السبت 29 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وصمة إيدز!

وصمة إيدز!
وصمة إيدز!


يحتفل العالم فى الأول من ديسمبر من كل عام باليوم العالمى للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة «الإيدز»، ذلك المرض الذى لايزال يَنظر المجتمع إلى مصابيه بنوع من الرّيبة وكأنه وصمة عار، رُغم تأكيد العديد من الدراسات على الطرُق المختلفة لانتقال العدوَى به.

النظرات التى تخترق الأجساد، وهمسات اللوم ووصمات العار دائمًا ما تجدها المصابات بفيروس نقص المناعة «الإيدز»، فى عيون المحيطين بهن، فى ظل ارتباط الإيدز عند الكثيرين بالعلاقات الجنسية؛ خصوصًا الشاذة منها، رُغم أن المرض ينتقل بطرُق عديدة، بينما الرجال لديهم فرصة للهروب من المذلة والتحايل على المحيطين بتأكيد أن الإصابة سببها تعاطى مواد مخدرة، فما أن تكتشف المرأة إصابتها بالمرض إلّا وتجد نفسَها فريسة بين أنياب المجتمع القاسى الذى لا يتهاون فى كيل الاتهامات، ما يزيد من معاناة المريضة التى تجد نفسَها ضحية النبذ المجتمعى وداء لم يجد العِلم دواءً له بعد.

آخر إحصاءات المصابين بالفيروس وفقًا لوزارة الصحة عام 2018م، كشفت أن عددهم نحو 16 ألفًا، 18 % من بينهم من السيدات، بينما الرجال أكثر بنسبة 80 %، وتتركز أكثر الإصابات فى القاهرة، الجيزة وجنوب القليوبية.

حكايات كثيرة للنبذ والإهانة تتعرض لها المصابات بالإيدز بدءًا من طفولتهن حتى الأمومة، رصدتها «روزاليوسف» لتعكس مدَى المعاناة والاضطهاد الذى تعانى منه هذه الفئة من قبل كل أطياف المجتمع.

معاناة الأطفال

يسجل عدد الأطفال المصابين بالإيدز ما يزيد على 100 إصابة، القاهرة وحدها يوجد بها 35 حالة حاملة للفيروس، بحسب ما أوضحت الناشطة الحقوقية المَعنية بمساعدة المتعايشين مع الإيدز «أمينة عجمى»؛ لتكشف أن غالبية الأطفال إن لم يكن جميعهم لا يعلمون حقيقة إصابتهم؛ حيث لم يتم إبلاغهم بالحقيقة إلّا عند سِنّ الزواج، ويتناول العديد من الأطفال علاج الإيدز دون عِلمهم: «يتم إعطاء الأطفال الدواءَ المخصص للإيدز، وهُمّا فاهمين إنه لمرض تانى».

داخل قسم الأطفال بمستشفى «سيد جلال» بمنطقة باب الشعرية، تم احتجاز الطفلة «رحمة» ذات السنوات الثمانى، بعد ما أصيبت بارتفاع حاد فى درجة الحرارة، استغرب الأطباء حالتها المتدهورة فى ظل استمرار ارتفاع درجة حرارتها ونقص وزنها، وقاموا بإجراء الفحوصات الطبية، ليتفاجأوا بأنها مصابة بفيروس نقص المناعة، دون معرفة سبب انتقاله لها، ليقرروا تحويلها إلى مستشفى حميات العباسية.

بدأت الطفلة الصغيرة الدخول فى دوامة المرض، أمّا والداها فتوقف العالم لهما فى تلك اللحظة؛ ليسيطر عليهما هاجس انتقال المرض لشقيقيها؛ حيث كانا يجهلان طرُق انتقال المرض، لم يتم إخبار «رحمة» بحقيقة مرضها، فلاتزال صغيرة لا يمكنها فهم حقيقته، وتتعامل معها والدتها بحسب إرشادات تُمليها عليها إحدى مؤسسات التعايش مع الإيدز، التى تَعتبر مرض ابنتها سرًّا لا تفصح عنه لأبنائها أو لأقاربها وجيرانها أو حتى المدرسة التى تتعلم فيها، تقول الأم: «خايفة حد يعرف مرض بنتى ويعاملها وِحِش خصوصًا الأطفال اللى فى سِنّها».

تتردد الأم المكلومة بشكل دورى على مستشفى الحميات، ولكن عند إصابة الطفلة بإعياء فى الليل تضطر للذهاب إلى أقرب مستشفى: «غالبية الدكاترة لمّا بنصارحهم بالحالة بيقولوا مش بنتعامل مع مرضى عندهم إيدز، هل المريض ده ملهوش حق يتعالج زى أى مرض؟!».

لم يَعد أمام الأم حلٌّ سوى الكذب على الأطباء بعد رفضهم علاج ابنتها: «الدكاترة بيخافوا من المرض ولو معملناش كده البنت هتموت مننا»، ترى الأم أن هناك تمييزًا من الأطباء ضد مرضى الإيدز، متسائلة: «أليس من حقهم العلاج أمْ يتركوهم حتى الموت؟!».

ضحايا الجهل

وحول معاناة الأطفال تقول الناشطة الحقوقية «أمينة عجمى»: «الناس يبنون أحكامهم على معلومات مسبقة عن طرُق انتقال الفيروس، وبناءً على ذلك يتعرض الأطفال للطرد من مدارسهم، ويُحرَمون من التعليم بسبب وصمة ليس لهم ذنب فيها. مستشهدة بحالة أحد الأطفال علمت مَدرسته أنه أصيب بالإيدز، فصمموا على طرده أو نقله لمدرسة أخرى، وحينما قامت أسرته بنقله لمدرسة جديدة وجدوا ثورة ضده فى المدرسة؛ حيث رفض الجميع التحاق الطفل بها، لتقرر العائلة حرمانه من التعليم.

يقترن الإيدز بالوصم؛ خصوصًا أن انتقال الفيروس مرتبط فى أذهان الكثيرين عن طريق السلوك الجنسى «غيرالأخلاقى»، وفى حالة الأطفال يكون السبب الرئيسى للإصابة بالفيروس انتقاله من الأم لجنينها، خلال الأشهُر الثلاث الأخيرة من الحمل، بسبب عدم تناولها الدواء، أو أثناء الولادة الطبيعية، ومن ثم الرضاعة الطبيعية، ولذلك لا بُدَّ أن تنتظم الأم على تناول الدواء المضاد للفيروس وأن تكون ولادتها قيصرية، والرضاعة تكون صناعية..

الزوج المدمن

الصدفة لعبت دورها لتكتشف «س.ع» إصابتها بمرض الإيدز وهى فى سِنّ الخامسة والثلاثين، بعد أن كانت تُجرى بعض التحاليل الطبية: «أخفيتُ المرض عن أهلى لمدة حتى اقتراب موعد إنجاب طفلتى الأخيرة».

كانت «س.ع» تعلم جيدًا أن الفيروس انتقل لها عن طريق زوجها الذى يتعاطى مخدرات، الذى قرر تركها وحيدة فى صراعها مع المرض، بعد أن طالبه أهله الانفصال عنها؛ لأنها ستنقل له ولأبنائهما العدوَى، وهم لا يعلمون أن ابنهم حامل للمرض، فأخذوا منها أطفالها وطلبوا منها الانتقال من مسكن الزوجية وتركه لزوجها وأبنائها، لتنتقل بعد ذلك للعيش مع والديها اللذين أظهرا لها كل الدعم النفسى،لكنَّ أشقاءَها لم يستطيعوا إخفاء خوفهم من انتقال العدوَى لهم، فمنهم من طلب منها عدم القيام بأى عمل فى المنزل وألّا تدخل المطبخ، ليكون ردها عليهم أنها حريصة على صحة كل من حولها وأنها لن تؤذيهم.

أشهر قضتها «س.ع» تنتظر لحظة الولادة فى حيرة من أمرها ومخاوف من رفض المستشفيات استقبالها، كما كان يرفض الأطباء فى العيادات الخاصة إجراء أى فحوصات لها، إلى أن قررت الذهاب إلى إحدى جمعيات رعاية المتعايشين مع فيروس الإيدز لتتمكن من الولادة فى المستشفى، وحينما شعرت بآلام الوضع تواصلت مع الجمعية التى أرسلت معها إحدى المتطوعات لمستشفى باب الشعرية الجامعى، لتجد نفسها وسط معايرة من الممرضات لها والتهكم عليها، ولم تنس الإهانة التى تعرضت له من إحدى الممرضات التى قالت لها «اللى زيك ينتحر ويموت نفسه أشرفله مش يحمل ويخَلّف»، لتدخل إلى غرفة العمليات داخلها أمنيات ألّا يحمل جنينها المرض، بعد ساعات من الانتظار لرفض الأطباء إجراء العملية لها.

انتهاكات كثيرة ومعاملة غير آدمية تعرضت لها «س.ع» أثناء إجرائها عملية الولادة، ما بين ممرضات يشهرن بها أمام جميع المتواجدين بالمستشفى، وأطباء يعاملونها بطريقة مُذلة، لتلد طفلها الأخير الذى لم يجر له فحص حتى الآن لتتأكد من إصابته بالفيروس من عدمها.

ممنوع الزواج

الفتيات المراهقات الحاملات لفيروس نقص المناعة يعانين من أزمة، فنظرة المجتمع لهن أنهن لن يستطعن الزواج من الأصحاء، وإذا تزوجن فسيتزوجن من أشخاص يحملون الفيروس مثلهن، رُغم أن العلم والعديد من الأبحاث تؤكد على إمكانية المصابات الزواج من أصحاء والإنجاب منهم بعلمهم مع اتخاذ الاحتياطات أثناء الزواج.

«أ.م» فشلت فى الانتحار أكثر من مرّة، عقب أن اكتشفت إصابتها بفيروس نقص المناعة: «دمرت حياتى بإيدى.. كنت عايزة أكون إنسانة كويسة لكن أمى وصّلتنى لكده»، فالفتاة التى لم تصل إلى عقدها الثانى،أمضت حياتها فى حالة من التشتت الأسرى،فوالدها منفصل عن أمّها التى اعتادت منذ طفولتها ضربها وإهانتها أمام شقيقيها، حتى وصلت سن الخامسة عشرة لتقرر أن تستقل بحياتها والعمل، تلك الفكرة التى رفضتها أمها وشقيقاها.

قررت «أ.م» أن تعمل دون علم أمّها وشقيقيها هربًا من العنف الذى تتعرض له فى المنزل، لتتعرف على أصدقاء جُدد بالمدرسة ذوى أخلاق سيئة، تعلمت من خلالهم شرب السجائر والخمور، إلى أن أقامت علاقات محرمة ليتطور الأمر بها وتكون تلك العلاقات بمقابل مادى.

العلاقات الكثيرة التى أقامتها «أ.م» كانت سببًا فى أن يصيبها الشك بإصابتها بمرض الإيدز؛ خصوصًا بعد أن نقص وزنها؛ لتبحث عن معلومات عن فيروس الإيدز وطرُق نقل العدوَى، حتى قررت إجراء الفحوصات والتحاليل؛ لتسلمها إحدى العاملات فى مركز التحاليل نتيجة تحليلها بنظرة فيها استحقار شديد، قائلة لها «بلا  قرف».

عادت إلى بيتها فى خوف شديد من فضح أمرها ويقتلها شقيقاها، إلى أن اتخذت قرارًا بالهرب من المنزل والعيش بمفردها، لتضطر إلى الانتقال وتغيير مكان سكنها كل فترة، يشغلها مصيرها الغامض، فلا تستطيع الزواج، ولا تستمر فى عمل بعد فَضْح أمرها.