الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الثورة الأوليمبية!

الثورة الأوليمبية!

أثار تجسيد لوحة العشاء الأخير للمسيح بشخوص يمثلون المثلية فى حفل افتتاح أولمبياد باريس الكثير من اللغط والنقد والهجوم من قبل غالبية المتابعين فى العالم العربى ومن قبل غالبية المحافظين فى الغرب باعتبار هذا التجسيد من جانب يروج للشذوذ المنافى للأخلاق السوية ومن جانب آخر باعتباره إساءة للدين وللمسيحية وقيمها التى ترفض المثلية والعلاقات الجنسية المخالفة للطبيعة البشرية.



 

إلا أن هناك أمرًا آخر لم أجد له صدى بالشكل الذى كنت أتوقعه، ربما لأن الجموع فى غالبها لا ترى إلا ما تفهم أو لأن الحكم على ما اعتادت الحديث به أسهل من التفكير والتحليل لما يمر أمامها دون أن تعيه أو تهتم فيه أو تأمن فى الحديث عنه، فحفل الافتتاح الذى شاهده العالم كان لافتًا فيه أنه يبعث برسالة سياسية واضحة وضوح الشمس مفادها الافتخار بالثورة التى صنعت من فرنسا الدولة الحديثة التى هى عليه الآن.

 

من حق أى دولة أن تفتخر بمنجزاتها الذاتية، هذا أمر لا خلاف فيه، ولكن الأمر هنا يتجاوز الافتخار بإقحام السياسة بالرياضة، وهو أمر طالما دأب الغرب على شيطنته باعتباره يتضاد مع الروح الرياضية التى تسمو وتتجاوز بمنافساته الخلافات السياسية بين الشعوب وتجمع على ملاعبها بين المختلفين.

 

عندما عملت السعودية قبل نحو عامين على شراء أحد الأندية الإنجليزية قامت الدنيا فى الغرب عبر وسائل إعلامها بالهجوم على السعودية والحديث عما يسمونه بالتبييض الرياضى، على أساس أن السعودية تريد من شراء ذلك النادى تبييض سمعتها فى الغرب مما التصق بها مما يصفه الغرب بالتجاوزات السياسية ومن ملفها فى حقوق الإنسان، فشنّت الحروب الإعلامية فى محاولة لإفشال أى عملية استحواذ سعودية.

 

هذا مثال على شيطنة إدماج السياسة فى الرياضة كما يراها الغرب، ولكن دعونا لا نبعد عن الأولمبياد، ففى كل مرة ومنذ عقود طويلة عندما ينسحب رياضى عربى من مواجهة رياضى من دولة الكيان الصهيونى لأسباب لا يمكن تفسيرها إلا بأنها نابعة من أسباب سياسية نجد حواجب الغربيين ترتفع وعبارات الاستهجان والتهكم تقال وحالة من الاشمئزاز تطفو فى موقف هؤلاء الغربيين حيال العربى ومحدودية نظرته للعالم وللرياضة ودورها فى بناء الجسور وإصلاح ذات البين كما يقولون! حرية، مساواة، أخوة، هذه الكلمات الثلاث هى شعار الثورة الفرنسية التى تضمنته فقرات حفل افتتاح أولمبياد باريس، وهى بدون شك معانٍ رائعة ومبادئ يجب أن تكون نبراسًا لكل الشعوب الحية، ولا شك فى أن منبع هذه المعانى الرائعة لم تكن نتاج ثورة قتل وتدمير قام بها جموع من الرعاع، بل نتاج عقول وأفئدة مفكرين وفلاسفة سبقوا الثورة وألهمت كلماتهم الشعور بأهمية تحقيقها فى حياتهم، وعليه، فالإشكال ليس فى المعانى الإنسانية التى استلهمتها الثورة من مفكرى فرنسا العظماء، بل فى فعل الثورة نفسه باعتباره أداة للتغيير الجذرى لحياة الشعوب.

 

ما الرسالة التى أرادت فرنسا أن توصلها بمشاهد قطع رأس الملكة انطوانيت، وانفجارات الدماء التى انبثقت من واجهات المبانى الفاخرة، هل أن الطريق الوحيد للتحرر هو بالثورة الدموية؟ هل المثليون فى بلاد العالم لابد أن يثوروا ليأخذوا حقوقهم؟ هل أمل الدول والشعوب فى بناء المدن الباريسية لا يكون إلا باتباع دليل فرنسا الثورى؟  نعلم جميعًا أن الحرية والمساواة والأخوة شعارات تنطبق أيضًا على الرياضة وروح الألعاب الأوليمبية، ولكن مشكلتى مع ذلك تكمن فى علاقة ثورة الدماء والقتل والتدمير بالرياضة والرياضيين.

 

كاتب وإعلامى سعودى مقيم فى واشنطن