منتدى التعاون الصينى العربى ..5 معادلات للتعاون وقفزة نحو علاقات أعمق مع الشرق الأوسط ماذا يريد العرب من الصين.. وماذا تريد الصين من العرب؟
هدى المصرى
قبل 8سنوات من الآن، وفى أول زيارة له إلى المنطقة العربية بعد أن تولى رئاسة جمهورية الصين الشعبية، وقف الرئيس الصينى شى جينبينغ ليلقى خطابه الشهير فى مقر الجامعة العربية، قائلا: إن الشرق الأوسط أرض خصبة، لكنها لم تتخلص من ويلات الحرب والصراع حتى اليوم، هذا يؤلمنا بل ويجعلنا نتساءل: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟
بهذه الصيغة تساءل الرئيس الصينى عن مصير الشرق الأوسط، دون أن يترك إجابة هذا السؤال فارغة، حيث سارع شى قائلا: إن المفتاح لتسوية الخلافات فى المنطقة يكمن فى تعزيز الحوار وليس القوة أو فرض الحلول من الخارج. وشدّد آنذاك على أن «المفتاح لفك المعضلة يكمن فى تسريع عجلة التنمية».
اليوم وفى الذكرى العشرين لمنتدى التعاون الصينى العربى، وخلال كلمته فى الجلسة الافتتاحية أمام قادة أربع دول عربية كبرى هم الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى ورئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس التونسى قيس سعيّد، يعيد شى التأكيد على أن «الشرق الأوسط أرض تتمتع بآفاق واسعة للتنمية.. لا ينبغى للعدالة فيها أن تغيب إلى الأبد»، داعيا إلى «عقد مؤتمر سلام دولى واسع النطاق وأكثر موثوقية وفعالية».
بهذه الرؤية لخّص شى سعى الصين لتعزيز العلاقات مع العرب، والانخراط بشكل أكبر مع القضايا السياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط.
فى الوقت نفسه عكس الحضور العربى الرفيع للقادة العرب ووزراء الخارجية والأمين العام لجامعة الدول العربية للمنتدى، رغبة عربية قوية لتعزيز العلاقات مع الصين، وبإن يكون لبكين دور مغاير وصياغة مختلفة لحضورها فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
فالدول العربية التى تدعم بثبات جهود الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى، وتظل تلتزم بمبدأ الصين الواحدة، تنتظر من بكين صيغة جديدة للتعاون والتضامن، أو بمعنى ادق نقلة نوعية فى مجال التعاون والتنمية بين الجانبين، لا سيما فى ظل ما يحيط بالمنطقة العربية من تهديدات متفاقمة ناتجة عن استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وبما أن هذه الدورة هى أول دورة للاجتماع الوزارى للمنتدى تعقد بعد القمة الصينيةـ العربية الأولى الناجحة، فقد أكتسبت أهمية كبيرة لتنفيذ مخرجات القمة الصينيةـ العربية والإسراع فى بناء المجتمع الصينى العربى للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.
ففى نهاية عام 2022 كانت القمة السعودية- الصينية فى الرياض، ومن ثم قمة صينية- عربية.
وخلال هذه الدورة كان هناك اكثر من لقاء مع الزعماء العرب تصدرته قمة مصرية صينية ناجحة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسى وشى جينبينغ تتويجا لمسار طويل من التعاون كانت نتيجته وصول العلاقات المشتركة إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، ورحلة الشراكة هذه لم تنفصل يوما عن المبادرة الصينية «الحزام والطريق»، ولم يكن مفاجئاً أن تنضم مصر الى مجموعة «البريكس» وان تلقى ترحيبًا شديدا من قبل القيادة الصينية التى اعربت عن رغبتها فى تقديم الدعم والمساعدة لمصر، بما يحقق ويدعم برنامجها فى التنمية الاقتصادية.
فبعد أيام قليلة من القمة العربية الثالثة والثلاثين والتى اختتمت أعمالها فى البحرين فى ظل ظروف إقليمية استثنائية بسبب الحرب فى غزة، توجه القادة والوزراء العرب إلى بكين من أجل المشاركة فى الدورة العاشرة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون الصينى العربى.
> حرص صينى على مشاركة الرئيس السيسى
وقبيل انعقاد المنتدى حرص الجانب الصينى على توجيه الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسى للقيام بزيارة لجمهورية الصين وحضور فعاليات منتدى التعاون الصينى العربى، حيث استقبل الرئيس الصينى شى جينبينغ الرئيس عبدالفتاح السيسى بقاعة الشعب الكبرى فى بكين، وأجريت مراسم الاستقبال الرسمية، وتم عزف السلامين الوطنيين واستعراض حرس الشرف، وتلى ذلك عقد مباحثات قمة بين الجانبين، ولقاءات مع كبار قيادات الدولة الصينية ومناقشة أوجه تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق أوسع للتعاون فى مختلف المجالات، تزامنًا مع الذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين مصر والصين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
> قمة مصرية - صينية
وصدر فى هذا الإطار بيان مشترك يفصّل مجالات التعاون والتنسيق خلال المرحلة المقبلة، بما فى ذلك الإعلان عن عام «الشراكة المصرية الصينية»، الذى سيشهد العديد من فعاليات التعاون الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين.
وتناولت المباحثات رؤى البلدين بالنسبة للتطورات الدولية والإقليمية، حيث شدد الرئيس السيسى على ضرورة وقف الحرب فى غزة، مؤكداً الخطورة البالغة للعمليات العسكرية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية، على الأصعدة الإنسانية والأمنية والسياسية، وما تسفر عنه من مآسى إنسانية وسقوط ضحايا، وآخرها القصف المتعمد لمخيم للنازحين الذى نتجت عنه كارثة إنسانية مفجعة.
وأشاد الرئيس الصينى فى هذا السياق بدور مصر المحورى وجهودها الدؤوبة للتهدئة وإنفاذ المساعدات الإنسانية، واتفق الرئيسان على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً، ورفض التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، مؤكدين أن تطبيق حل الدولتين هو الضامن الرئيس لاستعادة الاستقرار وإرساء السلم والأمن الإقليميين.
كما ناقش الجانبان الأوضاع فى القارة الإفريقية، وسبل تعزيز التعاون بين البلدين بما يدعم جهود القارة التنموية، حيث حرص الرئيس على تأكيد الأولوية القصوى لضمان الأمن المائى المصرى.
وشهد الرئيسان عقب ذلك مراسم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون بين البلدين، من بينها خطة التطوير المشترك لمبادرة الحزام والطريق، وتعزيز التعاون فى مجال الابتكار التكنولوجى وتكنولوجيا الاتصالات، وعدد من مجالات التعاون الأخرى.
>5 معادلات استراتيجية للتعاون
وكما كان مُتوقعًا فقد سيطرت مجالات التعاون الاقتصادى وتطورات الحرب فى غزة على مناقشات القادة، سواءً الثنائية، أو تلك المُنعقدة ضمن فعاليات الدورة العاشرة لاجتماع المنتدى الوزارى وبحسب نائب وزير الخارجية الصينى «دنغ لي»، ارتكز الاهتمام خلال الاجتماعات على تنفيذ توافق القادة، وتوسيع التعاون بين الصين والدول العربية فى مختلف المجالات، مع تسريع بناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربى، وذلك عبر مناقشة ثم اعتماد ثلاث وثائق رئيسية: «إعلان بكين»، و«البيان المشترك بشأن القضية الفلسطينية»، و«البرنامج التنفيذى لمنتدى التعاون العربى الصينى بين عامى 2024 و2026».
وأكد الرئيس الصينى أن بلاده والدول العربية «سيبنيان إطاراً أكثر توازناً للعلاقات الاقتصادية والتجارية التى تعود بالنفع على الجانبين»، محدداً ما وصفه بـ«5 معادلات للتعاون» بين بكين والدول العربية.
وحدد الرئيس الصينى، خلال كلمته أمام المنتدى الوزارى العربى الصينى، ما وصفه بـ«5 معادلات» لمجالات التعاون بين الصين والدول العربية.
>5 معادلات للتعاون الصينى العربي
1. معادلة «أكثر حيوية» للتعاون المدفوع بالابتكار.
سيتعاون الجانب الصينى مع الجانب العربى فى بناء 10 مختبرات مشتركة فى مجالات تشمل بما فيها الحياة والصحة والذكاء الاصطناعى والتنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والزراعة الحديثة والمعلومات الفضائية؛ ويحرص الجانب الصينى على تعزيز التعاون مع الجانب العربى فى مجال الذكاء الاصطناعى، للعمل سوياً على تعزيز دور الذكاء الاصطناعى فى تمكين الاقتصاد الحقيقى، والدفع بتكوين نظام الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعى، والذى يقوم على توافقات واسعة النطاق. ويحرص الجانب الصينى على التعاون مع الجانب العربى فى بناء مركز مشترك لرصد الحطام الفضائى ومركز للتعاون والتطوير لتطبيقات نظام بيدو، وتعزيز التعاون فى مجالى الفضاء المأهول والطائرات المدنية.
2. معادلة «أكبر حجماً» للتعاون الاستثمارى والمالى
يحرص الجانب الصينى على إنشاء منتدى التعاون القطاعى والاستثمارى مع الجانب العربى، ومواصلة دفع زيادة عضوية لرابطة المصارف الصينية العربية، وتسريع وتيرة تنفيذ مشروعات التعاون فى إطار القروض الخاصة لدفع العملية الصناعية فى الشرق الأوسط والقروض الخاصة لدفع التعاون المالى بين الصين والدول العربية».
كما يدعم الجانب الصينى تعزيز التعاون بين المؤسسات المالية للجانبين، ويرحب بالدول العربية لإصدار «سندات الباندا» فى الصين، ويرحب بالمؤسسات المصرفية العربية للانضمام إلى نظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود (CIPS)، ويحرص على تعميق التواصل والتعاون مع الجانب العربى فى مجال العملات الرقمية للبنوك المركزية.
3. معادلة «أكثر تكاملاً» للتعاون فى مجال الطاقة.
سيواصل الجانب الصينى تعزيز التعاون الاستراتيجى مع الجانب العربى فى مجال النفط والغاز، لربط أمن التموين بأمن السوق، يحرص الجانب الصينى على التعاون مع الجانب العربى فى البحث والتطوير لتقنيات الطاقة الجديدة وإنتاج المعدات المعنية لها. سيدعم الجانب الصينى شركات الطاقة والمؤسسات المالية الصينية للمشاركة فى مشاريع الدول العربية للطاقة المتجددة التى تتجاوز إجمالى قدرتها المركبة 3000 ميجاوات.
4. معادلة «أكثر توازناً» للتعاون الاقتصادى والتجارى المتبادل المنفعة.
سيواصل الجانب الصينى العمل بنشاط على تنفيذ مشاريع التعاون الإنمائى التى تبلغ قيمتها 3 مليارات يوان بعملة الرنمينبى؛ ويحرص على تسريع وتيرة المفاوضات مع الجانب العربى حول اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية، وتعزيز بناء آلية الحوار للتعاون فى التجارة الإلكترونية. يرحب الجانب الصينى بالمشاركة العربية النشطة فى معرض الصين الدولى للاستيراد، ويحرص على زيادة استيراد المنتجات غير الطاقوية وخاصة المنتجات الزراعية والغذائية من الجانب العربى
5. معادلة «أوسع أبعاداً» للتواصل الثقافى والشعبي
يحرص الجانب الصينى على إنشاء «المركز الصينى العربى لمبادرة الحضارة العالمية»، وزيادة الحجم والتأثير لمركز الدراسات الصينى العربى للإصلاح والتنمية، وتسريع وتيرة بناء منصات مثل الرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية ومنتدى تنمية الشباب الصينى العربى والرابطة الصينية العربية للجامعات ومركز الدراسات الصينى العربى للتعاون الثقافى والسياحى.
وسيدعو الجانب الصينى 200 مسؤول من الأحزاب السياسية العربية كل عام لزيارة الصين، ويبذل جهوداً مع الجانب العربى فى وصول العدد الإجمالى للسياح المتوجهين إلى الطرف الآخر فى غضون السنوات الخمس المقبلة إلى 10 ملايين سائح.
>توافق مصرى صينى
كذلك تصدرت الحرب الإسرائيلية على غزة ، ملفات المنتدى ، إذ جدد الرئيس الصينى دعمه لحصول فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، داعياً إلى عقد «مؤتمر سلام دولى أوسع نطاقاً وأكثر موثوقية وفعالية».
وبشأن ما وصفه بـ«القضايا الساخنة»، أعرب شى عن استعداد بكين للعمل مع الجانب العربى على «إيجاد حلول تسهم فى الحفاظ على الإنصاف والعدالة وتحقيق الأمن والأمان الدائمين، على أساس احترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام الخيارات المستقلة لشعوب العالم واحترام الواقع الموضوعى الذى تم تشكيله فى التاريخ».
وقد جاءت دعوته متزامنة ومتوافقة تماما مع الرؤية المصرية و دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى المجتمع الدولى إلى ضمان عدم تهجير الفلسطينيين «قسراً» من قطاع غزة.
إذ أكد الرئيس السيسى خلال المنتدى مطالبته المجتمع الدولى بالعمل دون إبطاء على النفاذ الفورى والمستدام للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة لوضع حد لحالة الحصار الإسرائيلية والتصدى لكل محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين من أراضيهم».
>ماذا يريد العرب؟
ولكن يبقى السؤال الذى يلقى بظلاله على منتدى التعاون الصينى العربى ، والذى سبقه استعدادات عربية وصينية كبيرة لهذا الحدث الهام.. ماذا يريد العرب من الصين.. وماذا تريد الصين من العرب؟
يذهب الخبراء إلى إن أهمية المشاركة العربية فى هذا المنتدى، هى أنه مثّل منذ إنشائه عام 2004، «خطوة مهمة لتعزيز علاقات التعاون العربية مع الصين، وذلك بعد صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى فى العالم، وما صاحبه من تنام فى علاقات التعاون الاقتصادى والتبادل التجارى بين الدول العربية والصين»، ومن هذا المنطلق تنظر مصر إلى المنتدى كإطار «للارتقاء بالتعاون السياسى بين الجانبين العربى والصينى ليصبح على مستوى التعاون الاقتصادى والتجاري». هذا بالإضافة إلى أن «الصين هى عضو دائم فى مجلس الأمن وقوة كبرى فى عالمنا اليوم، وبالتالى ضمان استمرار دعمها القضايا العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية هو هدف محورى يساهم المنتدى فى تحقيقه»، وأن ما هو منتظر من الصين «مزيد من الدعم للقضايا العربية العادلة وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، ثم مزيد من الانخراط الإيجابى لدعم التنمية والسلام فى الشرق الأوسط.
فالقضية الفلسطينية هى ركيزة القضايا العربية، وهذه مسألة يبدو واضحاً أن الجانب الصينيّ يعى أهميتها جيداً، إذ أعلن نائب وزير الخارجية الصينى دينغ لى، قبل انعقاد المنتدى، أن هدف المؤتمر «تعميق التوافق بين الصين والدول العربية والتكلم بصوت واحد بين الصين والدول العربيّة بشأن القضيّة الفلسطينيّة».
وبكين لا تقدم نفسها فقط على أنها كانت دوماً داعمة للقضيّة الفلسطينيّة و»حل الدولتين»، بل كوسيط نزيه قادر على الجمع والتوفيق بين الأطراف المتنازعة، كما حصل العام الماضى من خلال رعايتها المصالحة السعودية الإيرانية.
> اهتمامات بكين
فى المقابل يعكس الاهتمام الصينى باستمرار زخم التعاون مع الجانب العربى إدراكها أهمية المنطقة العربية داخل خريطة التفاعلات العالمية. هذه الأهمية التى تشكلت فى أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، حين التزمت الدول العربية تبنى نهج الحياد وعدم الاستجابة لمطالبات الجانب الغربى بقيادة الولايات المتحدة بالاصطفاف ضد روسيا، وبالتبعية ضد الصين، رغم التزام الأخيرة بمبدأ الحياد.
وفى ظل تنامى المنافسة الأمريكية الصينية، تتضاعف أهمية المنطقة العربية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية فى مجالات التجارة، والطاقة، والبنية التحتية، والاستثمار، والتكنولوجيا، أو على مستوى متعدد الأطراف، بما يُمكن الصين من حشد الرؤى والجهود الهادفة إلى تحقيق رؤيتها لنظام عالمى متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الغربية المُقيدة لحضور الصين العالمى.>