الخميس 10 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سد النهضة.. القانون الدولى ينتصر للقاهرة

لأنه النِّيل نبض حياة مصر وحضارتها الإنسانية العظمى، أثار شجونى مبدع الأرض والإنسان المصرى سيد حجاب عندما يرشدنا إلى حُب النِّيل: «الحُب مش سهم طايش الحُب زاد اللى عايش». 



 

..وعلى إثر هذا الحُب؛ التقت «روزاليوسف» مع د. «حازم الناصر»- رئیس ومؤسّس منتدَى الشرق الأوسط للمیاه- الذى أصدر أهم تقارير العمل التى تبرز الرؤية الدولية والخبرة الأممية عن حالة «سد النهضة» فى إثيوبيا، وحالة مصر الدولة والمصير بوجود الرئيس القوى عبدالفتاح السيسى الذى يدير ملف السد والعلاقة مع إثيوبيا والقارة الإفريقية من زوايا تؤكد الحق المصرى الأصيل فى مياه النِّيل.

 

 

د. «الناصر» دعا من خلال « روزاليوسف» إلى إعادة قراءة معمقة لدلالة: «فشل الدبلوماسية-المكوكية بين إثيوبيا والولايات المتحدة والسودان ومصر- لحل الخلاف المائى، ما يجعل الخيار القضائى أمام محكمة العدل الدولية خيارًا محبذًا، لاسيما وأن الموقف المصرى القانونى قوى جدّا.. وقد يجلب المزيد من الدعم الدولى لمصر».

 

ولفت د. «الناصر»، الذى شغل منصب وزیر المیاه والرى فى الأردن، (ووزارة الزراعة أيضًا)، إلى أن: «فشل الوساطة الأمريكية بين الأطراف الثلاث فى مشكلة سد النهضة والحقوق المائية لمصر، يعود لأسباب سياسية مفادها أن الطرفين الرئيسين بالخلاف (مصر وإثيوبيا)، هما حليفان مُقرّبان من الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب تتعلق بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية بالقارة الإفريقية، ابتداءً من محاربة الإرهاب وانتهاءً بالفوائد الاقتصادية، وبالتالى؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب بتغليب أحد الحليفَين على الآخر، (...) إلّا بالتراضى وموافقتهما.

 

اليد الأمريكية!

 

 

 وكشف «الناصر»، من خلال موقعه الدولى- كرئيس لمنتدَى الشرق الأوسط للمیاه الذى راقب المسألة بعمل أممى منظم مدعوم بالدراسات والأبحاث- عن أن: «التعثر حدث؛ لأن السبب الآخر، يعود إلى أن يد الولايات المتحدة كانت فارغة ماليّا ولم يكن الدعم المالى لجميع الأطراف مطروحًا لتطوير مشاريع من شأنها رفع كفاءة استخدام المياه، وبالتالى توفير المزيد من المياه لجميع الأطراف، بما فيها الطرف الإثيوبى الذى كان يعول كثيرًا على هذا الجانب، لا سيما وأنه يعانى من أزمة مالية خانقة قد لا يستطيع معها إنهاء أعمال السد. 

 

ونظرًا للأهمية الاستراتيجية الكبيرة لملف مياه النِّيل للجانب المصرى، يتعين العمل على عدة جبهات داخلية وخارجية لاستمرار التفاوض مع السودان وإثيوبيا حول حماية الحقوق المائية السيادية لمصر فى نهر النِّيل، وما آخر قرار للجامعة العربية تاريخ 4/4/2020م» (الذى يرفض أى مساس بالحقوق التاريخية لمصر)، إلّا دليلٌ على التحركات المصرية باتجاه الحل الدبلوماسى من دون سواه، وبالسياق نفسه تأتى زيارة وزير الخارجية المصرى لجلالة الملك عبدالله الثانى- ملك المملكة الأردنية الهاشمية- حاملًا رسالة من سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن المسألة وحساسيتها».

 

ولفت د. «الناصر» إلى أن ملك الأردن يتمتع بعلاقات ممتازة مع معظم القادة الإفريقيين وقادة العالم بشكل عام للحشد للعمل الدبلوماسى،وذلك يعتبر تحركًا إيجابيّا من الحكومة المصرية، وأكد: «فشل الدبلوماسية لحل الخلاف المائى، يجعل الخيار القضائى أمام محكمة العدل الدولية خيارًا مصريّا محبذًا، لاسيما وأن الموقف المصرى القانونى قوى جدّا وقد يجلب المزيد من الدعم الدولى لمصر. محكمة العدل الدولية تختص فى البت فى النزاعات بين الدول المتشاطئة فيما يتعلق بالشئون البحرية والبيئية وقضايا الحدود والموارد المائية المشتركة، وقد سبق وأن بتت فى العديد من الخلافات المائية والبحرية بين الدول». 

 

 

الحديث عن حلول القوة:

 

 

يرى د. «الناصر»، أن  «الحديث عن حل بالقوة، قد لا يكون حلّا محبذًا من الدول التى تدعم الموقف المصرى فى طرحه، ناهيك عن أنه قد لا يكون مفيدًا من الناحية الفنية.. لا سيما وأننا نتحدث عن سد من النوع الأسمنتى، وُضعت به ملايين الأطنان من الأسمنت سابق الإجهاد ذى القوة الإنشائية العالية».

عن سد النهضة ومستقبل مصر المائى: 

(ماذا) عن الخیارات المتاحة لمتغیرات سیاسیة.

 حصلت « روزاليوسف» على نص التقرير الذى وضعه د. «الناصر» وجرى عرضه وتبنّيه من مجموعة من الدول والمنظمات الدولية والأممية عَبْر «منتدَى الشرق الأوسط للمیاه»، بعنوان: عن سد النهضة ومستقبل مصر المائى والخیارات المتاحة لمتغیرات سیاسیة

 

..تاليًا نص التقرير لأهميته العربية:

 الأمن المائى العربى:

 

 فى البدء، لا بُدّ من شرح مفهوم خط الفقر المائى الذى وضعته الأمم المتحدة، وهو 1000 م3، للفرد سنویّا للاستخدامات الحیاتیة كافة، ونسوق ذلك لكى یقف القارئ على أبعاد نقص المیاه فى المنطقة العربیة، عامة، وفى مصر خاصة. تعرف حصة الفرد من المیاه على أنها ناتج قسمة موارد المیاه المتجددة فى بلد ما؛ من أنهار وینابیع ومیاه جوفیة وحصاد فى العام) الحد مائى على عدد السكان، كما یعتبر خط الفقر المائى الذى حددته الأمم المتحدة ( وهو 1000 م٣ للفرد الأدنى من المیاه المطلوبة لتوفیر میاه الشرب وكذلك الاحتیاجات المنزلیة، إضافة إلى إنتاج الغذاء من؛ حبوب وخضروات ولحوم، التى تكفى الحد الأدنى لاحتاجات الفرد لمدة عام. فى إنتاج الغذاء، وبالتالى لا بُدّ من استیراد النقص الحاصل،إن أى نقص فى الحد الأدنى لتوفیر المیاه یعنى نقصًا وبالعملة الصعبة الذى یترجم لاحقًا إلى غلاء بالأسعار والمعیشة، وهو ما یقود إلى مزید من الفقر، یتجلى على شكل اضطرابات سیاسیة، كما نشهد حالیًا فى كثیر من دول منطقتنا العربیة، ولیس أدل على ذلك مما یحدث فى البصرة ولبنان والیمن. 

 

  خطوط الفقر المائى: 

 

إذا أسقطنا مفاهیم خطوط الفقر المائى على منطقتنا العربیة، نجد أن 17 دولة من أصل 22 دولة تقع تحت خط الفقر المائى، أى أن حصة الفرد فیها أقل من 1000م٣، سنویّا لجمیع الاستعمالات، وهذه الدول هى الأردن، فلسطین، الیمن، قطر، السعودیة، البحرین، الإمارات، الكویت، لیبیا، عمان، تونس والجزائر، مقابل خمس دول.

 

وعودة إلى موضوع هذه الورقة؛ فإن الإجهاد المائى فى مصر مرتبط بالزیادة السكانیة، وهذا ما یجعله یشكل تهدیدًاً فى ظل تأثیرات سد النهضة لحیاة المصریین وسُبل عیشهم واستقرار أعمالهم.. وذلك إذا ما لم یتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة على المستوى الوطنى والإقلیمى؛ فى محاولة حقیقیة للتصدى لأى تهدیدات مقبلة، وهو ما تقوم به الحكومة المصریة حالیًا وبجميع السُّبل والإمكانیات المتاحة لدیهم. 

 

  لغز تزامُن توقيت بناء السد: 

 

بدأت إثيوبيا عام 2011م ببناء سابع أكبر سد على مستوى العالم، وبسعة 74 مليار متر مكعب على نهر النِّيل الأزرق، وتعتبر سعة السد أكبر من الجريان السنوى لنهر النِّيل الازرق بنحو مرّة ونصف، وسط أحاديث عن لغز تزامُن توقيت بناء السد مع الوضع السياسى الجديد الذى دخلته مصر منذ نحو تسع سنوات.

 

بالنسبة للمختصين وخبراء الطاقة؛ فإنهم يرجّحون قدرة السد المائية على توليد الكهرباء، بنحو 6000 ميغاوات، وتخطط الحكومة للاستفادة من سد النهضة بعد الانتهاء منه فى زراعة نصف مليون هكتار، وتخفيف مُشكلة الجفاف المتزايدة التى يعيشها شرق إثيوبيا، علمًا بأن فكرة بناء السد ليست بالجديدة، وتعود للأعوام 1956-1964م، عندما تم تحديد موقع السد من قِبَل مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى، وقد تكون بداية الخلاف هناك، بسبب غياب تنسيق الجهات المعنية مع مصر، وحسب اتفاقية عام 1929م التى أكدت ضرورة التنسيق مع مصر فى حال بناء أى مشروع من شأنه الإضرار بكمية مياه النِّيل باتجاه مصر. وقد تضمنت الاتفاقية إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة، وأن لمصر الحق فى الاعتراض فى حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.

 

الاتفاقية المُبرمة كانت بين مصر وبريطانيا؛ حيث كانت بريطانيا تمثل السودان وأوغندا وتنزانيا وكينيا، وتم تخصيص ما نسبته 92٫3 ٪ من التدفق لمصر فى حين تم تخصيص 7٫7 ٪ للسودان، وهنا لا بُد من الإشارة إلى أن الموقف المصرى يتفهم الرغبة الإثيوبية فى حماية أراضيها من الفيضان، وتوليد طاقة كهربائية نظيفة تقوم عليها بعض الصناعات وتخزين كميات كبيرة من مياه النِّيل؛ نظرًا لموجات الجفاف التى تجتاح وسط القارة الإفريقية شبه سنويّا، إلى جانب استخدامها للزراعة؛ للنهوض فى الاقتصاد الوطنى لإثيوبيا، ولكن دون أن يكون هنالك تأثير كبير على الوضع المائى المصرى، شريطة التشاور والتعاون مع مصر خطوة بخطوة، وهذا ممكن من خلال الحوار واتفاق ثلاثى يضم مصر والسودان وإثيوبيا.

 

تعود أسباب الخلاف إلى أن مصر، التى تقع على مصب النهر أو ما يسمى الحوض الأسفل تعارض إقامة هذا السد الذى من المؤكد أنه سيقلل من كمية المياه التى تحصل عليها من مياه النِّيل، إذ تعتمد مصر بشكل كبير (أكثر من 90 ٪) على مياه النِّيل؛ لتلبية مياه الشرب والرى، ولها حقوق تاريخية فى النهر بموجب اتفاقيتَى 1929 و1959م اللتين لا تمنحان مصر حق الموافقة على مشاريع الرى فى دول المنبع فقط؛ بل لها حق استخدام الفيتو على أى مشاريع من شأنها التأثير على كمية المياه المتدفقة باتجاه مصر.

 

  اتفاقية تقاسم المياه:

 

فى العام 1929م تم توقيع اتفاقية لتقاسم المياه بين دول حوض النِّيل وبريطانيا بصفتها الاستعمارية، وأعطت لمصر حق النقض الفيتو لمنع إقامة أى مشروعات على نهر النِّيل يهدد حصة مصر المائية، وقد حددت حصة مصر المائية طبقًا لاتفاقية 1929 بنحو 48 مليار متر مكعب، وحصة السودان بنحو 4 مليار متر مكعب، إلّا أنه وفى العام 1959م وقّع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى القاهرة اتفاقية مكملة وتم إيداعها فى الأمم المتحدة مع السودان لزيادة حصة مصر والسودان لتصبح حصة مصر 55.5 مليار م٣، مقابل 18.5 مليار م٣، حصة السودان، وكذلك حق مصر فى إنشاء السد العالى، وإنشاء السودان خزان الروصيرص، واحتفاظ كل من مصر والسودان بحقهما المكتسب فى مياه النِّيل، وتم إيداع تلك الاتفاقية بالأمم المتحدة أيضًا كإحدى وثائقها.

 

بالنسبة لجمهورية مصر العربية؛ فإن أمنها المائى قضية استراتيجية محسومة، ولن تسمح لأى جهة بتهديد أمنها المائى أو تناقص كمية تدفق مياه النِّيل بأى شكل أو كمية من شأنها التأثير على توفير المياه، لاسيما وأن الدراسات تشير إلى أن الاحتياجات المائية بتزايد كبير فى ظل ثبات وتناقص الموارد المائية المتوافرة.

 

  تشغيل السد من دون موافقة مصر:

 

يزداد الأمرُ سوءًا فى حال تم تشغيل السد من دون موافقة مصر على برنامج تشغيل وملء السد، إذ يحاول الجانب المصرى ومنذ سنوات إقناع الجانب الإثيوبى بضرورة ملء السد على أطول فترة زمنية ممكنة، التى يجب ألّا تقل عن خمس سنوات، وفى حال الجفاف يتم تمديدها لسنتين إضافيتين؛ ليصبح المجموع سبع سنين بدلًا من ثلاث، كما يطالب الجانب الإثيوبى، وبعد المرحلة الأولى من التعبئة الجانب المصرى بتدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنويّا، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب.

 

وتشير البيانات إلى كبر حجم مشكلة نقص المياه فى مصر خلال السنوات العشر المقبلة؛ نتيجة للأعمال التى تقوم بها دول الحوض الأعلى، ومدى تأثيرها على استمرارية التزويد والعجز الكبير المتوقع، وما ستحمل معها من تبعات سياسية واقتصادية كبيرة على مصر، ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الحقوق المائية لها.

 

وقد بيّن الخبير المائى د. «محمود أبو زيد» خلال ندوة المياه المعنونة بـ «مستقبل المياه فى مصر»، التى عُقدت بجامعة عين شمس فى شهر مارس الماضى، بأن حصة مصر من المياه انخفضت بمعدل 7.5 مليار متر مكعب؛ بسبب بناء سد النهضة الإثيوبى، وهو ما يتفق مع البيانات أعلاه.

 

ولا بُدّ من الإشارة إلى أن النقص الحاصل فى المياه مستقبلًا فى مصر لا بُدّ أن يعوض جزئيّا، بالاعتماد على الضخ من المياه الجوفية وما يتبعه من كلف مالية وبيئية عالية، إضافة إلى التوجه لتحلية المياه وضرورة الاستثمار برفع كفاءة أنظمة الرى لتقليل فاقد المياه؛ ما يزيد الأعباء المالية على المواطن والمزارع المصرى، وما يتبع ذلك من نقص فى إمدادات الغذاء، وبالتالى حتمًا سنكون أمام خيارين؛ إمّا رفع الأسعار أو زيادة الدعم الحكومى، وهو ما تحاول الحكومة المصرية تجنبه من خلال الإبقاء على مواردها المائية دون تناقص من خلال أى تأثير خارجى.

 

  تداعيات علاقات السودان الخارجية:

 

للسودان، الشريكة فى مياه نهر النِّيل، مصالح فى مياه النهر، من حيث توليد الطاقة الكهرومائية، أو لدرء خطر فيضاناته، كما له علاقات اقتصادية وسياسية مع دولتَى الخلاف مصر وإثيوبيا، إلّا أن التغيرات السياسية التى يشهدها السودان منذ نهاية عام 2018م التى أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، بدأت تظهر تداعياتها على علاقات السودان الخارجية، وبالتحديد فيما يخص علاقتها بجيرانها وفى مقدمتهم إثيوبيا التى لعبت دورًا مباشرًا فى المصالحة السودانية الأخيرة بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، وأصبحت إثيوبيا بالنسبة للسودان الجديد دولة جوار، تحظى باحترام قوى الحُكم الجديدة بالسودان، إضافة إلى أن السودان أصلًا لم يكن موقفه ضد بناء السد الإثيوبى، كون السودان ستتخلص بشكل كبير من فيضانات نهر النِّيل التى تضرب المناطق المنخفضة فى جنوب الخرطوم (وسط البلاد) وبعض الأجزاء من ولاية الجزيرة (إلى الجنوب من الخرطوم)، وكذلك ولاية القضارف جنوب شرق السودان.

 

وعادة ما تتسبب السيول فى السودان بخسائر بشرية فى العديد من الولايات؛ خصوصًا خلال أشهُر فيضان النهر، الذى يؤدى إلى أضرار مادية بالغة، من هدم لعشرات من المنازل، وطمر الطرُقات فى العديد من المناطق، وتعطيل المرافق العامة؛ لتزيد من معاناة المواطنين؛ ما جعل موضوع الفيضانات من أهم المواضيع فى الأجندة السياسية السودانية الداخلية جنبًا إلى جنب مع السلام وإعادة تسكين اللاجئين.

 

إضافة إلى الحماية من الفيضانات التى ستستفيد منه السودان، فإن السودان يطمح فى الحصول على الطاقة الكهربائية الرخيصة من محطات كهرباء السد الإثيوبى، وهى أكبر محطة للطاقة الكهرومائية فى إفريقيا وسابع أكبر سد فى العالم عند اكتماله، وقد تم بالفعل توقيع أكثر من اتفاق بالخصوص بين السودان وإثيوبيا، كما تتضمن الفوائد السودانية من بناء السد ريّا دائمًا طوال العام للمشاريع الزراعية، وزيادة المساحات المزروعة، وكذلك زيادة مساحة تخزين المياه فى سد الروصيرص وسنار لإنتاج الكهرباء وتوفير ثروة سمكية وحيوانية ومراعٍ، إضافة إلى استيراد الكهرباء من إثيوبيا.

 

  موقف الجانب المصرى:

 

واضحٌ، ولا يحتاج إلى تفسير الموقف المصرى، فتخفيض حصّة مِصر من «المياه» يعنى «إعلان حرب» لا يُمكن أن يمر دون التصدّى له بكُل الوسائل».

 

وحسب الدراسات؛ فإن مصر ونتيجة لقيام إثيوبيا بملء السد؛ فإنها ستكون «عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادى سنويّا، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار سنويّا».

 

كل ذلك فاقم من التخوف المصرى؛ خصوصًا بعد أن قامت خمس دول إفريقية فى العام 2010م وفى خطوة مفاجئة لمصر والسودان بالتوقيع على اتفاق مائى أوَّلى جديد، وفى العام 2011م، وقّعت الدولة السادسة، وهى بورندى على الاتفاقية مع انشغال مصر بأحداث الثورة..

 

رفضت مصر والسودان الاتفاقية وتمسكتا بحصتهما المائية بناءً على اتفاقية تقاسم مياه النِّيل 1929م، والمكملة لها وهما اتفاقيتان مودعتان بالأمم المتحدة وتنصان على منح مصر 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب للسودان، فيما رفضت إثيوبيا والدول الموقّعة على اتفاقية عنتيبى 1929-1959م؛ لأن بريطانيا التى وقّعت عليها كانت بصفتها الاستعمارية.

 

إضافة إلى أن البعض يرى أن مفاوضات السودان حول سد النهضة فى السنوات الأخيرة من عهد البشير كانت «غير واضحة وتستند إلى تكتيكات سياسية، ولا تنطلق من ثوابت فنية، فكانت متذبذبة ومتحولة من موقف إلى آخر، فتارة مع مصر وتارة مع إثيوبيا، وهذا ما ضيّع الموقف السودانى وهى من أهم دول الحوض.

 

إلّا أن المتغيرات السياسية الحديثة فى كل من السودان وإثيوبيا ابتداءً بالثورة السودانية وانتهاءً بحصول رئيس الوزراء الإثيوبى على جائزة نوبل للسلام، وكذلك تعيين عبدالله حمدوك رئيسًا لوزراء المرحلة الانتقالية فى السودان، وكلاهما يتمتع باحترام وعلاقات دولية كبيرة، يحتّم على مصر المزيد من الصبر والثبات بالموقف، وحشد الدعم الدولى للموقف المصرى؛ لأن مصر ليست دولة صغيرة، وعدد سكانها يفوق 110 ملايين نسمة، ولا توجد مصلحة لأحد فى أن يكون الملف المائى ملفّا َضاغطا، بدلًا من كونه ملفّا للتعاون الإقليمى وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة فى ظل معدلات فقر غير مسبوقة فى دول الحوض الثلاث.

 

  الإشادة بالموقف المصرى:

 

إن قضايا المياه المشتركة والأنهار الدولية مسائل غاية فى التعقيد؛ نظرًا للتدخلات السياسية والفنية والتوترات الإقليمية التى تنعكس بشكل سلبى على إيجاد السُّبُل والحلول التى تُرضى جميع الأطراف، وهنا لا بُدّ من الإشادة بالموقف المصرى دبلوماسيّا وتكتيكيّا رُغم حساسية الموضوع، وكما ذُكر سابقًا، فالجانب المصرى موقفه واضح فى خلاف كثير من الدول فى مثل هذه القضايا، والموقف والمطلب المصرى مُحق بجميع المقاييس السياسية والفنية، مع تفهم كبير للحاجة الإثيوبية التى لديها موارد بديلة، وبعكس الجانب المصرى الذى أصبحت بدائله المائية للتزويد شحيحة ومكلفة.

 

ورُغم أهمية ملف مياه النِّيل للجانب المصرى؛ فإنه لا بُدّ من العمل على عدة جبهات داخلية وخارجية؛ لتوفير مزيد من المياه لسد العجز المائى نتيجة لظروف خارجية مثل؛ التأثير على كمية مياه النِّيل، أو داخلية من حيث تلبية احتياجات القطاعات المختلفة فى ظل تنمية اقتصادية مقبلة وزيادة فى عدد السكان.

 

خارجيّا.. لا بُدّ من الاستمرار بالتفاوض مع السودان وإثيوبيا حول حماية الحقوق المائية السيادية لمصر فى نهر النِّيل، وقد يكون الاتفاق المقبل على «برتوكول» تشغيل السد، ولا بُدّ أن يكون «ديناميكيّا» فى تلبية احتياجات الطرفين، مع الأخذ بعين الاعتبار فترات الاحتياج القصوَى الموسمية فى البلدين، وهى مختلفة وقد تساعد مصر فى الحصول على كميات إضافية خلال فترة احتياجات الذروة الموسمية.

 

ونظرًا لأن المفاوضات دخلت مرحلة جديدة فى ظل المتغيرات سابقة الذِّكر مع كل من السودان وإثيوبيا؛ فقد أصبح من الأهمية «الجيواستراتجية» إدخال وسيط، باعتباره طرفًا ثالثًا أو رابعًا؛ لتسهيل مهمة التفاوض، ضمن ما اتفق عليه سابقًا مع الاستمرار بالتركيز على الجوانب والحقائق الفنية، وتعظيم الفوائد لجميع الأطراف.

 

فى الحقيقة، تشتد الحاجة المصرية لإقناع إثيوبيا بأن تعبئة السد بين ثلاث وخمس سنوات، لا تغير الكثير على أرض الواقع بالنسبة لهم، لاسيما وأن بناء السد قد بدأ منذ نحو 8 سنوات، وسيستمر للأعوام الثلاثة المقبلة، وهناك تأخير فى برنامج بناء السد سيمتد للعام 2023م، وقد تكون هنالك فرصة للإثيوبيين للاستفادة من الخبرة المصرية فى إدارة وتشغيل السدود الكبيرة وكيفية صيانتها والمحافظة عليها.

 

لا بُدّ من الاستعانة بلجنة خبراء دوليين لوضع التقارير الفنية الصحيحة أمام جميع الأطراف دون محاباة لأى طرف، وأعتقد أن هنالك مصلحة للجانب المصرى فى أن يكون المجتمع الدولى والدول المانحة على اطلاع ودراية فى أى أضرار قد تلحق بالاقتصاد المصرى، كما أنه لا بُدّ للحكومة المصرية من العمل مع الدول العربية للحصول على الدعم السياسى المطلوب، لا سيما وأن إثيوبيا ترتبط بعلاقات اقتصادية كبيرة مع أكثر من دولة عربية؛ خصوصًا الخليجية منها.

 

أضف إلى ذلك أن العلاقات «المصرية- السودانية» فى هذا الملف تحتاج إلى المزيد من المصارحة والوضوح، ولا بُدّ من تلبية المصالح السودانية فى ظِل وجود تقارب فى الموقفين السودانى والإثيوبى.

 

ومن الناحية الإثيوبية؛ فإن التوصل إلى اتفاق مُرضٍ مع مصر سيساعد إثيوبيا فى جذب التمويل الدولى لتنفيذ المشاريع التنموية، كما أن رأس مال القطاع الخاص لن يأتى فى ظل ظروف التوتر والخلاف على الموارد المائية، والاتفاق فى هذا المجال سيجلب لإثيوبيا المزيد من الاستثمارات الخارجية؛ خصوصًا فى مجال الزراعة والصناعات الزراعية.