النسوية الإسلامية الحياة فى ملابس الرجال: «صيصة».. تنكرت لتعيش! "49"
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
طالبت الحاجة صيصة أبو دوح، بتعويض قيمته مليون جنيه، من أسرة مسلسل (تحت الوصاية)، وذلك بعد إعلان الفنانة منى زكى عن تجسيدها فى المسلسل لشخصية السيدة التى تنكرت فى ملابس الرجال.
«صيصة» من مواليد عام 1950، من قرية البغدادى جنوب محافظة الأقصر، وبدأت قصة كفاح صيصة منذ أكثر من 50 سنة، عقب وفاة زوجها وهى حامل فى الشهر السادس، وأسرتها فقيرة، فقررت العمل، وبسبب العادات والتقاليد التى تمنع عمل السيدات، قامت بقص شعرها وارتدت ملابس الرجال، وبدأت تخرج للعمل بعد أن أنجبت مولودتها الوحيدة.
حتى جاءها من يحتاج إلى رجُل يعمل فى صناعة الطوب: «قولت ساعتها دراعى هو اللى هيعيّشنى»، قامت وتخلصت من ردائها، واستبدلتها بالجلباب، وانطلقت إلى مكان العمل.
تحكى: «قضيت عمرى وشبابى كله بشتغل فى كل حاجة، بدأتها من شيل الطوب فى الجبل وفى الزرع وحصاد القصب والقمح وغيره، وختمتها بالعمل فى مسح الأحذية، والرئيس السيسى كرّمَنى وسترنى الله يستره، وبقى عندى كُشُك فى موقف أرمنت».
رُغْمَ تغيُّر الحال واطمئنانها على ابنتها؛ فإن «صيصة» ترفض خلع الجلباب الصعيدى، والعودة إلى الملابس النسائية: «اتعوّدت على الجلّابية.. برتاح فيها».
وتقول عن المرّة الوحيدة التى اضطرت فيها إلى التخلى عن الجلباب، عندما كانت فى طريقها إلى البيت الحرام لأداء مناسك العمرة: «روحت بملابس حريمى بس خنقتنى»، وتقول عن الجلباب «ماله ما زى الفل أهوه»، كأنه أصبح جزءًا من تكوينها، وترفض اعتباره دخيلاً على ذاتها كأنثى.
المساواة فى القرآن
فى القرآن الكريم يأتى معنى المساواة مختلفًا عن معناه فى استعمالنا، فنحن نربط المساواة بالعدل، وفى القرآن يرتبط العدل بالقسط؛ أمّا المساواة فى القرآن فتعبر عن عدم التساوى بين اثنين: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، النحل 75 - 76.
مبدأ المساواة بين الناس فى الحياة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)، النساء 1، وعند الحساب يوم القيامة: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)، مريم 95، وهى مساواة مرتبطة بالعدل المطلق يوم القيامة.
وترتبط المساواة بتكافؤ الفرص: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، الحجرات 13، والناس كلهم متساوون من حيث النسب لأب واحد وأم واحدة.
وقد جعلنا تعالى مختلفين من حيث العنصر واللون والثقافة لكى نتعارف، وجعلنا متساوين فى اختيار الطاعة أو المعصية: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)، فُصِّلت 46.
وضع المرأة
فى العصور الوسطى كان الغربُ مثل الشرق فى اعتبار أن الأسرة هى أساس المجتمع، حتى جاءت الثورة الصناعية وجعلت قيمة الفرد أهم من قيمة الأسرة، مما أدى إلى التفكك الأسرى مع التركيز على قيمة المساواة المجردة حتى لو أدت المساواة إلى الظلم.
وفى المقابل؛ فإن التركيز على الأسرة وإهمال الفرد يؤدى إلى الثقافة الأبوية الذكورية الموجودة فى مجتمعات الشرق، وتبقى القيمة العليا ليست المساواة وليست الأسرة أو الفرد وإنما العدل.
ولذلك يختلف المفهوم الإسلامى للمساواة بين الرجُل والمرأة عن الفكر الغربى، فالرجُل المسلم فى الأسرة له القوامة على المرأة بشروط، ويرث ضعف المرأة بشروط، وله درجة على المرأة فى التفضيل، كما أن له حق الطلاق، كل هذا يناقض مفهوم المساواة بين الرجُل والمرأة فى الفكر الغربى.
فى المواثيق الدولية تتم مساواة المرأة بالرجُل فى الأحوال الشخصية والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، واعتبار الخروج على هذه المساواة تمييزًا ضد المرأة وظلمًا لها.
وهذه المساواة من أبرز شعارات الثورة الفرنسية، التى تعتبر الأصل فى وضع حقوق الإنسان فى الحضارة الغربية الحديثة، وتجعل الفرد هو أساس المجتمع، ومن الضرورى أن يتساوى الأفراد ذكورًا وإناثًا.
المساواة والعدل:
ترتبط المساواة بين الرجل والمرأة فى القرآن الكريم بالعدل، فالرجل هو الذى يدفع المَهر للمرأة مُقدمًا ومُؤخرًا، وضمن حقوق أخرى مثل الإنفاق والرعاية، وإذا طلقها كان لها حقوق، ومن هنا ارتبطت قوامة الزوج على زوجته بالإنفاق.
والرجُل هو المؤهل لأن يخطب المرأة، والمرأة بطبيعتها لا تطلب من الرجُل أن يتزوجها، ومن هنا كان اشتراط الولى لكى يتكلم عن المرأة ويؤكد على حقوقها وتعبيرًا عن رأيها.
ولأن الوَلد الذكر هو المطالب بتوفير الصداق والمسكن للزوجة، بينما أخته سيأتى لها رجُل آخر بالمَهر والمسكن، فمن هنا يكون من الظلم مساواة الأولاد الذكور والإناث فى الميراث، ومع ذلك يتساوى الأب والأم فى الميراث، فإذا مات الابن فإن الأب والأم متساويان فى الميراث، وكلًا منهما يأخذ السدس فى الميراث أو الثلث حسب الأحوال.
ومن المواضيع التى تمّت إساءة فهمها فى الأحوال الشخصية موضوع القوامة، والتى يفهمها البعض على أنها التسلط، مع أن القوامة تعنى القيام على الشىء بالرعاية والمحافظة، فالقوامة تعنى الرعاية والمسئولية والمحافظة على الزوجة، وعلى هذا الأساس نفهم قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، النساء 34، فالتفضيل هنا معناه الإنفاق على المرأة والذى يستحق به القوامة عليها وعلى رعايتها.
ونفهم قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، البقرة 228. الآية تتحدث عن المطلقة فى عدتها وثبوت حملها، ويجعل رغبة الرجُل فى إعادتها لعصمته هى الأولى طالما يريد الرجُل إصلاحًا، وهذا معنى أن له عليها درجة، بمعنى أن التفضيل هنا له ظروفه ومسئوليته التى يؤكدها العدل والحرص على استمرار الأسرة، وتفضيل الرجُل على المرأة ليس مطلقًا.
الرجل والمرأة:
تأتى كلمة زوج فى القرآن للرجل والمرأة، والسياق هو الذى يوضح المقصود منهما، إلا إذا جاء فى الآية ما يؤكد توجيه الخطاب للرجُل أو للمرأة، وكلمتا «الوالدين» و«آباؤكم» تدلان على الرجُل والمرأة معًا، وتدخل المرأة فى خطاب القرآن فى كلمات مثل النفس والناس وبنى آدم والذين آمنوا، فالقرآن فى الصيام والصلاة والزكاة والجهاد يأمر الذين آمنوا، ليشمل الجنسين.
والأعذار تأتى للمريض والمسافر والأعمى والأعرج من الجنسين، فالمساواة كاملة بخصوص الأوامر والتكليفات للرجُل والمرأة.
وترتبط المساواة بتكافؤ الفرص للذكر والأنثى: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، غافر 40.
كما ترتبط المساواة بالعدل، فالزوج يدفع المَهر ويقوم بمسئولية رعاية زوجته والإنفاق عليها وبالتالى تكون له القوامة، مع ارتباط القوامة بأن يعاشرها بالمعروف حتى لو كان يكرهها، من دون ذلك لا تكون له قوامة.
الخطاب القرآنى
تتساوى فيه المرأة مع الرجُل، مع وجود خطاب خاص للرجُل وخطاب خاص للمرأة، ولقد أنزل الله القرآن لإصلاح البشر ذكورًا وإناثًا، ولذلك لا يتوجه بالخطاب للرجُل وحده لإصلاحه وحده دون نصف المجتمع.
ومصطلح المساواة لم يأتِ فى القرآن الكريم؛ بل جاءت كلمة يستوى فى تأكيد العدل ومنع المساواة، مثل عدم تساوى الخبيث والطيب: (قُلْ لا يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، المائدة 100، وبين المؤمنين والكافرين: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ)، السجدة 18.
وجاءت المساواة فى التكليف والمسئولية وفى الجزاء بين الذكر والأنثى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)، النساء 124.
على أن تطبيق المساواة بلا عدل يجعلها ظلمًا، ولذلك يجب أن ترتبط المساوة بالعدل، ولذلك فإن تشريعات المرأة فى القرآن ترتبط فيها المساواة بين الجنسين بتحقيق العدالة.
فالرجُل هو الذى يدفع الصّداق فى الزواج وهو الذى يقوم بالإنفاق، فيكون صاحب القوامة على الزوجة، ولذلك يأخذ فى الميراث ضعف الأنثى حين يكون زوجًا وحين يكون ابنًا، ثم يتساوى معها فى الميراث حين يكون أبًا، فيتقاسمان الثلث أو السدس من التركة، ثم تقوم الوصية بعلاج بعض الحالات الاستثنائية للأولاد والبنات والأخوة والأخوات والآباء والأمهات حسب كل حالة.
كل الأوامر التشريعية فى القرآن يخضع تنفيذها للمقاصد التشريعية من تحقيق العدل ومنع الظلم، والتيسير والتخفيف، وكل أوامر الشريعة الإسلامية مترابطة ومتداخلة، والله تعالى لا يريد ظلمًا للعباد.