غضب عالمى ضد إسرائيل وتحركات لدعم فلسطين
داليا طه
كشفت المواقف الدولية العزلة الدبلوماسية المتزايدة لإسرائيل مع دخول الحرب فى غزة شهرها الثامن، خاصة أن إسرائيل لديها أزمة سياسية بالفعل مع التغيير الواضح فى المواقف الأوروبية، التى لم تعد تتبنى الرواية الإسرائيلية، بعد شروع إسرائيل فى قتل أكثر من 36 ألف فلسطينى وإمعانها فى التدمير لكل مناطق قطاع غزة.
أسبوع النكسات الدبلوماسية لإسرائيل سلط الضوء أيضًا على مدى غضب الرأى العام الدولى ضدها منذ أن أرسلت إسرائيل قواتها إلى رفح فى وقت سابق من مطلع الشهر الماضى، على الرغم من التحذيرات المتكررة من منظمات الإغاثة من التكلفة الإنسانية الكارثية لمثل هذه الخطوة، ومناشدات حتى من أقرب حلفائها، الولايات المتحدة، بعدم اجتياح رفح.
الموقف الأوروبى ابتعد بشكل كامل عن تبنى نفس الرؤية الأمريكية حول أزمة غزة الجارية، وهو ما دفع حتى من قبل جوزيب بوريل، ممثل السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى لمطالبة إدارة بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف هذه الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية التى يعيشها سكان قطاع غزة.
كما أنه مهما اتخذت إسرائيل من خطوات لقتل حل الدولتين، فإن مصر والقوى العربية والدولية لن تسمح لها بذلك، وهو ما انعكس فى تحويل إسرائيل لأن أصبحت دولة معزولة ومنبوذة عالميا.
وقالت شيلا بايلان، الخبيرة فى القانون الدولى وحقوق الإنسان، لصحيفة فاينانشال تايمز: «إن هناك زخمًا قانونيًا فى الوقت الحالى من كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وهو زخم هائل للغاية. إن الأمر بوقف العمليات العسكرية هو بيان قوى للغاية ورسالة بأن هناك تخلى صارخ وواضح عن إسرائيل وموقفها العدوانى بشأن غزة».
تحدى العالم
إسرائيل لا تزال على إصرارها فى تحدى العالم حتى بعدما تلقت العديد من الضربات الدبلوماسية والقضائية فى الأسبوع الماضى، وكان آخرها أمرًا بضرورة وقف الهجمات على مدينة رفح بجنوب قطاع غزة على الفور.
وقد حذرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، من أن العالم ينبذ إسرائيل على نحو غير مسبوق، بسبب العدوان المتواصل على غزة، منذ 7 أكتوبر الماضى، وخلف دمارًا هائلًا فى القطاع، وتشريد سكانه، وما يزيد على 120 ألف شهيد وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وذكرت الصحيفة أن العالم يقف ضد إسرائيل بطريقة غير مسبوقة، مشيرةً إلى أن إعلان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، طلبه إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، يعد وصمة عار على جبين إسرائيل.
كما أشارت إلى قرار محكمة العدل الدولية، الذى يأمر إسرائيل بوقف عدوانها على رفح الفلسطينية، والسماح بإعادة فتح معبر رفح من الجانب الفلسطينى الذى يسيطر عليه جيش الاحتلال، أمام المساعدات الإنسانية.
ولفتت الصحيفة إلى أن القرارات التى اتخذها «مسئولو الاحتلال» بشأن العدوان على غزة، ساهمت بقوة فى دفع العالم إلى نبذ إسرائيل.
وذكرت الصحيفة، أن إسرائيل عندما شرعت فى عدوانها على غزة، لم تفعل ما يكفى لإعطاء الانطباع بأنها مهتمة بالسكان الفلسطينيين بشكل عام، مشيرة إلى تصريحات مسؤولى الحكومة الإسرائيلية، بقطع الاحتياجات الأساسية عن القطاع.
كما أشارت الصحيفة إلى أن التصريحات التى تصنف كل سكان غزة هدفًا عسكريًا مشروعًا لم تتوقف، وزادت الأمور سوءًا، كما فعلت لقطات هذا الأسبوع لشاحنات المساعدات وهى تتعرض للنهب على يد المتطرفين اليمينيين الإسرائيليين.
وانتقدت «جيروزاليم بوست» رفض نتنياهو، الدعوات الدولية لوقف العدوان على غزة، قائلة: «إن النهج الذى يدعو إليه البعض بأن إسرائيل ستقاتل بمفردها إذا اضطرت لذلك، هو نهج خطير ومتهور».
وأضافت الصحيفة: «إننا نعيش فى عالم يتزايد فيه الترابط والاعتماد المتبادل.. فلا يمكننا القيام بذلك بمفردنا، ولا نريد أن نخسر حلفاءنا القريبين والبعيدين، فهذه ببساطة ليست طريقة استراتيجية للعمل. إن المواقف الانعزالية لن تحقق لنا ما نريد».
وتساءلت الصحيفة: «كيف وصلنا إلى هنا؟ إن الدعم والتعاطف اللذين كانا حاضرين فى 7 أكتوبر أصبحا همسات فى مهب الريح الآن». وقالت إن «جزءًا من الإجابة هو أن أخطاء ارتكبها المسؤولون الإسرائيليون، ويبدو أنها لا تتوقف».
تنديد أممى
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز إن «إسرائيل كثّفت هجماتها على مدينة رفح بعد أن أمرتها محكمة العدل الدولية بوقف عملياتها فى المدينة».
وأضافت ألبانيز: «الأنباء التى تصل إليّ من الناس المحاصَرين فى مدينة رفح مروعة. إسرائيل لن توقف هذا الجنون، سنوقفه نحن».
ودعت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى فرض عقوبات على إسرائيل وحظر تزويدها بالأسلحة وتعليق العلاقات السياسية والدبلوماسية معها إلى أن «تتوقف عن هجومها».
وفى نفس السياق، دعت خبيرة بالأمم المتحدة إسرائيل إلى التحقيق فى العديد من اتهامات المعاملة الوحشية والمهينة وغير الإنسانية لمعتقلين فلسطينيين، بعد هجوم حماس فى السابع من أكتوبر.
وقالت أليس جيل إدواردز المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب إنها تلقت ما يقال عن تعرض المعتقلين للضرب والإبقاء عليهم معصوبى الأعين ومقيدين، وهم فى الزنزانات لفترات طويلة. ولم يصدر رد فعل بعد من الحكومة أو الجيش الإسرائيليين. ويقول الجيش إنه يتصرف وفقًا للقانونين الإسرائيلى والدولى، وإن من يعتقلهم يحصلون على الغذاء والماء والدواء والملبس الملائم.
وذكرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة أنها تلقت تقارير عن حرمان بعض المعتقلين من النوم، وتهديدهم بالعنف الجسدى والجنسى وإهانتهم وتعريضهم لأفعال مهينة، منها «التقاط صور ومقاطع فيديو لهم فى أوضاع مهينة».وأضافت إدواردز «أنا قلقة على وجه التحديد من أن هذا النسق من الانتهاكات الذى ظهر، بالتضافر مع انعدام المحاسبة والشفافية، يهيئ بيئة سانحة لمزيد من المعاملة المسيئة والمهينة للفلسطينيين».
وتابعت: «يتعين على السلطات الإسرائيلية التحقيق فى جميع شكاوى وتقارير التعذيب أو إساءة المعاملة بسرعة وحيادية وفعالية وشفافية. يجب محاسبة المسئولين على جميع المستويات، بما فى ذلك القادة، ولدى الضحايا الحق فى التعويض، وعلاج الضرر».
اعتراف رسمى
وتتعرض الولايات المتحدة إلى ضغوط دبلوماسية غير مسبوقة جراء دعمها لإسرائيل، ومن شأن إحالة الأمم المتحدة لقرار محكمة العدل الدولية بشأن رفح إلى مجلس الأمن أن يفرض مزيدا من التحديات على واشنطن.
وقد اعترفت مدريد ودبلن وأوسلو رسميا ابدولة فلسطين فى قرار أثار غضب إسرائيل الذى ترى فيه «مكافأة» تُمنح لحركة حماس فى خضم الحرب فى قطاع غزة.
وأكد رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز فى إعلان مقتضب بالإسبانية والإنجليزية أن الاعتراف بدولة فلسطين «ضرورى لتحقيق السلام» مشددا على أن القرار لم يتخذ «ضد أى طرف خصوصا ليس ضد إسرائيل».
وأضاف أن الاعتراف بدولة فلسطين يعكس «رفضنا التام لحماس التى هى ضد حل الدولتين».
وكان وزير الخارجية الإسبانى خوسيه مانويل ألباريس أكد إلى جانب نظيريه الإيرلندى والنرويجى، أن «الاعتراف بدولة فلسطين إحقاق للعدالة للشعب الفلسطينى».
وتأمل هذه الدول الأوروبية الثلاث واثنان منهما عضوان فى الاتحاد الأوروبى (إسبانيا وإيرلندا)، فى أن تحمل مبادرتها ذات البعد الرمزى، دولا أخرى على الانضمام إليها.
ورغم اعتراف كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطينية مستقلة، وتوقع اتخاذ دول أوروبية نفس الموقف، فإن تعاطى إسرائيل مع مدريد بالتحديد كان أكثر حدة.
فقد أمرت إسرائيل إسبانيا بوقف الخدمات القنصلية المقدمة لفلسطينيى الضفة الغربية اعتبارا من 1 يونيو، بينما لم تتخذ الإجراء ذاته مع البلدين الآخرين.
كما أن إسرائيل أطلقت تهديدات تجاه النرويج وأيرلندا، إلا أن الموقف من إسبانيا حاز على اهتمام أكبر من جانب القائمين على السياسة الخارجية الإسرائيلية، الذين هددوا بتصعيد الإجراءات ضدها.
ويرجع ذلك إلى الموقف الإسبانى المتقدم الذى تلتزم به تجاه القضية الفلسطينية شعبيا وسياسيا، حيث يميل الإسبان تقليديا إلى الفلسطينيين.
فمنذ بدأت إسرائيل هجومها على غزة، ارتفع عدد الإسبان المؤيدين لحل الدولتين إلى 60 بالمئة فى أبريل، من 40 بالمئة عام 2021، بحسب استطلاع أجراه معهد إلكانو الملكى الإسبانى للدراسات الدولية والاستراتيجية.
كما أن سياسة إسبانيا المناصرة للقضية الفلسطينية ازدادت حدة بعد أحداث 7 أكتوبر، بضغط من «شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين» التى تضم أكثر من 40 منظمة اجتماعية وحركة شعبية.
وقد قادت الشبكة احتجاجات شعيبة جابت معظم المدن الإسبانية، مما شكل رأيا عاما قويا يطالب بقطع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل وحظر توجيه الأسلحة إليها.