الثلاثاء 11 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قماشة فنية كبيرة للأحداث والمفارقات الدرامية.. ولكن: عمر أفندى.. بين المتعة البصرية وهشاشة المضمون

عادة ما يكون الشغل الشاغل لأى عمل فنى هو الوصول بالمُشاهد لحالة الإيهام الكاملة يوهمه بشخصيات وأحداث وأماكن وأزمنة لا علاقة لها بالواقع ويحاول أن يعايشه معها لدرجة توهمه أنها حقيقية وواقع.



وهنا يحدث التماهى مع العمل الفنى ومنه يتحقق الاندماج العاطفى فينجح العمل، خاصة عندما تقوم فكرة العمل الفنى على التشويق والإثارة المبنية على الفانتازيا، وهنا تتضاعف جهود صناع العمل لإيصال المُشاهد لدرجة المعايشة والتصديق والاندماج، وفى هذه النوعية من الدراما هناك شعرة رفيعة جدا بين النجاح والفشل فلا منطقة رمادية بينهما، لكن هناك أعمالاً فنية من نوعية الفانتازيا وقفت فى المنتصف لا تستطيع أن تحكم عليها بالنجاح أو بالفشل، ولنا فى مسلسل (عمر أفندى) خير مثال.

 

مسلسل (عمر أفندى) يقوم على ما يسمى بالحبكة الحديثة، الحبكة التى لا حدود لزمانها أو مكانها، فهذا العمل الفنى اعتمد كل الاعتماد على كسر الزمان والمكان، ينتقل بين العصر الحالى وسنة 1943 أى منذ 80 عامًا، فكرة الانتقال بالزمن للماضى فكرة ليست مستحدثة لكنها مازالت تجذب المُشاهد بشكل كبير وتجعله يريد معايشة أى عصر آخر غير الحالى، وتلك هى القيمة الترفيهية الأهم لتلك النوعية من الأعمال الفنية، ولكن هل تحقق ذلك فى مسلسل (عمر أفندى)؟.. كرؤية مُشاهد قد استمتع الكثيرون بالمسلسل كنوع من الهروب من الواقع ومعايشة عالم مختلف عن عالمه، أما كرؤية نقدية تحليلية فلنا حديث آخر.

(عمر أفندى) عمل فنى «فانتازى» كوميدى أى ينقسم فى تحليله لشقين ونوعين من الدراما، فلو تحدثنا عن كونه «فانتازى» فقد نجح فى عناصر وأخفق فى أخرى، حيث تحقق عنصر الإيهام ومعايشة المُشاهد عالم مختلف، وتجسد ذلك فى الحوار على سبيل المثال سنة 1943، والمصطلحات المستخدمة مثل «حاجة 13» و«العربخانة» و«التياترو» و«أفندى» و«سى عمر»، وأيضا شكل الملابس مثل الطربوش وفساتين السيدات وملابس النوم المخططة بالنسبة للرجال، وتسريحات الشعر سواء للرجال أو النساء، إلى جانب الديكور الملائم لهذا العصر وطريقة إضاءة المشاهد الأكثر ميلا للألوان الدافئة مما يعكس هدوء سنة 1943 ودفء أناسه، أما لو تحدثنا عن عنصر التشويق والغموض الذى يقوم عليه هذا العمل الفنى فى الأساس فالمحرك الرئيسى للأحداث يتلخص فى السؤال: «ياترى هيحصل إيه» وهى حبكة الأزمة والحل، وقد أخفق (عمر أفندى) فى تحقيق ذلك فقد طال المط والتطويل أحداث العمل وتمضى الحلقات بدون أحداث تجذب المُشاهد لاستكماله، فأصيب الكثيرون بالفتور ناحية هذا العمل الفنى بالرغم من كونه قماشة فنية كبيرة للأحداث والمفارقات الدرامية بين العصرين لكن ذلك لم يحدث.

أما بالنسبة للشق الآخر وهو كونه عملا كوميديا فقد طاله الكثير من الأخطاء من تكرار الإفيه وافتقاد الإبداع فى طريقة سرده، وإن تحدثنا عن كوميديا الموقف فقد نجحت حينا وفشلت حينا آخر فى إضحاك المُشاهد، وذلك يرجع أيضا للاختيار السيئ أو بمعنى أدق «miscast» عدد من الفنانين المشاركين فى ذلك العمل، فتشعر كمُشاهد أنهم يمثلون شخصية لم يتعايشوا معها ويحبوها ويتماهوا معها فخرجت مصطنعة، لا روح فيها، ومنهم البطل «أحمد حاتم»، فبالرغم من كونه ممثل مميز فى أدوار وشخصيات آخرى تحمل طابع كلاسيكى وجاد نوعا ما لكنه لم يستطع التماهى مع شخصية «على» أو «عمر» وبالتالى لم يتقنها.

أما الفنانون الذين أجادوا وأبدعوا فى تجسيد الشخصيات وعايشوا المشاهد معهم حالة وروح هذا العصر، فهناك اسمان تستمتع كمتفرج بمشاهدهم وهما «آية سماحة» فى دور «زينات» بهدوئها ونعومتها الممزوجة بالكلام الجارح الذى يُضحكك، وعفويتها وروحها الخفيفة على الشاشة، وأيضا «مصطفى أبو سريع» فى دور «دياسطى» أكثر شخصية فى هذا العمل الفنى تُشعرك أنك رجعت بالزمن فعلا للوراء 80 سنة، فقد اجتهد فى مذاكرة الشخصية بأبعادها الجسمانية والنفسية فهو إضافة كبيرة ومهمة لهذا العمل الفنى، كما لا نستطيع أن ننكر موهبة الطفل «چان رامز» الذى تستمتع بمشاهده وقبوله الطاغى على الشاشة.

ومن هنا لا نستطيع أن نحكم على (عمر أفندى) بالنجاح أو الفشل، فهو عمل للتسلية فقط، افتقد لجانب الإثارة فى كثير من حلقاته لكنه يبقى مسلسل تشاهده فى وقت فراغك لتفصل عن واقعك لدقائق.