الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

استعينوا على حسم خلافاتكم بـ «الإفتـــاء»!

استعينوا على حسم خلافاتكم  بـ «الإفتـــاء»!
استعينوا على حسم خلافاتكم بـ «الإفتـــاء»!


عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، إنه الموعد اليومى لبدء جلسات المحكمة الشرعية بدار الإفتاء لحل المشاكل المجتمعية، دون الحاجة إلى قضاة، ومحامين، وجلسة تلو الأخرى، فلكل مشكلة أو أزمة جلسة محدد موعدها بدقة من قبل لجنة التحكيم وفض المنازعات.
الدكتور عبدالله عجمى يجلس على مكتبه مرتدياً جلبابا وعمامة رجل الدين، على يمينه ويساره اثنان من الباحثين وكأنه قاض، يستقبل بشكل يومى زواره من جميع المحافظات والأعمار داخل دار الإفتاء، يستمع منهم لشكواهم ومنازعاتهم سواء فى الثأر أو الدم أو القتل والميراث، ومشاكل رجال الأعمال والصاغة انتهاء بالمشاكل الأسرية بين الزوجين.
وبصوته الهادئ يصدر قراراته مدعومة بالأسانيد الشرعية، فيخرج المتخاصمون والمتنازعون وقد حلت مشاكلهم، وكأن المكان تحول إلى مستشفى لعلاج المشاكل والأزمات.

جلسة تلو الأخرى تصل يوميا إلى خمس جلسات، تشبه الحال فى المحاكم، يستمع خلالها القائمون على لجنة «التحكيم وفض النزاع» إلى جميع الأطراف، والذين أتوا قاصدين دار الإفتاء من أجل حل مشاكلهم، وفقا لأحكام الشرع والدين، ورغم أن الوحدة لا يتعدى أفرادها الثلاثة إلا أنها تصدت للعديد من المشاكل والأزمات منذ إنشائها قبل 6 سنوات.
«روزاليوسف» تواجدت داخل لجنة «التحكيم وفض النزاع» على مدار يوم لرصد ملامح المعالجة لخلافات المجتمع المتنوعة، والتى تتواجد بالطابق الثالث فى مبنى دار الإفتاء.
 استراحة المحكمة
وداخل الطابق الثالث توجد استراحة للزوار فى انتظار الدخول إلى جلسة الحكم والمداولة، يتواجد بها أصحاب الشكاوى، ومن حددت له مواعيد مسبقة، فهذه سيدة فى العقد الخامس من العمر جاءت مع ابنتها وكلتاهما ترتديان ملابس سوداء، ولسان الأم دائم الدعاء لابنتها، قائلة: «شرع ربنا يريح الكل دا آخر طريق بنتى هتدخله عشان ترتاح ويعود زوجها عن الطلاق»، وإلى جوارهما جلست شابة ثلاثينية تداعب طفلها وبصحبتها 10 نساء من أفراد أسرتها، أكدت أن لديها مشكلة فى توزيع الميراث على أفراد الأسرة بالعدل والمشاكل وصلت إلى أشدها، فالميراث يقدر بنحو 12 مليون جنيه فى شكل عقارات وأراض زراعية يصعب توزيعه بما يرضى الله إلا عن طريق  لجنة «التحكيم وفض النزاع».
وفى الطريق المقابل جلس شاب و4 من أصدقائه، يتحدثون عن أزمتهم حول أموال الشراكة التى كانت فى السابق بالدولار والربح بالجنيه المصرى، وحالياً يريد الشركاء استرداد الدولارات وفض الشراكة بعد تعويم الجنيه.
استراحة الزوار مساحتها كبيرة تستوعب ما يقارب من 40 شخصا ما بين نساء ورجال، ويجلس على باب غرفة الاستراحة اثنان من العمال لتنظيم حركة الدخول والخروج من الغرفة إلى لجنة التحكيم، وبعد انتظار ما يقارب الساعتين لانتهاء اللجنة من السماع والحكم فى الجلسة السابقة لموعدنا.. استقبلنا الشيخ عبدالله عجمى بوجه بشوش، متناولاً الماء قبل الحديث والاستراحة لبضع دقائق بعد جلسة انتهت بالصلح.
 حكاية اللجنة
 الشيخ عبدالله عجمى، قال لنا إن الدكتور علي جمعة فى عام 2012 قرر إنشاء إدارة خاصة لفض المنازعات بين الناس، وبدأت اللجنة برئاسة الدكتور محمد أنور شلبى، واثنين من الباحثين الشرعيين، وكان الهدف من الفكرة اجتماعيا فى إطار الخدمات الاجتماعية التى تقدمها الدار للمجتمع، تعد الوحدة مرجعية لحل المنازعات بكافة ألوانها داخل المجتمع، وتعقد جلسات مغلقة تماماً مع أطراف النزاع للتوصل إلى حل يرضى جميع الأطراف بما يتوافق مع شرع الله.
 طريقة التواصل
 وكشف الشيخ عبدالله، أن صاحب المشكلة يتواصل مع اللجنة بالاتصال الشخصى لطلب حل نزاع بينه وبين طرف آخر، ويتم تحديد موعد، أو إرسال رسالة عن طريق البريد أو الفاكس والرد عليه بنفس الطريقة وتحديد موعد لعقد الجلسة، فضلا على الإحالات التى ترد للجنة من الإدارات الشرعية الأخرى التابعة للدار مثل الفتوى المكتوبة والفتوى الشفوية والفتوى الهاتفية أو فتوى الإنترنت والحساب الشرعى، وعند إحالة الأمر للجنة يتم التعامل معها كقضية معقدة، وتحتاج إلى جزئية فنية، فالنزاع يحتاج إلى جزء شرعى وجزء قانونى، فكثرة النزاعات أدت إلى أن الإنسان لا يستطيع الفض فيها بمفرده فهو فى حاجة إلى شخص استشارى وهذا دورنا.
 أنواع النزاع
سامح على شاب ثلاثينى – أحد الباحثين فى لجنة فض المنازعات- شاركنا الحوار قائلا: إن أنواع النزاع؛ اجتماعى يشمل الأسرة والفرد، سواء المتزوجين أو قضايا الطلاق أو نفور الزوجين، فهناك مشاكل تعرض علينا بسيطة يكون سببها عدم تعود الأزواج الجدد على المسئولية وفى حاجة لوضع النقاط على الأحرف، والحديث معهم عن طبيعة حياة الأسرة التى لا يعلمونها والمسئولية الجديدة التى أدت إلى حالة التخبط.
كما يعرض على اللجنة قضايا شق معاملات البيوع والشراء والشركات، والمعاملات المالية، ورد قيمة الديون، فأزمة تعويم الجنية والدولار تسببت فى أزمة كبيرة فى شكل نزاعات بين الشركاء ورجال الأعمال، وهذا كان فحوى عام 2017 فى المشاكل الخاصة بالمعاملات المادية، مشيرا إلى أن هناك رجال أعمال أجانب يطلبون مشورة اللجنة من سوريا والعراق والسودان والمغرب والصين، وغير مسلمين، لكن لهم شراكة مع مسلمين، ومن دول أوروبية، ويحضرون إلى دار الإفتاء وكلُّ معه مترجم لترجمة شكواه.
 قضايا رجال الأعمال
أكد رئيس اللجنة أن أكثر الحاضرين المتضررين من الأوضاع الاقتصادية فى أعقاب تعويم الجنيه من أصحاب الشركات الصغيرة يستثمرون فى المصانع مثل أكتوبر والعاشر من رمضان مع الجنسيات المتنوعة، ومكاتب الاستيراد والتصدير، ووصلت عدد الشكاوى فى عام 2017 للشراكة المالية 130قضية متنوعة فى شق المعاملات، ومعاملات الذهب وقضايا محلات الصاغة كانت بين القضايا التى حضرت فى عام 2017، حول تغير قيمة الذهب أمام الجنيه المصري.
 وأوضح أن من بين القضايا التى عرضت على اللجنة قضايا الديون العامة، أخت ساعدت شقيقها بمبلغ كدين «ذهب» وليس تطوعا، وعندما باعه كان يقدر بـ5 آلاف لكن وزنه 30 جراما، وبعد أن تضاعف سعر الذهب حالياً وجب عليه الرد ذهبا بنفس الوزن، بالإضافة إلى قضايا التركات والميراث.
«الفهلوة لا تصلح هنا».. يكمل الشيخ عبدالله حديثه عن تفاصيل عمل اللجنة قائلا: «نحن نعمل على الأفراد جميعا، على أرض الواقع الأمر صعب فقد يحتاج الملف إلى 100 ورقة عمل».
 القتل والدية
أما قضايا القتل والدم والديات، فيقول عنها الشيخ عبدالله: «الأمر فيها شائك للغاية كون أفراد النزاع فى حالة عداء شديد، ويتم وضع التفاصيل فى ملفات واستدعاء الشهود، وقد يحضر الأمن ويتعاون معنا فى القضية لتأمين المكان، ومعظم الحالات تحضر لدار الإفتاء، ومن النادر الانتقال لمكان العائلات»، مشيرا إلى أنه قليلا ممن يحضر إلى هنا يرجع دون أن تحل مشاكله، موضحا أن معظم المنصرفين دون حلول وغير راضين من النساء لأن عاطفتهن تسيطر عليهن.
من جانبه، كشف سامح أحمد الباحث الشرعى فى لجنة فض النزاعات شكل جلسات الدية، موضحا أنه فى الجلسة الأولى يتم الاستماع إلى القضية كاملة ويتم تسجيل ذلك بكل التفاصيل، وبعدها يتم دراسة القضية إذا ما كانت قتلا عمدا أو خطأ أو إصابة بعجز كلى جزئى، أو إصابة تسببت فى فقدان إحدى الحواس وكل ذلك يقيم ماديا حسب الشريعة، فقد تكون الدية كاملة أو نصف الدية أو ثلث دية حسب الحالة والعرف فهناك من يدفع مقابل الأمر ويراعى فيها العادة والتقاليد حسب كل منطقة الدية بها كما هو، مثل الإبل أو المال بما يوازى الدية فى الشرع.
 رئيس اللجنة
وأوضح الشيخ عبدالله رئيس لجنة فض النزاع أن المتصدى للجنة فض المنازعات يجب أن يتسم بالصبر والحكمة، والخبرة والكتاب الشرعى معا، بالإضافة إلى أن رئيس اللجنة لابد أن يكون مزودا بدراسة الشريعة والقانون، وعلم النفس والاجتماع لمعرفة السلوك الإنسانى، فضلا على خبرته الحياتية واحتكاحه بالناس، والباحثون لابد أن يكونوا أزهريين، فى نطاق الشريعة والقطاع الشرعي فقط، فلابد أن يكونوا من أبناء الأزهر.
وعن الفرق بين رئيس اللجنة والقاضى، قال عبدالله: «ليس من سلطتى إجبار أطراف النزاع على الحضور مثل القاضى، فطلبى له أدبى، القاضى مفتى وأنا أيضا قاض لكن أمرى ليس ملزما، بالإضافة إلى أن القاضى قراره مكتوب وأنا قرارى شفوى».
  5 جلسات صلح
وأشار سامح على الباحث الشرعى إلى أن اللجنة تبدأ أعمالها الساعة 9 صباحا حتى 5 عصراً، وتجلس على مدار اليوم فى حل مشاكل المواطنين كمهمة رسمية، لا تستمع إلا إلى مشاكل فقط، ولا بد أن تخرج بحلول، وتعقد يوميا ما يقرب من 5 جلسات.
وعن أغرب القضايا، يقول سامح علي: «كانت من سيناء بسبب خلاف على قطعة أرض مملوكة للدولة، وتم التعدى على مدخل الدار أثناء حضور أطراف النزاع، وفى إحدى المرات حضر رجل وانتهت مشكلته قبل أن تبدأ عندما حضر لطلاق زوجته لأنها لا تنجب وفوجئ باتصال هاتفى يؤكد أنها ذهبت إلى الطبيب وحامل، وهناك جلسات كاملة للنساء فقط، كما أن أقصى دية قررتها اللجنة كانت مليون جنيه، وقدرت بالمال وشروط جزائية لقضية نزاع على قطعة أرض فى البحيرة تسببت فى مقتل شخص.