
أسامة سلامة
60 عاما على يوليو.. الثورة مستمرة
فى كل دول العالم.. مرور ستين عاما على حدث كبير وضخم فرصة للاحتفال بطرق متعددة ومختلفة.. عقد ندوات، إجراء دراسات وأبحاث، إقامة حفلات ومهرجانات فنية وأدبية، ولكننا فى مصر كعادتنا أهدرنا المناسبة.. واكتفينا بجدل حول هل يحتفل الرئيس محمد مرسى والإخوان بذكرى يوليو أم لا؟ هل يلقى خطابا أم يكتفى ببيان قصير؟ هل يمجدها ويذكر حسناتها أم يهاجمها مشيرا إلى سلبياتها؟
أيا ما كان موقف الرئيس مرسى الذى أعتقد أنه رغم كراهيته وجماعته للزعيم جمال عبدالناصر فلن يستطيع تجاهل المناسبة.. قد يكون احتفالا بسيطا يلقى خلاله كلمة قصيرة ويذيع التليفزيون فيلما أو اثنين يمجدان الثورة وعدة أغان من الستينيات وينتهى الأمر عند هذا الحد.. لقد تحولت ذكرى مرور ستين عاما على قيام ثورة يوليو إلى احتفال هزيل أشبه بحفل أقيم بمناسبة خروج موظف على المعاش!
وإذا كان الرئيس مرسى وجماعته لهم تحفظات على الثورة بسبب صدامهم وصراعهم مع جمال عبدالناصر يجعلهم غير متحمسين للاحتفاء بالعيد الستين ليوليو، فإن باقى التيارات السياسية يجب لومها على مشاركتها فى تجاهل الاحتفال.. حتى الحزب الذى استمد اسمه من زعيم الثورة وقائدها.. لم يضع برنامجا حقيقيا يليق بهذه المناسبة.. كان جديرا بكل الأحزاب السياسية والقوى الثورية التى اتفقت مع الثورة أو اختلفت عليها.. وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات أن تعد برامج لمناقشة تأثيرها وهل مازالت موجودة أم انتهت.. وهل فوز د.مرسى بالرئاسة بمثابة إعلان وفاتها؟!
لقد أطلق معظم الإعلاميين والسياسيين مسمى الجمهورية الثانية على ما يحدث فى مصر بعد الانتخابات الرئاسية.. وهو ما يوحى بأن ثورة يوليو أدت دورها وانتهت وأننا نتجه إلى جمهورية جديدة بعد ثورة يناير تختلف عن الجمهورية الأولى التى أنشأتها ثورة يوليو.. لقد أهدرنا فرصة حقيقية فى هذه الذكرى لمناقشة علاقة الثورتين ببعضهما.. وهل هما متصلتان أم منفصلتان وهل قضت الأخيرة على الأولى أم أنها امتداد لها؟
لقد رفعت ثورة يوليو شعارات ستة: القضاء على الاستعمار وعلى الإقطاع وعلى الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.. وإقامة جيش وطنى قوى حياة ديمقراطية سليمة وعدالة اجتماعية.. وإذا نظرنا إلى هذه الأهداف الستة، فإننا نجد أن معظمها لم يتحقق.. وبعضها الآخر تم التراجع عنه بعد أن تحقق جزء منه.. فإذا كنا تحررنا من الاستعمار البريطانى وظللنا لسنوات قرارنا بأيدينا.. فإننا نعانى الآن من التدخل الأمريكى فى شئوننا الذي بدأ فى السبعينيات وازداد فى عهد مبارك.. ولكنه أصبح أكثر وضوحا فى الآونة الأخيرة حتى إن كثيرا من الأقاويل تشير إلى تدخل أمريكا فى حسم نتائج الانتخابات المصرية، وهو ما يعنى أن الاستعمار تحول من وجود الجيوش والاحتلال العسكرى إلى الاحتلال السياسى والاقتصادى.
لقد حاولت ثورة يوليو أيضا القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، وهو ما حدث طوال فترة الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات، إلا أن سيطرة رأس المال علي الحكم عادت للظهور على استحياء فى أواخر السبعينيات وازداد تغولها وتوحشها فى نهاية عصر مبارك عندما اختلطت السياسة والحكم برأس المال.. وأصبح الاحتكار واحدا من أبرز السمات الاقتصادية لهذا العصر، وإذا كنا نأمل أن تصحح ثورة يناير هذه الأوضاع المختلفة، فإن هذه الآمال يبدو أنها ستذهب أدراج الرياح مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم وسعيهم إلى السيطرة على جوانب اقتصادية عديدة وأخشى أن يتم الخلط بين البيزنس والسياسة بشكل يقارب ويشابه ما كان يحدث فى عهد الرئيس السابق.
لقد أصبح فى مصر إقطاع لكنه ليس زراعيا، فهو يستولى على قطاعات اقتصادية يمنع دخول المستثمرين إليها إلا من خلاله.. ويفرض وصاية على رجال الأعمال الصغار إذا لم يخضعوا له.
لقد طالبت ثورة يوليو بإقامة حياة ديمقراطية سليمة.. وهو ما فشلت فيه ولم تنفذه وعانت مصر كثيرا من حكم الفرد والديكتاتورية.. وظلت هذه الحال حتى قيام ثورة يناير.. وبعدها أجريت انتخابات برلمانية ورئاسية لم تكن مزورة.. ولكنها أيضا ليست نزيهة.. وتدخلت عوامل المال والشعارات الدينية فى إفساد الديمقراطية.
وإذا كانت ثورة يوليو تبنت إقامة عدالة اجتماعية فمازلنا ننادى بهذا المطلب حتى الآن خاصة مع توحش الرأسمالية وفتح الباب أمام رجال الأعمال دون ضوابط حتى تحول الاستثمار إلى سداح مداح.
لقد رفعت ثورة يوليو شعارات ستة أجملتها ثورة يناير فى شعار واحد مكون من أربع كلمات «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وهو ما يعنى أن ثورة يوليو تحتاج إلى إحياء من جديد وأنها لم تمت ولا انتهت ولا خرجت على المعاش مع بلوغها سن الستين، وأنه رغم وصول الإخوان إلى الحكم، فإن ثورة يناير تنادى بهذا المطلب وستكون امتدادا لثورة يوليو، حقيقة ظروف قيام كل ثورة مختلفة ولكن عوامل ارتباطهما أكبر وإن الثانية ستنجح فى تحقيق ما فشلت فيه الأولى، والفارق بين الاثنتين أن يوليو بدأت بحركة فى الجيش أيدها الشعب وساعد ذلك فيما بعد على انفراد العسكرية بالحكم، أما الثانية فقد بدأت بثورة شعبية كان للجيش دور بارز فى حمايتها فى المرحلة الأولى، وهو ما سيؤدى إلى حماية الشعب لثورته، وأؤكد أن شباب الثورة والشعب المصرى لن يستسلم لا للحكم الدينى ولا لحكم العسكر.. وكل ما أتمناه أن ندرس خصائص الثورتين وأوجه التشابه والاختلاف وأن نفهم دروس التاريخ ونتعلم من أخطائنا.. من أجل مستقبل أفضل.. ثورة يوليو لم تمت وثورة يناير لم تنته.. وسيتم تحقيق أهداف الثورتين «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».