تحرك مصرى جديد قوبل بالترحاب من القوى السياسية السودانية.. مؤتمر القوى المدنية السودانية محاولات لبناء السلام الشامل
بعد ما يقرب من عام على استضافتها فى يوليو الماضى قمة دول جوار السودان لبحث الأزمة وإنهاء الحرب، أعلنت مصر من جديد عن استضافة مؤتمر للقوى السياسية المدنية فى السودان نهاية يونيو فى تحرك مصرى جديد فى الأزمة السودانية، وأشارت إلى أن المؤتمر يهدف للوصول إلى توافق بين تلك التشكيلات على «سبل بناء السلام الشامل والدائم فى السودان»، عبر حوار سودانى - سودانى.
وتأتى التحركات المصرية بعدما فشلت مبادرات عدة فى إعادة الجيش وقوات الدعم السريع إلى طاولة الحوار مجددًا، ودخلت الحرب عامها الثانى دون إحراز أى تقدم فى المفاوضات منذ مايو 2023.
ووقع الجيش وقوات الدعم السريع فى 11 مايو 2023، اتفاقًا فى مدينة جدة، برعاية من السعودية والولايات المتحدة، ينص على «حماية المدنيين، وحماية جميع المرافق الخاصة والعامة والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية».
ولم يتم تنفيذ الاتفاق. وتبادل الطرفان الاتهامات بعدم الالتزام بما تم التوافق عليه فى جدة.
ورحبت قوى سياسية سودانية من تيارات متعددة بالمؤتمر، وأكدت مشاركتها فى فعالياته «بما يقود إلى إنهاء الحرب فى السودان».
فرصة مهمة
وأشار محللون إلى أن المؤتمر «فرصة مهمة» لا يجب أن تضيعها الأطراف السودانية، وأن تحرص على نجاحه لإخراج السودان من النفق المظلم.
وأشار البعض إلى أن المؤتمر يمكن أن يقود إلى توافق بين المكونات السودانية على الحد الأدنى، إذا قدمت التنازلات المطلوبة وتخلت عن الخلافات الحزبية.
كما شددوا على ضرورة أن تترك المكونات السياسية السودانية المواقف المسبقة، وأن تدخل إلى الحوار دون شروط، وأن تضع نصب أعينها المعاناة التى يعيشها السودانيون.
وقد تحركت مصر فى جانب مهم، لأن اتفاق القوى السياسية السودانية على المرتكزات الرئيسية سيقود طرفى الحرب إلى طاولة المفاوضات مجددًا.
وتملك مصر علاقات مميزة مع معظم القوى السياسية السودانية، كما أن أغلب قادة الأحزاب يقيمون الآن على أراضيها، وهذا يزيد من فرص نجاح المؤتمر.
كما تقف مصر الآن على مسافة متساوية من كل المكونات السياسية، بعد أن تمكنت من ترميم علاقتها الفاترة مع القوى المدنية التى حكمت السودان عقب سقوط نظام البشير.
وكان رئيس الوزراء السودانى السابق، رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، عبد الله حمدوك، أجرى فى مارس الماضى، مباحثات مع عدد من المسئوليين المصريين، تناولت سبل إنهاء الحرب فى السودان.
فرص النجاح
فى المقابل، يشير المحلل السياسى السودانى، عبد المنعم الزاكى، فى تصريحات صحفية - إلى أن «فرص نجاح مؤتمر القاهرة تبدو ضئيلة، لأن التجربة والممارسة دللت على استحالة اتفاق القوى السياسية السودانية حتى على الثوابت».
وقال الزاكى إن «المؤتمر واجه عقبات كثيرة، حتى قبل انطلاقه، وأخطر تلك العقبات موقف الحكومة التى طالبت بشروط تبدو مستحيلة، وبعضها مستفز».
وأضاف «طلبت الخارجية السودانية من مصر فى بيان رسمى، تحديد الشركاء الإقليميين والدولييين الذين يمكن أن يشاركوا فى المؤتمر، وأبدت رفضًا لمشاركة الاتحاد الأفريقى ومنظمة إيغاد، ومن سمتهم داعمى ميليشيا الدعم السريع».
وأشار المحلل السياسى السودانى إلى أن «بيان وزارة الخارجية طالب بإشراك ممثلى المقاومة الشعبية، وهى لجان تشكلت بعد الحرب لدعم الجيش، يتهمها كثيرون بأنها واجهة لنظام الرئيس السابق عمر البشير».
وتابع قائلًا: «لا أعتقد أن القوى السياسية السودانية يمكن أن تسمح بمشاركة ممثلين لنظام البشير فى المؤتمر، سواء من خلال المشاركة المباشرة، أو من خلال واجهات شعبية أو سياسية، مما يضع عقبات أخرى فى طريق المؤتمر».
ولم تحدد القاهرة الجهات المشاركة فى المؤتمر، وقالت فى بيان لوزارة خارجيتها إن «المؤتمر سيجرى بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، ومشاركة كافة القوى السياسية المدنية السودانية».
وتعلن أحزاب سودانية عدة مواقف رافضة لمشاركة نظام البشير فى أى مفاوضات لإيقاف الحرب، وفى أى عملية سياسية بعد توقف القتال.
وعقب إعلان مصر عن المؤتمر، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا رحبت فيه بالفعالية، لكنها طالبت القاهرة بتوضيح الشركاء الإقليميين والدوليين الذين سيحضرون المؤتمر وشددت على ضرورة أن «لا يتجاوز دورهم دور المراقب».
وتمسكت الخارجية السودانية بمشاركة المقاومة الشعبية فى المؤتمر، وأعلنت رفضها مشاركة الاتحاد الإفريقى ومنظمة إيغاد «ما لم يسبق ذلك خطوات فعلية لرفع تجميد نشاط السودان بالمنظمة القارية».
وكان الاتحاد الأفريقى علّق عضوية السودان عقب سيطرة الجيش على السلطة فى 25 أكتوبر 2021، وطالب بإعادة الحكومة المدنية بقيادة حمدوك.
وفى حين يرى الزاكى أن كثيرًا من مطالب الخارجية السودانية «غير منطقية»، وأنها قد تعرقل المؤتمر، أشار المنصور إلى أن «الخارجية لا تريد أن يكون المؤتمر تكرارًا لمبادرات سابقة لم تحقق اختراقًا فى الأزمة، ولذلك وضعت تلك المطالب».
ولفت إلى أن «مصر تتحرك فى الأزمة من منطلق أنها من أبرز المتضررين من تداعيات استمرار القتال، ومن تدفق السودانيين إلى أراضيها، بخاصة فى ظل الوضع الاقتصادى الذى تعيشه حاليًا، مما يعطى تحركاتها فاعلية أكثر».
ووفق إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فقد بلغ عدد السودانيين الذين وصلوا إلى مصر منذ اندلاع الحرب فى السودان، أكثر من 317 ألف لاجئ.
وتعمل مصر على جمع مكونات سياسية سودانية داعمة للجيش، مع أخرى متهمة بأنها تساند قوات الدعم السريع، للوصول إلى مشتركات تسهم فى إنهاء الحرب.
ولتوفير فرص نجاح المؤتمر ينبغى تحديد أجندته بدقة، حتى لا ينزلق المشاركون لمناقشة قضايا جدلية معروف أنها تفرق بين المكونات السياسية السودانية.
كما يتوجب على القوى السياسية السودانية التخلى عن مناقشة القضايا الخلافية مثل الهوية وعلاقة الدين بالدولة وما إلى ذلك، وأن تركز على بحث كيفية إيقاف القتال، وأن تترك تلك القضايا لما بعد انتهاء الحرب.
معظم المكونات السياسية تقول إنها مع وقف الحرب، ولذلك سيختبر المؤتمر صدقية تلك القوى، خاصة تنسيقية «تقدم» التى ترفع شعار لا للحرب.
وقد وصف كثيرون ما ورد فى بيان الخارجية السودانية بأنه شروط، «لكن عندما تواصلنا مع الخارجية السودانية، قالت إنها حريصة على نجاح المؤتمر، لذلك طالبت بتلك النقاط».
ويرجح المحللون أن نجاح المؤتمر سيمهد الطريق أمام إنعاش مفاوضات منبر جدة فى السعودية بين الجيش وقوات الدعم السريع، بما يقود لإنهاء الحرب.
وأدت الحرب فى السودان إلى مقتل آلاف السودانيين، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص فى مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء فى الأمم المتحدة.
كما دفعت الحرب البلاد، البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلًا، وتسببت بتشريد أكثر من 8.5 مليون شخص، حسب الأمم المتحدة.