الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الشك في نوايا الحزب الحاكم




 محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 18 - 09 - 2010


من العبارات البليغة التي سمعتها ذات يوم في وصف الأغلبية والمعارضة السياسية، عبارة: أغلبية تحكم ولا تتحكم، ومعارضة تعارض ولا تعاند. هذا الوصف ينطبق علي الكتل السياسية في مجتمع النضج السياسي الذي بلغ درجة من الوعي بأهمية ارتباط المصالح الخاصة بسلامة العمل العام وسلاسته والتزامه مباديء ومعايير مستقرة ومحترمة لدي العامة والخاصة.
بديهي أن استقرار الممارسة السياسية في أي مجتمع لا تتحقق دون نمو الرأي العام المستنير الذي يرفع من قيمة النخبة القائدة والرائدة في المجتمع، ويقلل من الاعتماد علي الدهماء الذين يتحركون بالإغراءات المادية المؤقتة أو بإثارة مشاعرهم الطبقية أو الطائفية بشعارات تجلب الضرر البالغ علي المجتمع.
بطريقة أخري في التعبير نستطيع القول إن المجتمعات تقع تحت سطوة الدهماء الذين يقودهم بلطجية إذا افتقد الرأي العام المستنير وغابت النخبة الرائدة من المثقفين المنتمين إلي نسيج المجتمع الذين ينظرون إليه نظرة واقعية لا تتجاهل الحقائق الاقتصادية والاجتماعية وإنما تطرح الحلول لما يعترض المجتمع من مشكلات في نموه الثقافي والاجتماعي.
الخطر كل الخطر في فئة الانتهازيين من بين المثقفين الذين يملكون أدوات الجدل ومادته ويأكلون أموال الناس بالباطل ويدلون بها إلي الحكام طمعا في مكسب خاص وتجاهلا لمصلحة عامة، كمن يعزفون علي أوتار جذور القلق الطائفي في المجتمع بقصد استنباتها واستزراعها وخلق نوع من فوضي الصراع الديني والمذهبي بين أفراد المجتمع الذي ربما ينتهي، لا قدر الله، بقعقعة السلاح إذا لم ينتبه العقلاء ويأخذوا حذرهم من هذا المطب المهلك.
من بين المثقفين الانتهازيين أولئك الراغبون في استدعاء الأجنبي أيا كان للتدخل في الشئون الداخلية للمجتمع بدعوي تعميق الممارسة الديمقراطية أو ضمان نزاهة الانتخابات، أو غير ذلك من الشعارات وكأن بلادنا صحراء ثقافية خالية من الخبرات ومن الكفاءات ومن العقلاء ومن القادرين علي توجيه الأمور الوجهة الصحيحة.
من هذا الباب أيضا حصر النزاهة في فئة معينة في المجتمع دون غيرها وخلق حالة من الاحتقان ضدها مثل القول بأن نزاهة الانتخابات لا تتحقق إلا بوضع قاض علي كل صندوق، وكأن القضاة فقط في هذا البلد هم الذين تتوافر لهم النزاهة والأمانة، بمفهوم المخالفة فإن من ليس قاضيا إذن لا تتوافر فيه النزاهة والأمانة وتلك فرضية غريبة وغير مقبولة علي الإطلاق.
الضمانة الحقيقية لنزاهة الانتخابات هو تقليل تأثير محاولات تزوير إرادة الناخبين عن طريق الناخبين أنفسهم وليس عن طريق التشكيك في ذمة الناس لمجرد أنهم ليسوا قضاة، فضلا عن أن تعيين قاض لكل صندوق لا يمنع الطعن عليه بالتزوير، وبالتالي ندخل في تعقيدات لا لزوم لها تؤدي إلي اهتزاز ثقة الناس بالقضاء وهو أمر أضراره أكبر بكثير من الأضرار التي قد تنجم عن تزوير صندوق أو أكثر. وكلما كان بالإمكان الاحتفاظ بالقضاء بعيدا عن موطن الشبهة كان أفضل.
ربما نلتمس الأعذار للبعض منا عملا بقول سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: التمس لأخيك سبعين عذرا، فنقول إنهم يسعون إلي توفير ضمانات للانتخابات المقبلة، ونظرا لسيطرة الحزب الحاكم علي السلطة من وقت طويل فإن لديهم مخاوف، لكن المخاوف شيء، والتشكيك في كل شيء مسألة أخري، خاصة أن الحزب الحاكم ينتهج سياسة مرنة عن ذي قبل، فقد لاحظنا ترحيبه بالحوار مع قوي المعارضة التي ترغب في الاستفادة من الانتخابات المقبلة في تنمية الحياة السياسية في مصر بصرف النظر عمن يكسب ومن يخسر.
المشهد السياسي العام في مصر ملامحه واضحة للغاية وليس في حاجة إلي ذكاء أو فطنة للتعرف علي تلك الملامح، فالحزب الوطني الحاكم حزب مسيطر، بمعني أنه لا توجد قوة سياسية أخري في البلد تنافسه في قدرته علي الحصول علي أغلبية حقيقية دون تزوير، هل يبدو هذا الكلام غريبا؟
في اعتقادي أن الناس في مصر لا تزال لا تثق في المعارضة كبديل للحكم نظراً لعاملين اثنين وربما أكثر، لكن ما يهمني هنا هو العامل الأول وهو العلاقة الخاصة بين الرئيس وبين الشعب المصري، ومهما حاول البعض التقليل من شأن تلك العلاقة، فإن الشعب المصري لا يثق في شخص بقدر ما يثق في شخص الرئيس. وسبق أن قلت في مناسبات عديدة، ومازلت أقول إن الشخص الوحيد القادر علي تحريك الجماهير في الشارع المصري هو الرئيس. وما دام الرئيس علي رأس الحزب الحاكم فسيكسب هذا الحزب.
العامل الثاني هو أن أحزاب المعارضة في معظمها لم تحسن استغلال الوقت الذي مضي في بناء نفسها بناء صحيحا ولو ببطء يستغرق سنوات حتي تنضج الظروف لتداول السلطة، أحوال الأحزاب ليست خافية علي أحد وليس في مصر من يستطيع المغامرة بتسليم السلطة إلي مجهول غامض لا يمتلك سوي لافتة وربما صحيفة.
أما الضجيج الذي تقوم به الجماعة المحظورة لدي بعض الدوائر الأجنبية لكي يصفوها بأنها القوة المعارضة الرئيسية في البلاد فهو زعم غير حقيقي بالمرة ولا يجب أن يقع في هذا الكمين الإعلامي الرأي العام المصري بأي حال، الأقرب إلي الحقيقة أن حزب الوفد الجديد خاصة بعد ما لحقه من تجديدات هو الوعاء الأقرب إلي تمثيل المعارضة المصرية في الحقبة المقبلة إذا استمر علي منهج التجديد والتصحيح.
الخطوة الإيجابية الجديدة في هذا العام الانتخابي هو نمو علاقة إيجابية بين الحزب الحاكم وبين جانب من المعارضة قرر أن يعارض ولا يعاند وقدم ورقة بمطالب يراها ضرورية لضمان نزاهة الانتخابات، ورد عليها الحزب الحاكم بورقة أخري وافق فيها علي بعض تلك المطالب، ربما يعتبر البعض أن الحزب الحاكم استجاب لمطالب شكلية دون المطالب الجوهرية، ولكنني أعتبرها في مجملها خطوة لم يسبق لنا أن رأيناها خلال الخمسين سنة الماضية، وأعتقد أن لها ما بعدها.