الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد مرور عام على الحرب نتيجة الخلافات الداخلية الحرب فى السودان أوجاع مستمرة ونزيف من الخسائر

مر عام على الحرب السودانية التى اندلعت نتيجة خلافات سياسية وعسكرية داخلية مركبة ومعقدة، وتحت مظلة صراع إقليمى ودولى لا يقل تعقيدًا، وخلال هذا العام تغير المشهد الديموغرافى والإنسانى، ليس فى السودان فحسب، بل أيضًا فى الجوار السودانى المباشر والمتاخم، حيث رحل الناس عن بيوتهم مرغمين ومروعين بالملايين التى تحصى بالثمانية، كما يتهدد ربع السكان قريبًا جوع ومجاعة قاسية.



على المستوى الاقتصادى فقد السودان 80 فى المئة من مقدراته، معظم بنيته التحتية الضعيفة أصلًا باتت ركامًا، وربما يكون قد عاد قرنًا ونيفًا إلى الوراء، إذ تتفكك حاليًا مكوناته ويتهتك نسيجه الاجتماعى إلى مراحل ما قبل الدولة وتصعد العصبية العرقية والقبلية معًا لتتوج غالبية التفاعلات المحلية.

 الصراع السياسى

فى هذا السياق نرصد أنه فى مراحل الصراع السياسى الداخلى، أى فى مرحلة ما قبل الحرب، لم يتخطَّ معدل النمو الاقتصادى 0.3 فى المئة بنهاية عام 2022 طبقًا لإحصاءات البنك المركزى، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الأغذية والوقود والأسمدة بأكثر من 400 فى المئة، وتراجعت قدرة الحكومة على دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعى، وقلّص المزارعون أيضًا المساحات المزروعة بصورة كبيرة، مما أسهم فى تفاقم أزمة القدرة على تحمل الكلفة وإنتاج الغذاء.

أما على صعيد صادرات السودان، فتراجعت بنسبة 50 فى المئة قبل الحرب، وغير مرصود حجم التقلص منذ أكثر من عام، إذ شكل الذهب أكثر من 50 فى المئة من إجمالى الصادرات والبذور الزيتية 18 فى المئة والوقود 10 فى المئة والحيوانات الحية سبعة فى المئة، فضلًا عن السمسم والصمغ العربى واللحوم المجمدة، وكلها صادرات مؤثرة فى معدلات نمو الاقتصاد السودانى وكذلك بعض دول الجوار المباشر مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان اللتين تعتمدان فى سلعهما الغذائية بنسبة 70 فى المئة على ما ينتج فى السودان مثل الدقيق والزيوت وصلصة الطماطم والسكر وغيرها، وتعتبر مصر من أهم الشركاء التجاريين للسودان سواء فى التصدير أو الاستيراد، وبناءً على معطيات الصراع الذى يدور تأثرت التجارة بين مصر والسودان نتيجة تأثر المعابر والمنافذ الحدودية.

وكنتيجة مباشرة للصراع العسكرى توقفت الاستثمارات الزراعية فى السودان، خصوصًا الخليجية، إذ خرج ما يتجاوز الـ20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، منها بعض الاستثمارات للسعودية التى كانت وصلت إلى نحو 35 مليار دولار، بينما تخطت استثمارات دولة الإمارات 7 مليارات دولار، وفى ما يتعلق بالمشاريع المصرية فى السودان فقد بلغت نحو 229 مشروعًا غالبيتها لقطاع الأعمال الخاص برأسمال نحو 10.8 مليار دولار أثناء الفترة من 2000 وحتى 2013، إضافة إلى مشاريع الدولة فى الربط البحرى والبرى والكهربائى بين الجانبين.

أما الاستثمارات والمشاريع الصينية فى السودان، فتخطت 5 مليارات دولار، والاستثمارات القطرية 4 مليارات، وكذلك الاستثمارات الكويتية بنحو 6 مليارات دولار.

إجمالًا، أسفر الصراع المسلح السودانى عن فقد الدولة السودانية كثيرًا من مقدراتها، إذ تم تدمير 60 فى المئة من البنية التحتية المتوافرة، منها نحو 2000 مبنى حكومى بصورة كاملة أو جزئيًا، شاملة المنظومتين الصحية والتعليمية، كما تم تدمير جسور ومصافٍ للنفط تدميرًا جزئيًا، فضلًا عن توقف 400 منشأة صناعية فى مختلف المجالات، وتدمير 70 فى المئة من المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى خروج 10 ملايين طالب من العملية التعليمية فى المدارس والجامعات.

فى المحصلة، وطبقًا لتوقعات صندوق النقد الدولى، فإن حجم انكماش الاقتصاد السودانى غير مسبوق تاريخيًا، إذ وصل خلال عام 2023 إلى 18.3 فى المئة، وقدّر حجم خسائره الكلية بنحو 100 مليار دولار نتيجة الحرب، وفقدت العملة السودانية 70 فى المئة من قيمتها، فضلًا عن عجز الدولة عن تدبير مرتبات العاملين فى جهازها الإداري.

فى هذا السياق تشير تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية إلى حجم الكارثة الإنسانية فى السودان، والمترتبة على الصراع العسكرى من عدد من الزوايا، وربما يكون ما ورد ضمن أحد هذه التقارير دالًا على حجم الكارثة، إذ قال إن: «السكان شهدوا مصرع أحبائهم بالرصاص، وتعرضت النساء والفتيات للاعتداء الجنسى، ورأت العائلات ممتلكاتها تتعرض للنهب ومنازلها تحرق بالكامل».

 بلا مأوى

أما على صعيد المؤشرات الإحصائية، فنزح نحو 8 ملايين سودانى من مناطقهم، سواء داخليًا أو خارجيًا، إذ استقبلت تشاد نحو نصف مليون نازح، ومصر استضافت عددًا مقاربًا عبر المنافذ الحدودية بينما يصعب تقدير حجم الهجرة غير الشرعية إلى القاهرة، فى وقت كان نصيب كل من جنوب السودان وإثيوبيا آلافًا عدة.

على صعيد النزوح الداخلى، فر السودانيون أكثر من مرة فى أنحاء التراب الوطنى السودانى، خصوصًا إلى مدن الفاشر وعطبرة ودنقلا وود مدنى، بحثًا عن مناطق آمنة بعد توسع العمليات العسكرية لتصل إلى عواصم إقليم دارفور وولاية شمال كردفان وكذلك ولاية الجزيرة فى وسط السودان.

وطبقًا لتقارير الأمم المتحدة، تضاعفت حالة انعدام الأمن الغذائى تقريبًا، مما أثر فى أكثر من 20.3 مليون شخص بمن فيهم 700 ألف طفل أصبحوا معرضين لخطر سوء التغذية الحاد والموت، وتفاقمت هذه الحال إلى حد كبير، إذ دعا برنامج الأغذية العالمى الأطراف المتحاربة فى السودان إلى تقديم ضمانات فورية لإيصال المساعدات الإنسانية بصورة آمنة ومن دون عوائق إلى المناطق المتضررة من النزاع، بخاصة عبر خطوط النزاع، حيث يعانى النازحون المحاصرون الجوع من دون أن تتمكن المنظمات الإغاثية من الوصول إليهم بالمساعدات المنقذة للحياة.

وربما تكون آثار الصراع السودانى على نفوس البشر من الأمور المسكوت عنها، فشكلت الحرب المفاجئة ونزوح السكان تحت مظلة الهلع اضطرابات واسعة على المستوى النفسى، وتفيد بعض التقارير الصادرة عن جهات متخصصة بأن 60 فى المئة من السكان السودانيين يحتاجون إلى عون نفسى متخصص نتيجة صدمة الحرب وما صاحبها من مظاهر عنف وابتزاز مارسها السودانيون ضد بعضهم بعضًا، ذلك أن الاضطرابات النفسية تهدد حياة المئات ومستقبل كثير من الأطفال فى ظل الاستجابة المحدودة للمنظمات الدولية لهذا التهديد، باعتبار أنها تركز أنشطتها على معالجة الآثار الرئيسة للنزاع وتتجاهل المصابين بصدمات نفسية وحالات مشابهة، وعلى رغم هرب الآلاف من مسرح القتال فإن بعضهم يحتاج إلى الدعم النفسي.

وتشير الخبرات الميدانية الشخصية إلى أن غالبية اللاجئين السودانيين فى القاهرة يعانون ظروفًا إنسانية واجتماعية صعبة تتدرج فى صعوبتها طبقًا للملاءة المالية للأسر على الصعيدين الاقتصادى والإنسانى، نتيجة خروجهم المفاجئ من بلادهم تحت صدمة الحرب، وتجلى تشتت الأسر وانقسامها طبقًا لظروف الحصول على تأشيرات الدخول، وكذلك فى توقف العملية التعليمية لأطفال وشباب كثر نتيجة الكلفة الاقتصادية العالية لغالبية المدارس السودانية فى القاهرة، وعدم وجود برامج محددة من جانب مفوضية اللاجئين أو الحكومة المصرية لاستيعابهم فى منظومة التعليم الرسمى المصرى، وربما ذلك ما يدفع فئات محدودة من بعض المراهقين والشباب إلى الدخول فى أنشطة متعلقة بالمخدرات أو إدمانها نتيجة عدم تحمل الصدمة، أو عدم القدرة على الاستمرار فى نمط الحياة وظروف المعيشة المعتادة، فضلًا عن ظواهر المرض أو الوفاة المفاجئة.

إجمالًا تبدو المحاولة الراهنة من جانب المجتمع الدولى لإنقاذ السودان عبر دعم متطلبات الأمن الإنسانى فى مؤتمر باريس غير كافية وربما تكون مهددة بالفشل، إذ تم استقبال جهود باريس على أرضية الاستقطاب السياسى والعسكرى، وكذلك فإن مهمات توصيل الإغاثة الإنسانية ستكون مرهونة بإرادة الأطراف المتصارعة، من هنا فإنه لا مناص من حلول سياسية تفاوضية تتطلب جهودًا إقليمية ودولية متواصلة. 