الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصريون يزرعون الكراهية

مصريون يزرعون الكراهية


أخطر ما تجرى زراعته فى مصر حالياً هو الكراهية، وإلى جانب الكراهية ينمو نبات آخر شيطانى هو التعصب، لا أحد يريد أن يسمع أحدا، لا أحد يؤمن بحق الآخرين فى الاختلاف عنه، الجميع يرى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، والوطنية المطلقة، فى الأسبوع الماضى كانت الكراهية هى سيدة الموقف، والعنوان كان الخلاف حول تيران وصنافير.. الخلاف عادى وصحى ومطلوب.. ولكنه عندنا لم يعد كذلك، رأت الدولة أن تيران وصنافير غير مصرية وأن المصلحة القومية تقتضى إعادتها للسعودية.
ورأى مصريون آخرون أن الجزر مصرية وأنه لا يجب أن تتم إعادتها دون استفتاء شعبي، فى بلد آخر يسمى هذا خلافا حول المصلحة الوطنية لكنه لدينا تحول إلى موسم للتخوين والتكفير الوطني، المعارضون لتسليم الجزر للسعودية لم يتركوا أى نقيصة إلا ألصقوها بمن أعلن اقتناعه أن الجزر سعودية أو بمعنى أصح أعلن ثقته فى قرار الرئيس وفى حسن إدارته للأمور واتهامات بالعمالة والتفريط، والبيع ومطالبات بإسقاط النظام وقليلون جداً هم الذين أعلنوا أنهم يثقون فى وطنية النظام ولكن يختلفون معه فى طريقة إدارته للملف، على الجانب الآخر لم تكن الصورة أفضل بحال من الأحوال الذين أيدوا الدولة المصرية فى قرارها أيضاً لم يدخروا وسعا.. اتهموا معارضى التنازل عن الجزر بالخيانة والعمالة والتآمر ضد الدولة المصرية، رغم أن بينهم بكل تأكيد وطنيون مخلصون ومؤيدون للرئيس وإن اختلفوا معه فى قضية الجزر والنتيجة أن كل المصريين تحولوا إلى خونة فى أسبوع واحد.
فالجميع يخوَّنون الجميع، والجميع يكفرون الجميع.
ومادام هؤلاء يخونون هؤلاء.. وهؤلاء يكفرون هؤلاء، فالجميع خونة بكل تأكيد ولا يوجد مصرى واحد يتصف بالوطنية.

وإلى جانب التخوين والتكفير الوطنى يمكنك أن تلمح ملمحًا آخر لا يليق بكل تأكيد بأولئك الذى يخوضون معركتهم من أجل قضية نبيلة، وهو أسلوب «المكابدة» السياسية وتحت عنوان «المكايدة» يمكنك أن تضع عناوين فرعية أخرى مثل «الافتراء» و«التعميم» و«نشر المعلومات الكاذبة».
من هذه المكايدات مثلاً أن يتم التركيز على تصرف «أخرق» لمواطنة بسيطة الحال والفكر رفعت العلم السعودى ظنًا منها أنها بذلك  تساهم فى نصرة القضية التى تؤمن بها، تصرف أخرق بكل تأكيد لكنه لا يصلح عنوانًا لوصم كل مؤيدى الدولة المصرية، أو مؤيدى الرئيس السيسي.. خاصة أن مؤيدى الدولة المصرية بالملايين والعشرات الذين نزلوا فى يوم 25 أبريل لا يعبرون عن هذه الملايين المتباينة والمتنوعة وفيها من لا يرى العلم المصرى بديلاً لكى يرفعه ولو كان دون ذلك  الموت.
 من علامات المكايدة أيضًا والتى لا تتسق أبدًا مع خدمة قضية عادلة أو وطنية أن تلجأ بعض المواقع الإلكترونية المحسوبة على المعارضين إلى تزييف الأخبار أو إلى اقتطاعها من سياقها أو إلى محاولة الوقيعة بين مؤسسات الدولة المختلفة، أو بمعنى أصح الإيحاء بأن هناك خلافًا بين الرئاسة والقوات المسلحة.. وكأن أقصى أمنيات دعاة الديمقراطية هؤلاء أن تتصارع مؤسسات الدولة المصرية لينهار الوضع السياسي.. ثم يعودون بعد قليل ليتظاهروا فى الشوارع بعد شهور ضد «حكم العسكر».
والحقيقة أن هذه ليست ممارسات تليق بمعارضة رشيدة تعرف ما تريد وتلازم نفسها بمبادئ أخلاقية هى أولى الناس باتباعها.
 من أمثلة المكايدة أيضًا أن تنشر أخبار كاذبة على مواقع مزيفة تدعى أن وزير الدفاع قد صرح بكذا.. وكذا مما لم يصرح به الرجل.. أو أن ينشر خبر فاجر يدعى أن مسئولاً سعوديا سينضم لعضوية المجلس الأعلى للقوات المسلحة!! وهو خبر فاجر فى كذبه ثم تجد نشطاء وشخصيات تحسب نفسها فى المعارضة تنشر مثل هذه الأخبار على حساباتها الشخصية فى مواقع التواصل الاجتماعي.. وفى رأيى أن هذا ليس سوى «فجر» فى الخصومة لا يليق بمن يدافعون عن مبدأ نبيل أو قضية وطنية، وفى رأيى أيضًا أنه يليق بالمعارضين أن يحددوا لأنفسهم كودًا أخلاقيًا يلتزمون به، ويلزمون أنصارهم باتباعه، هذا لو كانوا يريدون أن يحافظوا على نبل معركتهم وأخلاقيتها.
 وإلى جانب الحفاظ على شرف الخصومة ونبل الأدوات التى تستخدم فى خوض المعارك، فإن على من يتحدثون باسم المعارضة فى مصر أن يعرفوا ماذا يريدون، وما هى أدواتهم لتحقيق ما يريدون؟ بمعنى أن أولئك الذين تحدثوا عن «إسقاط النظام» لم يعلنوا لنا من هم، وما هى خطتهم بعد إسقاط النظام، ولماذا يتم إسقاط النظام.. وهل لديهم برنامج بديل؟ ولماذا يتم إسقاط النظام وهناك انتخابات رئاسية محددة ولها موعد معلن؟
المشهد فى مصر يحتاج إلى كثير من العقل.. وكثير من الأخلاق، وإلا فالبديل مرعب. 