الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جمهورية الرصيف!

جمهورية الرصيف!
جمهورية الرصيف!


 
«مليون» قنبلة فى الشارع.. إنهم أطفال الشوارع حسب دراسات المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، 60٪ منهم يتصفون بالعدوانية لذلك استغلتهم الأنظمة كأداة قمعية مقابل المال على الرغم من أن نسبة الإناث وصلت إلى 42٪، وأن أعمار المليون تتراوح ما بين 7و14 سنة وهو ما يهدد بكارثة اجتماعية أما على الجانب الصحى فـ25٪ منهم مصاب بالإيدز بالإضافة إلى 30٪ من حاملى فيروس B، ومع ارتفاع نسبة عدوانيتهم لم يكن غريبًا أن تصل معدلات حوادث أطفال الشوارع إلى 18 ألف جنحة فى 2013 فقط، وبعد أن كانت الأنظمة السياسية السبب فى تنامى ظاهرة أطفال الشوارع، وإقبال مصر على انتخاب رئيس جديد بعد أن أبدى كلا المرشحين اهتمامهما بالقضاء على هذه الظاهرة، والتى اتفقا على أنها مرتبطة بالقدرة الاقتصادية وهل سيهملانها فور انتخاب أى منهما لحين ظهور توربينى جديد.
 
أطفال الشوارع مصطلح نسمعه كثيرًا فى حياتنا اليومية لدرجة أنه ومن كثرة سماعه أصبح لا يثير أى دهشة لدينا.
 
حتى أنه أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالجريمة والانحرافات فحينما نسمع هذا المصطلح يتبادر إلى ذهننا أننا سنستمع إلى جريمة أو كارثة.
 
وهى ظاهرة ليست بالجديدة على مجتمعنا ولكنها قديمة جدًا لدرجة أن هناك بعض الأعمال السينمائية فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى ناقشت هذه الظاهرة.
 
ولكن فى الفترة الأخيرة من عهد النظام الأسبق وبالتحديد فى عام 2006 كانت هناك جريمة بشعة أثارت اليقظة داخل نفوسنا هى قضية «التوربينى» الذى قام باغتصاب وقتل أكثر من 32 طفلا من أطفال الشوارع، فكانت تلك نقطة تحول رئيسية فى هذه الكارثة والتى جعلت المجتمع ينتبه بشدة لهذه المشكلة...
 
واهتم بها كل عناصر المجتمع من الإعلام والجمعيات الأهلية مرورًا بالوزارات المختصة والمنظمات المحلية والدولية.
 
ولأننا كنا نعيش فى عصور العجز عن فعل أى شىء فى مواجهة الكوارث وقتها فقد عجزنا أيضًا عن إيجاد أى حل لتلك المشكلة.
 
بل وعلى العكس تمامًا ازدادت المشكلة أكثر وتطورت بشكل كبير وأخذت أبعادا أخرى أخطر.
الأسبوع الماضى كان هناك خبر أثار ضجة كبيرة وأعاد إلى الأذهان كارثة أطفال الشوارع مرة أخرى حيث ضبطت شقة فى شارع محمد محمود مملوكة لمواطنة مصرية وتحمل أيضا الجنسية الأمريكية تأوى فيها أطفال الشوارع، وتم ضبط حوالى 20 طفلا داخل الشقة وبسؤال أصحاب الشقة عند القبض عليهم أجابوا بأنهم مهتمون بتلك الأزمة وأنهم بصدد استخراج الترخيص اللازم لتلك المؤسسة.
 
وهو ما كذبته تحريات المباحث، وهناك بعض الأقاويل بأنهم كانوا يستغلوا هؤلاء الأطفال فى أعمال العنف والاشتباكات مع قوات الأمن.
 
د.عماد عبد المعطى الباحث بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية أكد أن هناك قصورا فى السياسة الاجتماعية وبالأخص، مجال حماية الأطفال المعرضين للخطر والحرمان.
 
حيث تقتصر سياسة الدولة على التدخل بتدابير لعلاج المخاطر بعد حدوثها وهو ما يحدث فى مواجهة جميع الظواهر السلبية التى يتعرض لها الأطفال. ويتمثل القصور على وجه التحديد فى غياب سياسة وقائية تتصدى للعوامل التى تسهم فى تعرض الأطفال للمخاطر والحرمان.
 
ولذلك يجب تعديل السياسة الحمائية باتباع النهج الحقوقى بحيث تضمن تدابير للحماية فى جميع القطاعات المعنية بالطفولة حتى لا يحرم الأطفال، من حقوقهم الأساسية ولمواجهة المشكلة من الأساس وقبل الحدوث.
 
وبعيدا عن التعريفات النظرية فإن المركز قدر عدد الأطفال المتواجدين فى الشارع بكل تصنيفاتهم بنحو أكثر من «مليون طفل»، وأن هذه الإحصائية أثبتت أن أكثر من 95٪ من هؤلاء الأطفال فى الفئة العمرية ما بين «7 إلى 14» سنة.
 
وأن نسبة الأطفال الذين يتسمون بالعدوانية والعنف وصلت إلى 60٪ وهو مؤشر خطير جدا ، فأصحاب هذه النسبة أصبحوا مجرمين ويشكلون خطرا حقيقيا على المجتمع.
 
ونسبة الإناث فى أطفال الشوارع قد وصلت إلى ما يقرب من 42٪ وهو أيضا مؤشر خطير.
 
وهناك إحصائية أخرى خطيرة جدا حيث إن أكثر من 25٪من هؤلاء الأطفال مصابون بفيروس الإيدز، وذلك نتيجة تعاطيهم المخدرات عن طريق الحقن وما شابة وأيضا لانتشار العلاقات الجنسية بينهم.
 
كما أن أكثر من 30٪ منهم مصاب بفيروسات الالتهاب الكبدى الوبائى بى و سى.
 
وأكثر من 65٪ منهم مصابون بأمراض جلدية مختلفة .
 
ولتلك الأرقام دلالة خطيرة على أننا أمام كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كارثة بيئية وصحية واجتماعية.
 
حيث صرح اللواء بهاء الدين حسن مساعد وزير الداخلية لمباحث رعاية الأحداث أن حوادث أطفال الشوارع فى عام 2013 وصلت إلى أكثر من 18 ألف جنحة وجناية، مما يدل على أن هؤلاء الأطفال قد أصبحوا بحق قنبلة قابلة للانفجار فى أى لحظة .
 
أما الإحصائية الأخطر فى هذه المشكلة هى التى ظهرت بعد ثورة 25 يناير وحتى يومنا هذا، حيث أشارت إلى أن أكثر من 73٪ من هؤلاء الأطفال يتم استغلالهم سياسيا من قبل بعض الجهات والجماعات والزج بهم فى الصراعات والصدامات الدموية، وذكرت الإحصائية أيضا أن مشاركة أطفال الشوارع فى الأحداث والاشتباكات تعود إلى عدة أسباب، فنسبة 5,22٪ منهم يشاركون فى العنف للحصول على الطعام و1,16٪ للحصول على المأوى بينما يشارك 3,33٪ منهم للفضول ومشاهدة ما يجرى و4,9٪ بهدف السرقة أما 7,18٪ فيشاركون فقط من أجل إخراج ما بداخلهم من عنف وكبت.
 
أما أكثر الأماكن التى أصبحت تمثل حلم كل أطفال الشوارع فى مصر هو ميدان التحرير، وبعد كل ذلك نزلنا إلى الشارع لكى نقابل بعض الأمثلة على أرض الواقع لنتعرف منهم على معاناتهم فقابلنا «فاطمة» وهى فتاة عمرها 11 سنة توفيت أمها وهى فى سن الثامنة وتزوج أبوها من أخرى، وقالت لنا: زوجة أبويا كانت بتضربنى على الفاضية والمليانة وكانت تكوينى بالنار، وكنت أقوم بشغل البيت كله وحينما كنت أشكوى إلى أبويا كانت تقول له إنها بتربينى وبعد ذلك أخذ أبويا يضربنى كلما أشتكى إليه فهربت من البيت وعشت فى الشارع ألقط رزقى من الناس وآخر الليل بنام تحت أى فرش خضار فى السوق.
أما «عبده» وشهرته بصلة فيبلغ من العمر 8 سنوات وهرب من دار رعاية الأيتام بالشرقية وهو فى سن السادسة ركب القطار وجاء إلى القاهرة وأول ميدان استقر به هو ميدان رمسيس، فكان ينام فى الحديقة حتى تعرف على الأطفال فى هذا المكان والذين ذهبوا به إلى «الأسطى»، وهو الشخص الذى يقوم بتشغيل الأطفال فى هذا المكان وهو الذى يأتى بالبضاعة للأطفال ليبيعوها طوال اليوم ثم يعطوه ما بقى من البضاعة والنقود آخر اليوم «عبده» يبيع المناديل، وهناك آخرون يبيعون أشياء أخرى مثل جلدة البطاقة أو أنابيب اللزق وما إلى ذلك.
 
طفل آخر يدعى «سعد» عنده 14 سنة رفض التصوير بحجة أن هناك من صور صديقا له فتم القبض عليه تانى يوم.
 
وقال سعد: الحياة فى الشارع صعبة جدا فسألته أنت ليك «أسطى» فقال طبعا أى مكان فيه عيال زينا لازم يكون فيه «أسطى» هو اللى بيشغلهم فسألته الأسطى دا بيضربكوا ولا بيعاملكوا إزاى فأجاب اللى بيحاول يهرب بس هو دا اللى الأسطى بـ......... قال لفظ فيما معناه أنه يعتدى عليه جنسيا وذلك ليكسر عينه، ولا يستطيع أن يكسر له كلمة بعد كده، إنما اللى بيمشى معاه عدل مبيعملوش حاجة.
 
وهناك الكثير من القصص المفجعة لهؤلاء الأطفال الذين لم يجدوا فى هذه الحياة من يحميهم أو يحفظهم من الاستغلال.
 
فقد استغلهم نظام مبارك إبان تنحيه عن السلطة.
 
ثم جاء عصر الإخوان الذى تفوق على عصر مبارك فى القسوة وقلة الضمير حيث قاموا بأبشع استغلال للأطفال، وكلنا نذكر مشاهد الأطفال الأيتام الذين كانوا فى دار للأيتام تتبع لفنان معتزل وموالى للإخوان، حيث نقل الأطفال إلى اعتصام «رابعة» ليس هذا فحسب ولكنه ألبسهم أكفان الموتى وهم يرفعون لافتات مكتوب عليها «مشروع شهيد»، وجعل منهم عرضا حى أمام كاميرات التليفزيون والفضائيات للمتاجرة بهم ثم لن أنسى أيضًا متاجراتهم بالأطفال عمومًا، وهناك فيديو مازال موجودا على الإنترنت حينما سألت صحفية أحد الأولاد وهو يرفع لافتة مكتوب عليها «أبويا مات شهيد وأنا مشروع شهيد» إنت بباك مات شهيد يا حبيبى فرد ببراءة الأطفال لا أنا بابا عايش بس عموا اللى هناك دا هو اللى قالى ارفع الورقة دى.
 
وكان المجتمع قد اهتم بمشروع المشير السيسى حول جمع هؤلاء الأطفال من الشارع وإلحاقهم بمدارس عسكرية لتعليمهم بعض الحرف والصناعات لكى يكونوا صناعا بعد ذلك وهى فكرة رائعة جدًا وستضع حلولا جذرية لتلك المشكلة.
 
وجدد اهتمامه بهذا الملف بقوله «إن ظاهرة أطفال الشوارع مؤلمة إنسانيا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا وهذا الموضوع يرتبط بقدرة مصر الاقتصادية»
 
لافتا إلى أن الدولة التى تنعم برواج اقتصادى ليس لديها أطفال شوارع ومصر لديها عدد ليس بالقليل منهم، ثم أضاف: «إن الإنسان الذى أهدرت كرامته فى الشارع بحاجة لبرنامج لإعادة وضعه من العدم الذى يعيش فيه ولفت مرشح الرئاسة إلى أن هذا البرنامج لم يتم إعداده كى يتم تنفيذه لعدم وجود فلوس»، فهل معنى ذلك أن الوضع المأساوى لهؤلاء الأطفال سوف يبقى على ما هو عليه نظرا لعدم قدرتنا اقتصاديا، الموضوع صعب وخطير ونحن ماضون الآن إلى نظام جديد فهل سينصف هذا النظام هؤلاء الأطفال، أم أنه سوف يستمر فى استغلال الأطفال مثلما حدث فى النظامين السابقين؟