الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مهرجان تكفير النجوم

مهرجان تكفير النجوم
مهرجان تكفير النجوم


 حينما غنى «عبدالحليم حافظ» أغنيتيه الشهيرتين «رسالة مِن تحت الماء» و«زى الهوا».. قال عنه وقتها الشيخ «عبدالحميد كِشك»: فى شرائط الكاسيت التى أطلقها والتى كانت منتشرة فى ذلك الوقت وبسخرية أن هذا المطرب ظهرت له معجزتان، الأولى أنه يُمسك الهواء بيديه، والثانية أنه يتنفس مِن تحت الماء، وهذه معانٍ قبيحة على الأصل، مرفوضة مِن الأساس، فهو ليس سمكة، ولم يكُن غطاساً، أو معه جهاز أوكسجين يُعينه على التنفس مِن تحت الماء، وعندما يقول ذلك إنما هو كاذب لا صادق، فـ (عبدالحليم) هو المسئول الأول عن إفساد شباب مصر!.
 
 
وحينما غنت «أم كلثوم» أغنيتها الشهيرة «انت عُمرى»، قال عنها أيضاً الشيخ «كِشك»: «امرأة فى الثمانين مِن عُمرها وتقول: (خدنى فى حنانك خدنى)!.. «يا شيخة ربنا ياخدك» !.. وحين ظهرت أغنية «غاب القمر يا ابن عمى يللا روحنى» لـ«شادية»، فما كان مِن الشيخ «كِشك» إلا التعليق: «وإيه إللى خلاكى يا مضروبة تتأخرى معاه لهذا الوقت بعيداً عن أعين الرقباء» ؟!
 
 
هذه القصص هى أقرب إلى «النوادر» أو «الحكايات الطريفة»، لكن بالتمعن فيها نجد أنها أبعد ما تكون عن هذا.. هى فى الواقع حكايات مُستترة وتكشف بذورا عن التطرف الذى يُمارس على الفن وأهله، وتحديداً مِن قِبل الشيوخ.
 
 
إنها النظرة الدونية التاريخية للفن، التى اتفق عليها الشيوخ مع السياسيين - رغم استخدام الفئة الأخيرة للفن ورموزه فى تثبيت دعائم نظامهم! - إلا أنه مِثلما سب الشيخ «خالد الجندى» - عبر قناة «أزهرى» - «عادل إمام» مِن قبل قائلاً إنه «هلفوت وحِتة مُمثل»، فلا أحد ينسى رسالة «د.محمد بديع» - المُرشد العام لجماعة الإخوان المُسلمين - التى قالها فى إحدى المرات عن مُسلسلات رمضان بأنها تُعتبر «خِطة مُتعمدة لإفشال مشروع التقوى»، رغم أنها تُناقض ما فعله الرئيس «مُرسى» - المُنتمى لنفس الجماعة - حينما قابل الفنانين مؤخراً، وعبر عن تضامنه معهم ضِد الهجمة الشرسة عليهم مِن الدُعاة !
 
وبالنظر إلى فتاوى الشيوخ التى قيلت عن الفن والإبداع، نجد أن التطور الذى شهدته هذه الفتاوى هو تغير نظرة الشيوخ إلى الفن مِن خِلال ثلاث مراحل.. الأولى اتهام الفنانين باعتبارهم «مُفسدين للمُجتمع».. الثانية هى «تكفير الفنانين» والمُطالبة بإقامة الحد عليهم.. والثالثة مرحلة التطاول بالسب والقذف الصريح بأسلوب أشبه بـ «المُعايرة» على اعتبار أن الفن لا يُساوى إلا الجنس!.. مع مُلاحظة أن المرحلتين الثانية والثالثة تسبق إحداهما الأخرى فى بعض الأحيان، إلا أنها تؤدى إلى النتيجة نفسها، حيث الفن لا يُمكن أن يتنفس ويحيا!
 
 
الشيخ كشك
الفن.. الفاسد:
 
 
يبدو أن الشيخ «كِشك» هو مِن أكثر المُعبرين عن المرحلة الأولى - فى نظرة الشيوخ إلى الفن - لعل أكبر دليل على هذا خُطبه، فمِن أشهر ما قاله عام 1978: ''مواطن مِن الإسكندرية يُسمى (شعبان رجب السيد) هرب ابنه الذى لا يزيد مِن عُمره عن عشر سنوات.. قال المواطن بالإسكندرية: ابنى فتح الدولاب وسرق مائة جنيه، ولهذا سوف أرفع دعوى على التليفزيون لأن ابنى أحب أن يُقلد (صلاح السعدنى) الذى قام بنفس هذا الدور فى تمثيلية (الليلة الموعودة)، فأراد الغلام أن يُقلد (صلاح السعدنى).. حيث لا صلاح ولا سعد هناك!.
 
 
الفن .. الكافر :
 
 
أهم ما نُلاحظه فى المرحلة الثانية - مرحلة «تكفير الفن» - بأنها تظهر وتخبو لتعود للظهور مُجدداً.. كانت البداية مع مؤسسة الأزهر حينما لوحت بورقة «التكفير» أمام «يوسف وهبى» بسبب موافقته على تجسيد الرسول «ص» فى فيلم تُركى عام 1926 وبسبب هذا الاتهام تراجع «يوسف وهبى» عن قراره!.
 
 
الفن.. الداعر:
 
 
هى المرحلة الثالثة والأخيرة، تُعتبر الأكثر جرأة وصراحة، والتى تزعمها عن جدارة - مؤخراً - الشيخ «عبدالله بدر»، خاصةً بعدما اتهم «إلهام شاهين» صراحةً بالزنى والفجور، ولم يكتفِ بهذا - رغم مُحاولاته تبرير اتهاماته لـ «إلهام شاهين» وتراجعه عنها بعدها! - بل عاد فيما يُعرف بـ «غزوة بدر الثانية» للهجوم على «آيتن عامر» بسبب دورها فى مُسلسل «الزوجة الرابعة»!
 
كما قال «هذا ما نأخذه مِن الفن» تعليقاً على حديث «لبلبة» فى أحد البرامج التليفزيونية بأن «عادل إمام» أكثر شخص قبلها فى حياتها، حتى أكثر مِن زوجها!
 
 
أيضاً قال أن ما يُقدم فى السينما لا يُرضى الله و رسوله، تعليقاً على موقف «عادل إمام» مِن رفض عمل ابنته بالفن لأنه لا يرضى أن يتم تقبيلها كالفنانات الأخريات!
 
لم يكُن «بدر» هو ملك هذا النوع مِن الفتاوى - إن جاز التعبير - فمُنذ أكثر مِن عامين وصف الشيخ «خالد عبد الله» على قناة «الحافظ» الفنان «نور الشريف» بـ «الملعون» و«فاروق الفيشاوى» بـ «الديوث»، كما قال عن «عادل إمام»: «شارب الخمر، ولا يترك الكأس مِن يده»!.. وهو الذى قال لـ «هالة فاخر»: «احترمى نفسك».
 
عبد الله بدر
 
إن لعبة الصراع بين الفن والدين لن تنتهى.. وكما يقول الناقد «د. حسن طِلب»: «ما يريده رجال الدين مِن الفن أن يكون خادماً، وإلا حقت عليه المُصادرة!.. وهذا بالضبط هو ما يُريده الساسة!.. روح العداء للفن واحدة فى الحالتين.. هؤلاء لا يقبلون الفن إلا خادماً فى ساحة الدين، وأؤلئك لا يقبلونه إلا خادماً فى بلاط السياسة!.. أما ما يُريده الفن، فليس أكثر من أن يتركه هؤلاء وأولئك وشأنه، إنه لا يحتاج إلا إلى الحُرية، والحُرية وحدها!.. فهو لا يتحقق ويزدهر إلا تحت رايتها ولا يختنق ويذوى إلا بغيابها».