الأحد 8 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ألحقت أضرارا كبيرة بالأسطول البحرى الروسى: القوارب الانتحارية.. سلاح أوكرانيا الفعال لحماية الإمدادات الغذائية العالمية

مع إغلاق الحرب طرق الشحن فى البحر الأسود خلال صيف عام 2022، فعل ڤولوديمير ڤاربانيتس ما يقول إن معظم زملائه المزارعين فى منطقة أوديسا فعلوه بمحاصيلهم. ويقول صاحب مزرعة تبلغ مساحتها 540 فدانا، حيث يزرع القمح والشعير وعباد الشمس، ومحاصيل أخرى فى التلال: كان التصدير صعبا ومكلفا مع إغلاق الطرق البحرية، لذلك احتفظنا بمحاصيلنا فى الصوامع، خارج مدينة أوديسا الساحلية. لكن هذا العام، يتوقع ڤاربانيتس العودة إلى تصدير نحو 70 % من محاصيله إلى الأسواق الخارجية، كما يقول، بفضل قدرة الجيش الأوكرانى على إعادة فتح ممر التجارة البحرية على طول ساحل البلاد على البحر الأسود. وفى ذلك يقول مدير جمعية المزارعين فى منطقة أوديسا التى تضم 4200 عضو: لا أعرف بالضبط ما هى الدول التى تتلقى القمح والمحاصيل الأخرى. ويضيف وهو يقف فى حقل من القمح المتموج: ما أعرفه هو أن الحبوب الأوكرانية مطلوبة لإطعام العالم، تماما كما يجب علينا أن نبيع تلك الحبوب لمواصلة الزراعة.



 

 

 

والواقع أن عودة الحبوب الأوكرانية إلى سوق الغذاء العالمية تشكل خبرا جيدا ليس فقط بالنسبة لمزارعى البلاد، بل أيضا بالنسبة للعديد من الدول النامية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا التى اعتمدت على واحدة من سلال الخبز الرئيسة فى العالم، لإمداداتها الغذائية قبل الهجوم الروسى فى فبراير 2022. ومع تعطيل الحرب لطرق التجارة التى كانت تنقل قسما كبيرا من صادرات أوكرانيا من الحبوب، وغيرها من الصادرات الغذائية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى السماء، وانتشر انعدام الأمن الغذائى على مستوى العالم. وقد خففت صفقة تجارة الحبوب متعددة الجنسيات أزمة الغذاء إلى حد ما، حتى انسحبت روسيا من الصفقة فى يوليو 2023. ولكن على مدار العام الماضى، أدى النجاح المذهل وغير المعلن إلى حد كبير الذى حققته أوكرانيا فى فتح ممر شحن آمن ويمكن الاعتماد عليه فى البحر الأسود، إلى وضع البلاد على المسار الصحيح لإعادة صادراتها من الحبوب إلى مستويات ما قبل الحرب تقريبا. ووصلت صادرات أوكرانيا من الحبوب فى أبريل إلى 6.3 مليون طن، وهو أكبر عدد منذ شهر واحد قبل الحرب.

وفى تقرير لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور قالت أن هناك عدد من التفسيرات لهذا النجاح، لكن ربما يكون أهمها تطوير أوكرانيا قوارب صغيرة غير مأهولة بدون قائد دفعت خلال الأشهر الأخيرة، البحرية الروسية الهائلة بعيدا عن الساحل الجنوبى لأوكرانيا، وعن الموانئ البحرية الرئيسة مثل أوديسا. وقد تسببت القوارب غير المأهولة التى تشبه الزوارق السريعة الصغيرة ويمكنها حمل ما يصل إلى 1000 رطل من المتفجرات، فى إغراق عدد كبير من السفن البحرية الروسية، مما اضطر روسيا إلى سحب عملياتها البحرية إلى مياه أكثر أمانا. ويقول الجيش الأوكرانى إنه من بين 80 سفينة حربية خصصتها روسيا للبحر الأسود قبل الحرب، تم تدمير ثلثها على الأقل أو تعطيلها وقد تسببت القوارب الانتحارية الصغيرة فى كثير من هذا الضرر.

ويقول دانييل فيوت الذى يرأس برنامج الدفاع وفن الحكم فى كلية بروكسل: إن هذه القوارب غير المأهولة تشبه المقلاع فى أيدى الأوكرانيين عندما يهاجمون الروس. ويضيف: إنها قادرة على العمل ليلا ونهارا وتوجيه ضرباتها القاتلة بشكل مفاجئ، ويمكننا أن نرى الأدلة التى تثبت أنها تؤثر بشكل كبير فى الروح المعنوية الروسية. ويرى فيوت أن هذا يعد دليلا على خسارة روسيا لهيمنتها على البحر الأسود. ويضيف الخبير البلجيكى أن اللدغة بلا شك أكثر حدة، لأنها تأتى على يد دولة ليست لديها قوة بحرية يمكن الحديث عنها. والقوارب المحلية بدون ربان ليست كافية لتحديد مسار الحرب التى تظل فى المقام الأول عبارة عن معركة برية شاقة على حدود أوكرانيا الشرقية والشمالية مع روسيا، ولكن السفن تلعب دورا حاسما فى إحباط هدف الرئيس الروسى ڤلاديمير بوتين المتمثل فى تركيع الاقتصاد الأوكرانى كما يقول العديد من الخبراء والمسئولين. وبالنسبة للروس، فمن الواضح أن هذه الحرب اقتصادية.

ويقول أرتيم فاشتشيلينكو، منسق خطة مجتمع الأعمال لبناء اقتصاد جديد متنوع فى ميكولايف، عاصمة بناء السفن السوڤييتية السابقة: إن الأمر كله يتعلق بتدمير نقاط القوة الصناعية والاقتصادية فى أوكرانيا. ويوضح: عندما بدأت الحرب كانت السفن البحرية الروسية الكبيرة عنصرا مهما فى هذه الحرب الاقتصادية. لقد سيطرت على البحر وأثارت الخوف فينا، ما أدى إلى خنق اقتصادنا. ويضيف: لكن هذه القوارب الصغيرة غيرت نموذج الحروب البحرية. ورسالتها هى: لا تخافوا من الروس، الآن حان دورهم للخوف منا.

ومع ذلك، فإن القوارب البحرية بدون ربان ليست حلا سحريا للساحل الجنوبى لأوكرانيا. وعلى الرغم من فاعليتها، فإنها لا تساعد ميكولايف، الواقعة على مصب النهر وقبالة قطعة أرض تسيطر عليها روسيا. وخلال الأشهر الماضية، أثبتت القوارب أنها غيرت قواعد اللعبة على بعد 80 ميلا غربا فى الموانئ فى أوديسا وقربها. ويقول دميترو بارينوف، نائب الرئيس التنفيذى لهيئة الموانئ البحرية الأوكرانية فى أوديسا: لدينا الآن 100 سفينة شحن يوميا تريد أن تأتى وتحمل الحبوب الأوكرانية وخام الحديد، وهى زيادة كبيرة على ما كانت عليه قبل عدة أشهر فقط، موضحا: نحن مدينون بالكثير من هذا النجاح للقوارب الهجومية غير المأهولة، وبعض الضربات الصاروخية التى دمرت كثيرا من السفن الروسية التى هددت موانئنا وممراتنا الملاحية. ويبتسم بارينوف وهو يعرض خريطة توضح الانسحاب المستمر للسفن الحربية الروسية بعيدا عن أوكرانيا إلى مياه البحر الأسود الأكثر أمانا جنوبا وشرقا: لقد قاموا بإزالة سفنهم حتى من شبه جزيرة القرم (شبه الجزيرة الأوكرانية التى أحتلتها روسيا منذ عام 2014).

ويقول بارينوف إن الممر التجارى الأوكرانى الذى يعانق ساحل البلاد على البحر الأسود حتى يصل إلى المياه الآمنة لدول الناتو المجاورة كان بمثابة نعمة للاقتصاد الأوكرانى الذى مزقته الحرب، لكنه يضيف أنه يوفر أيضا الإغاثة للجياع فى العالم. ويقول المسئول الأوكرانى: عندما تتذكر أن نصف الإمدادات الغذائية لبرنامج الغذاء العالمى تأتى من الحبوب الأوكرانية، فإنك تدرك أهمية هذا الممر التجارى للناس فى أجزاء كثيرة من العالم. وبالنظر إلى المستقبل، يقول بارينوف، إن أستمرار أمن الممر التجارى سيكون أمرا بالغ الأهمية لتحقيق الهدف التالى لموانئ أوكرانيا، وهو توسيع الصادرات إلى ما هو أبعد من الحبوب التقليدية وخام الحديد، إلى السلع الأخرى، بما فى ذلك الأسمدة ومواد البناء ومنتجات الصلب. ويضيف أن الموانئ البحرية ضرورية لإعادة بناء اقتصاد أوكرانيا، والممر التجارى هو ما سيسمح للموانئ بتحقيق هذا الغرض.

ويقول الدكتور فيوت: إن القوارب الانتحارية البحرية المصنوعة فى أوكرانيا تخترق العمق الفائق الذى اعتقد الروس أنهم يمتلكونه فى البحر الأسود. ويضيف: هذا يخبر العالم أن أوكرانيا تمتلك المعرفة والقاعدة الصناعية الدفاعية القادرة على القيام بذلك. لكنه يخبرنا أيضا بشىء عن الكيفية التى تحاول بها أوكرانيا وضع نفسها فى عالم ما بعد الحرب. ويقول المحللون إن نجاح أوكرانيا من المرجح أن يتم ملاحظته فى المناطق التى تعانى من توترات جيوسياسية مماثلة. يقول أولكسندر كوڤالينكو، المدير العسكرى والسياسى لمجموعة المقاومة المعلوماتية، وهى مؤسسة بحثية دفاعية مقرها فى أوكرانيا: يمكننا القول إن أوكرانيا هى الدولة الأولى فى العالم التى تتمتع بخبرة فى تطوير ونشر هذا النوع من القوارب الانتحارية فى ظروف قتالية حقيقية فى كييف. قد نجد الولايات المتحدة تشترى منا القوارب الانتحارية فى يوم من الأيام، لماذا لا؟ لكننى أعتقد أنه سيكون من الأفضل بالنسبة لشركاء الولايات المتحدة مثل تايوان على سبيل المثال أن تكون هذه التكنولوجيا ذات أهمية كبيرة.

يقول الدكتور فيوت إنه يتخيل أن أوكرانيا تفكر بشكل كبير وهى تفكر فى كيفية الاستفادة من استخدامها الناجح للقوة الصناعية والمعرفة لاختراق عدم التماثل الذى واجهته على البحر الأسود. ويقول: إنهم يرون بوضوح الدور الذى يمكن أن تلعبه هذه القاعدة الصناعية الدفاعية المبتكرة وهم يتطلعون نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسى (الناتو) والاتحاد الأوروبى فى المستقبل. إنه يضعهم كمتقدمين لديهم شىء جذاب للغاية ليطرحوه على الطاولة.