تراجع مظاهر الذعر التى كان يحدثها مجموعة من (شبيحة) الإخوان فى شوارع نيويورك مجموعة بلطجية لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.. كانوا يطاردون أعضاء الوفد المصرى والإعلاميين كالكلاب الضالة.. اختفى هؤلاء تماما..
ما لا يعرفه الكثيرون أن الرصيف الموازى للأمم المتحدة.. يتحول فى موسم انعقاد الجمعية العمومية لسوق عكاظ سياسية.. المواطنون الأمريكان من أصول مختلفة يتظاهرون- وفق إخطار محدد سلفا - أمام الأمم المتحدة.. فى يوم إلقاء الرئيس المصرى لكلمته تزامن ذلك مع وقفة للمعارضة الإيرانية ضد نظام الثورة الإسلامية، ومع وقفة للمعارضة فى تايلاند ضد نظام الحكم هناك.. وكان هناك أيضا عشرة من «الإخوان المسلمون» يرتدون «تى شيرتات» صفراء ويرفعون شعار رابعة، وعلى بعد أمتار قليلة منهم كان مئات من مواطنى مصر يرفعون أعلام البلاد ويعبرون عن مناصرتهم لثورة 30 يونيو.. وللرئيس المصري.. هذه هى الديمقراطية... اختفى بلطجية الإخوان.. وبقى عشرة أشخاص يقابلهم المئات يعبرون عن مشاعرهم التلقائية ويناصرون مصر ورئيسها.
أما الرسالة الثالثة فلم تكن بعيدة عن الرسالة الثانية.. كان من بين المواطنين المصريين الذين خرجوا للتعبير عن تأييدهم لمصر مسلمون.. وأقباط.. هذه هى تركيبة مصر العادية.. وكانت الكنيسة قد أصدرت توجيها للمصريين الأقباط بالخروج للترحيب بالرئيس المصري.. وكان أن حاول «الإخوان المسلمون» الصيد فى الماء القبطي.. وتحدثوا عما اسموه ( الدور السياسى للكنيسة).. وكان أن شايعهم بعض أقباط المهجر من ذوى الانتماءات المعروفة.. ولم ينتبه الجميع أن ثمة رسالة إيجابية كبيرة ومهمة.. لقد استطاعت الإدارة المصرية أن تحافظ على علاقة ممتازة بالمصريين الأقباط.. بعد سلسلة جرائم طائفية فى المنيا.. حرض عليها السلفيون.. والإخوان.. وأشياعهم.. وكان المطلوب أن تحاسب الإدارة المصرية على (المشاريب الطائفية).. وأن يدفع الرئيس المصرى الثمن أثناء وجوده فى نيويورك.. لكن يدا سياسية حكيمة امتدت لتحل عقدة الجرائم الطائفية.. ليتحول العداء المرتقب للسيسى فى نيويورك إلى ترحيب صادق شارك فيه أقباط نيويورك.. وجيرسي.. إلى جانب مسلميها بالطبع.. وكانت هذه رسالة مزدوجة موجهة للخارج وللداخل معا..
أما الرسالة الرابعة.. فلم تكن بعيدة عن الرسائل السابقة. وإن كانت جديدة من نوعها.. فللمرة الأولى كان هناك وفد شعبى يضم من بين أعضائه 24 من أعضاء مجلس النواب.. وهى رسالة لم يحملها السيسى معه أثناء زيارته لنيويورك فى 2014 ولا فى 2015.. وكانت الرسالة الرمزية تقول إن مصر قد انتهت من الاستحقاق الديمقراطى الثالث.. كانت الرسالة مركبة.. فقد كان الوفد يحمل فى طياته مختلف أنواع الطيف المصري.. كان هناك نواب محسوبون على المعارضة مثل خالد يوسف وعماد جاد.. وكان هناك المرأة ممثلة فى نائبات مثل نشوى الديب وداليا يوسف وسولاف درويش .. كان هناك أقباط مثل هانى نجيب وعماد جاد.. إلخ.. كانت مختلف الأطياف المصرية فى مهمة لتأييد مصر.. وكانت تلك رسالة لا تخطئها العين.. لم يكن حرص الرئيس السيسى على زيارة نيويورك فى موسم الحج السياسى فى سبتمبر من كل عام.. مجرد نشاط خارجي.. ولا رغبة فى كسر الحصار الدبلوماسى الذى حاول البعض أن يفرضه على مصر بعد 30 يونيو.. لكنها الزيارة فى كل مرة كانت تتحول لمنصة لإطلاق الرسائل المختلفة.. وقد قالت مصر ما لديها من رسائل.. انتهت عملية الإرسال.. لكن أثر الرسائل لايزال باقيا