
عبد الرحمن رشاد
الخطاب الاقتصادى وبناء الوعى العام..
قلنا إن وعى الإنسان بدايته التنشئة فى الأسرة والتعليم فى المدرسة، وهذا هو الخطاب التعليمى الذى يستمر رافدا يفيض على وعى الإنسان ما دام الإنسان مستمرا ومثابرا فى التعلم واكتساب المهارات وبناء قيمه واتجاهاته وسلوكياته واختياراته المجتمعية.
ومن روافد الوعى الخطاب السياسى الذى يأتى من النخبة الحاكمة أو الزعيم أو الرئيس، وفى ضوء هذا الخطاب السياسى وفى التعلم منه يتشكل الوعى سياسيا.. مفردات الخطاب السياسى ومحتواه تعد رافدا مهما للغاية فى وعى المواطن سواء بالقبول أو الرضا أو حتى الرفض وسأخصص مثالا قادما عن الخطاب السياسى المصرى ووعى المواطن المصرى بعد ثورة 30 يونيو 2013.
رافد آخر شديد الأهمية والحيوية فى بناء الوعى هو الخطاب الاقتصادى السائد فى المجتمع سواء الخطاب الذى يقال على ألسنة المسئولين فى مجتمع ما أو طبيعة النظام الاقتصادى أو مفردات وقاموس التعبير عن قراراتهم الاقتصادية، ليس لأن الخطاب الاقتصادى يمس حياة المواطن: مأكله ومسكنه ومشربه، فالاقتصاد فى تعريفه البسيط هو البحث عن توفير حياة أفضل للبشر عن طريق حل هذا التناقض الحاصل بين ندرة الموارد وتوافر الطلب.. الاقتصاد هو علم وفن حل المشكلة الاقتصادية بتوفير وتلبية رغبات الإنسان فى المجتمعات البشرية.
أقرب مثال على أن الخطاب الاقتصادى رافد أساسى فى نهر الوعى ما حدث فى الانتخابات الأمريكية مؤخرا.. المرشح الجمهورى والرئيس السابق دونالد ترامب خاطب المواطن الأمريكى باتجاه الوعى بالاقتصاد ولم يعبأ بقضايا أخرى تحدثت بها منافسته الديمقراطية، الناخب الأمريكى رأى أن السيدة هاريس تتحدث عن قضايا تأتى فى مرحلة ثانية أو ثالثة بعد الاقتصاد، هو شاغله الاقتصاد الذى يعنى الأسعار ويعنى التضخم والضرائب والبطالة والقادمين من دول أخرى ينافسون المواطن الأمريكى فى بلده.. ترامب فاز فى خطابه الاقتصادى وهاريس خسرت بخطابها الاقتصادى لأنه لم يكن بأهمية قضايا أخرى كانت تتحدث بها، ألح ترامب على عودة أمريكا العظيمة كيف باقتصاد أفضل وأقوى فهو عندما يتحدث عن فرض جمارك على الواردات من الصين فهو يعنى بذلك قوة المنتج الأمريكى وهو يرفض فرض ضرائب على الشركات الكبرى وهذا يعنى مزيدا من الاستثمار والتوظيف وهو عندما يطالب بعودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم وترحيلهم من الولايات المتحدة فهو يحافظ على وظائف للأمريكيين.. كل هذه تفاصيل فى خطابه الاقتصادى قد تتفق أو تختلف عليها، لكنه أدخلها فى روع الناخب الأمريكى وسقاها لوعى الناخب فذهب ليمنحه صوته ولم يلتفت لكل ما يثار عن شخصية ترامب.
أما القضايا الأخرى التى بوعيه وإرادته فهم المواطن الأمريكى أنها قد تؤجل أو ترحل وليس هذا وقتها.. إنه الاقتصاد مرة أخرى أيها الغبى، صيحة من إحدى مستشارى بيل كلينتون الرئيس الأسبق عندما كان مرشحا ديمقراطيا فى بداية التسعينيات القرن الماضى وبالاقتصاد وبخطاب الاقتصاد كسب كلينتون وقتها الانتخابات من المرشح الجمهورى والرئيس قوتها جورج بوش الأب وسكن كلينتون البيت الأبيض ثمانى سنوات بما حققه للمواطن الأمريكى على مستوى الاقتصاد والمعيشة، إنه الاقتصاد فى وعى الإنسان وهو القيمة الأولى فى حياته ولا نريد تكرار ما كتبه كارل ماركس أن التاريخ فعل اقتصادى فقط وإنما التاريخ قرار اقتصادى واع وعوامل أخرى تتعانق وتتآلف لتجدل وعى الإنسان.
يظل وعى الإنسان بنجوم السماء يبحث فيه عن حلول لمشكلات حياته فما دامت المشكلة الاقتصادية وهذه الفجوة بين الموارد والحاجات تعيش يظل الوعى يعمل ويدرس ليقدم المسئولون عن تشكيله إجابات أو رؤى أو حلولًا.>