رغم إصداره أغنية واحدة خلال العام إلا أنه حديث وسائل التواصل: ويجز.. يثبت أن التسويق أهم من المحتوى الفنى!
محمد شميس
لا شك أن «ويجز» يعد واحداً من أهم مقدمى موسيقى الراب فى مصر والوطن العربى، وعلى عكس ما يقال عنه بشكل خاص وعن سوق الراب بشكل عام، بأن هذا المحتوى الغنائى لا يقدم أى قيمة فنية، بل على العكس تماماً، «ويجز» وغيره من الفنانين فى مجال الراب من الممكن أن نعتبرهم مرآة لأفكار الجيل الجديد من المراهقين والشباب.
فقد قدم «ويجز» مشكلة الهجرة غير الشرعية فى أغنية (21)، وقدم مشاكل اللاجئين فى أغنية (بعودة يا بلادى)، وقدم نظرة المراهقين لجدوى التعليم فى أغنية (ساليني).
ولكن هذه النوعية من الأغانى ربما تكون صنعت نجاحاً جماهيرياً لـ«ويجز» داخل الأوساط الجماهيرية المهتمة بالراب، ولكن الأغانى التى حققت له انتشارا جماهيرياً كبيراً كانت لا تحتوى على مناقشة مثل هذه المواضيع الهامة التى تحدثنا عنها فى السطور السابقة، فأشهر أغانى ويجز على الاطلاق حتى هذه اللحظة (البخت)، وهى أغنية عاطفية صنعت وكأنها محاكاة لما يقدم فى سوق موسيقى الـ«بوب» بشكل عاطفى، وكذلك أغنية (دورك جاى)، والتى ربطها الجمهور بالرد على «محمد رمضان» بعد فوزه بإحدى الحملات الدعائية لشركة تقدم مشروبات الطاقة وكان مرشحًا لها «ويجز» فى البداية!
ولكن بالنظر إلى انتاجات «ويجز» الفنية فى آخر عام سنجده مقلاً للغاية بالمقارنة مع زملائه مثل «مروان بابلو» و«مروان موسى» و«عفروتو» وأغلب مغنيين الراب، حيث أنه اصدر فى خلال عام، أغنية واحدة فقط، وهى اعلان لإحدى شركات الالكترونيات والهواتف المحمولة، صحيح أن هذه الأغنية ترند السوشيال ميديا حاليا وخصوصا على «ستوريهات»، منصات «تيك توك، فيسبوك، إنستجرام»، وحققت ما يقرب من 60 مليون مشاهدة على «يوتيوب» فى خلال شهر واحد فقط.
ومن هنا يأتى السؤال، هل أغنية واحدة فقط فى خلال عام، تكفى حتى يكون «ويجز» متصدرًا وسائل التواصل الاجتماعى على فترات متباعدة خلال العام، ويكون أحد نجوم مهرجان العلمين الكبير ويحظى بكل هذه الشعبية العريضة رغم قلة انتاجه الفني؟ فما السر وراء كل ذلك؟
الحقيقة عندما نقوم بمراجعة أسباب تصدر «ويجز» للتريند فى الشهور الماضية، سنجد أنه دائما ما كان يطرح اسمه فى أمور لا تخص المحتوى الفنى، فطيلة سخونة الأحداث فى غزة، كان «ويجز» عادة ما يشتبك على منصة «اكس» مع أحداث الحرب، وكان يعلن بشكل واضح وصريح رفضه لكل الممارسات الإسرائيلية، وهذا جعل أسهمه ترتفع لدى كل المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وهذا أمر طبيعى.
ولكن هناك أمور غير طبيعية كانت تحدث مثل تصدره للتريند على كل وسائل التواصل الاجتماعى بمجرد ظهور «عمرو دياب» فى أحد اعلانات شركة للمياه الغازية، والتى كانت تحمل شعاراً «خليك عطشان»، وانتشرت أخبار أن «ويجز» رفض ما يقرب من 18 مليون جنيه بسبب دعمه للقضية الفلسطينية، فى حين أن الحقيقة هى أن بداية هذه الحملة «خليك عطشان» بدأت بالأساس مع «ويجز» منذ عدة أشهر، ولم يعرض عليه أساسا أن يقدم اعلاناً بدلاً من «عمرو دياب»، لأنه كان جزءًا من الحملة الدعائية ودوره انتهى فيها، ورغم ذلك خرج «ويجز» منتصراً اعلامياً وزادت شعبيته، فى حين كان الهجوم على «عمرو دياب»، وهذا أمر مدهش، ومثير للاعجاب لأنه يحمل الكثير من التناقضات!
ولم تكن هذه الواقعة الوحيدة، التى تظهر تناقضات «ويجز»، فعندما قام أسطورة كرة القدم البرازيلية «رونالدينو» بالتقاط صورة من داخل أحد معالم القاهرة السياحية، دخل «ويجز» ورد على الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، بل وطالبه بالرحيل من مصر متغاضيا عن الشعبية الكبيرة التى يمتلكها هذا النجم الرياضى الكبير وهو ما قد يساهم فى جذب العديد من السياح لمصر، وأن تصرفه المتعصب غير المدروس يضر بالسياحة المصرية، فكانت حجة محبى «ويجز» والتى أشرف على طرحها للجمهور فريق التسويق الخاص به، أن «رونالدينو «كان قد رفع علم «اسرائيل» فى مناسبة من المناسبات قبل اشتعال أحداث 7 أكتوبر.
ربما يكون موقف «ويجز» عفويًا، من شاب مندفع، وتسيطر عليه الحماسة بسبب جرائم الاحتلال الاسرائيلى، ولكن الأزمة تكمن فى أن «ويجز» نفسه التقى صدفة بـ«رونالدينو» بعد ذلك بشهور قليلة، فى كواليس إحدى حفلاته فى مهرجان بنى غازى، وقام بالتقاط الصور التذكارية معه، ونشرها بنفسه، بعد أن هاجمه قبل ذلك وطالبه بالرحيل من مصر!
واقعة مثل هذه كان من المفترض أن تتسبب فى غضب محبى «ويجز»، ولكن الذى حدث كان عكس ذلك تماماً، فقد قام «ويجز» بمسح الصورة، وقام الفريق المسؤول عن الـ«PR»، لأعماله، بالترويج له كونه يعترف بخطأه ولذلك مسح الصورة، ليزداد تعاطف الجمهور معه، لكونه شاب يصيب وبخطئه ويقدر غضب الجمهور ولذلك ازال ما قد يتسبب فى غضبهم!
وفى نفس الحفلة التى قدمها «ويجز» فى بنغازى، وكان قد التقى «رونالدينو» فى كواليسها، ظهر المغنى الشاب المصرى على المسرح مرتدياً للجلباب الصعيدى، وهو أمر محمود للغاية، خاصة أن هذا الجلباب الصعيدى يعد من الملابس التراثية المعبرة عن هويتنا المصرية، ويعد اعتزازا أصيلا بوطنيتنا، وكان يكفى فقط التسويق للحدث من خلال هذا المنظور، ولكن ما حدث كان عكس ذلك، حيث انتشرت قصة مختلقة على وسائل التواصل الاجتماعى تقول أنه كان هناك شاب صعيدى منع من دخول أحد الأماكن الشهيرة فى منطقة التجمع الخامس بسبب ارتدائه للجلباب الصعيدى، فقام «ويجز» بارتداء الجلباب فى حفله الذى اقيم فى بنغازى تضامناً معه، لتزداد شعبيته أيضا، ولكن الحقيقة أن واقعة شاب التجمع كانت قد حدثت فى شهر مارس الماضى، بينما حفل بنغازى كان فى شهر أغسطس! ولكن عبقرية التسويق الالكترونى لـ«ويجز» كانت فى الربط بين الحدثين ببعضمها، وما زاد من شعبية هذه الواقعة، هو ارتداء «ويجز» للكوفية الفلسطينية على الجلباب المصرى.
وهكذا من المواقف الكثيرة على مدار العام الماضى، سنجد أن هناك اشاعات كثيرة وأحداث لا ترتبط ببعضها ولكن يتم تجميعها لخدمة «ويجز» بغرض زيادة شعبيته بأشياء لم تحدث من الأساس بالصورة التى يتخيلها الكثيرون، حتى أنها خلقت وعياً جمعياً ايجابيا لدى الأغلبية عن هذا الفنان الذى صار اسماً مهماً فى سوق الغناء، حتى أن لم يكن يصدر إلا اغنية واحدة خلال عام بأكمله، ورغم ذلك كان يتصدر تريندات وسائل التواصل الاجتماعى على مدار شهور متتالية.
وبمناسبة قوة فريق الـ«PR» المسؤول عن أعمال «ويجز»، فأغنيته الأخيرة التى صدرت كإعلان لشركة تصنع الهواتف المحمولة، لا تقدم أى ميزة من مميزات المنتج المعلن عنه، بل أن الأغنية جاءت كرد من «ويجز» على أغنية «عفروتو» التى قدمها مع «مروان موسى» فى أغنية (منوعات)، والتى قالا فيها عن «ويجز»، «ع الأقل مش زى التانى اللى خد من المجال وساب، مش هذكر إسمه، يا ويجز ازاى تسيب الراب؟»، وهنا المقصود أن «ويجز» غاب لمدة عام عن إصدار أى اغانى واتجه إلى الاشتباك على منصة اكس مع كل منتقدى أفعال حماس، وترك وظيفته الحقيقية كـ«مغنى».
فكان الرد من «ويجز»، «شوف انت بتعرف تعمل ايه، وهو بيعمل ايه» وهنا يقصد «مروان موسى وعفروتو»، ويؤكد أنه بمفرده قادر على أن يقوم بكل ما يمتلكه هذا الثنائى من أفكار فنية، وذلك عندما قال فى أغنية الإعلان «بعرف اعمل الاتنين».
هذه الطريقة من الرد على المنافسين فى الأغانى تصنف كـ «Diss track»، وفى الغالب هذه النوعية من الأغانى تلقى شعبية من داخل الأوساط العاشقة للراب فقط، ولكن مع «ويجز» بالتحديد انتشرت الأغنية بشكل شعبى، خارج إطار محبى الراب المصرى، وذلك لأن فريق التسويق الخاص بـ«ويجز» استطاع أن يربطها باهتمامات العامة من الشباب، حيث انتشر هذا المقطع كـ»ميمز» و«كوميكس»، على وسائل التواصل خاصة بين الشباب التى ليس لديها أى طاقة فى بذل أى مجهود، مثل «شوف انت تعرف تعمل ايه وهو بيعرف يعمل ايه، واعملوه لوحدكم لأنى معنديش طاقة»، وهكذا، فزادت شعبية هذا المقطع الذى هو فى الأساس رد على منافسى «ويجز».
بالإضافة إلى استخدام نفس المقطع بشكل تحفيزى على الفيديوهات المصورة للكثيرين من مستخدمى مواقع التواصل، مثل تحديات المهتمين برياضة كمال الأجسام ورفع الأوزان الثقيلة، وما إلى ذلك من الاستخدامات التى تسببت فى انتشار شعبية الأغنية.
ولذلك تجربة «ويجز» تعلمنا أن الفن حتى لو كان جيداً، فمن الممكن أن لا ينتشر ولا يحقق النجاح الجماهيرى، فزملاء «ويجز» فى مجال الراب أكثر اخلاصاً منه، ويحاولون عنه، ويغامرون أيضا، وقطعاً ينتجون أعمالا بكثافة كبيرة، ورغم ابتعاده على مدار عام عن إصدار أى أعمال سوى أغنية (كأس عالم قطر)، إلا أن شعبيته تزداد، وكل هذا بفضل مفهوم التسويق المبتكر الذى يعتمد عليه هذا الشاب السكندرى الذكى!