الدوافع الإنسانية المعلنة ليست سوى للتضليل هل تستغل أمريكا «ميناء غزة» للسيطرة على «غاز المتوسط»؟!

مرڤت الحطيم
تمثل وعود الرئيس الأمريكى جو بايدن بتخفيف حدة الأزمة الإنسانية فى قطاع غزة اختبارا خصوصا مع إعلانها البدء قريبا باستخدام الرصيف البحرى لاستقبال المساعدات، إلا أن صعوبات التوزيع تطارد الفلسطينيين، لوجود مشكلات عالقة لم تحل بعد. وفق ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال. وسيمثل افتتاح الرصيف العائم، الذى بنته الولايات المتحدة بتكلفة قدرها 320 مليون دولار، أول استخدام رئيسى لطريق بحرى لتوصيل المساعدات إلى غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، إذ يتطلب الأمر جهود مئات الجنود والعديد من السفن ومهمة تدعمها منظمات إنسانية والعديد من الدول، بينها إسرائيل.
لكن الولايات المتحدة تأمل أن تبدأ استخدام الرصيف لتوصيل المساعدات الإنسانية فى خلال الأيام القادمة، وفقا لبيان البيت الأبيض بعد أن أعلن بايدن خطط إدارته بشأن ذلك الميناء، فى مارس الماضى خلال خطاب حالة الاتحاد. ويأتى افتتاح الرصيف فى وقت حرج من الحرب المستمرة منذ أكثر من 7 أشهر فى غزة، إذ بدأت إسرائيل عملياتها العسكرية فى مدينة رفح، جنوب القطاع، مما يهدد نقطتى عبور المساعدات الرئيسيتين.
وعن المشكلات العالقة مع اقتراب دخول الرصيف البحرى مرحلة التشغيل، قال مسئولون أمريكيون للصحيفة الأمريكية إن التفاصيل الرئيسية وبينها كيفية توزيع المساعدات بمجرد وصولها إلى الشاطئ لم يتم تسويتها بعد. ولم تحدد الولايات المتحدة خطة لكيفية تخزين المساعدات وتأمينها وتوزيعها بمجرد نزولها إلى البر، ولكن مسئولين أمريكيين قالوا لوول ستريت جورنال إنهم يخططون للعمل مع برنامج الأغذية العالمى التابع لهيئة الأمم المتحدة. لكن الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بات رايدر، قال إن الوكالة الأممية ستنضم إلى الجهود اللوجيستية خلال الأيام القادمة، فيما قال مسئولون فى الأمم المتحدة، إن الخطة لا تزال فى طور الإعداد وإنهم لم يطلعوا على المناقشات حول كيفية عمل الممر البحرى. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون الانتهاء من بناء الميناء العائم قبالة قطاع غزة، لكن الأحوال الجوية الحالية لا تسمح بنقل المنشأة إلى موقعها المحدد. وفى نفس الإطار، قال شيجال بوليڤارتى نائب المتحدث باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، الحكومية الرائدة فى مجال المساعدات الإنسانية لوول ستريت جورنال، إن هناك حرفيا ومجازيا الكثير من القطع المتحركة التى تحتاج إلى تجميعها معا حتى يكون الرصيف فعالا. بدوره، قال مسئول رفيع فى الأمم المتحدة، إنه إذا كان من المتوقع أن نستقبل ونفرغ السفن المحملة بالمساعدات الإنسانية، والتى ستكون بلا شك موضع ترحيب، فإننا نريد فقط أن نعرف كيف يتوقع منا إنجاز هذه المهمة. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية، قالت إنها ستنسق الجهود اللوجيستية بين الجيشين الأمريكى والإسرائيلى والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بمساعدة الجيش الإسرائيلى فى قبرص، حيث تصل المساعدات ويتم تفتيشها، من قبل جنرال فى الجيش الأمريكى متمركز فى قاعدة حتسور الجوية بالقرب من أسدود فى إسرائيل. وقال الجيش الإسرائيلى، إنه يعمل عن كثب مع نظرائه الأمريكيين، ويعد منطقة على مساحة 67 فدانا فى غزة لتلقى المساعدات الإنسانية، لكنه رفض التعليق بشأن من سيكون مسؤولا عن توزيع المساعدات داخل غزة.
وعلى الجانب الآخر، أعرب مسئولون رفيعو المستوى فى الولايات المتحدة، عن مخاوفهم من أن يضاعف الرصيف حجم عمل المنظمات الإنسانية التى تعمل على الأرض فى غزة، ومن أن يؤدى عمل الولايات المتحدة مع الجيش الإسرائيلى إلى انتهاك مبدأ الحياد فى الحرب، وفقا لوول ستريت جورنال. من جانبه قال الناطق باسم برنامج الأغذية العالمى مارتن بينر إن نظام الأمم المتحدة الأكبر، سيعمل مع الولايات المتحدة على الممر البحرى شريطة معالجة مخاوف الأمم المتحدة بشأن الحياد والأمن، وتوسيع نطاق الوصول البرى. ومع بقاء أيام قليلة على تشغيل الرصيف، فقد أثار عدم وجود خطط ملموسة لتأمين وتوزيع المساعدات مخاوف بعض المسئولين فى الحكومة الأمريكية.
وعلى جانب آخر، لا يساور أى فلسطينى أى شك فى أن إسرائيل تبحث عن وسيلة يمكن من خلالها تنفيذ هدفها «الحقيقى والاستراتيجى من وراء الحرب، وهو تهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة؛ وأن اللجوء إلى ممر بحرى يكون عادة فى ظل استحالة استخدام الممرات البرية، لكن فى حالة قطاع غزة هناك معابر ميسرة وسهلة وتحتاج فقط لقرار إسرائيلى لإعادة عملها، مما يؤكد أن هذه الخطوة التى كلفت الإدارة الأمريكية 320 مليون دولار لا يمكن أن تقتصر على الأهداف الإنسانية فقط؛ وأن الشكوك تمتد إلى السيطرة على مصادر الغاز فى البحر المتوسط، فضلا عن تعزيز محاولات إسرائيل نفض يدها من المسئولية المدنية تجاه الفلسطينيين فى القطاع لتبقى سيطرتها العسكرية والأمنية بدون أى تكاليف.
ويصر الاحتلال على إخلاء مسئوليته المدنية وإبقاء مسئوليته العسكرية، وبالتالى هو يتجه لعدم تشغيل معابره مع غزة بانتظام واللجوء إلى جهات دولية وممر بحرى ليكون العالم هو المسؤول عن توفير متطلبات حياة الغزيين وليس إسرائيل. وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بدء أعمال بناء الرصيف البحرى قبالة ساحل غزة الذى سيستقبل سفن الشحن لتوصيل المساعدات عن طريق البحر؛ ولا ننسى الأهداف الخاصة بفصل غزة عن الكيان الفلسطينى بالضفة الغربية، وهو هدف أساسى لدى رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، لإفشال أى مشروع سياسى لإقامة دولة فلسطينية، من خلال إبعاد أى وجود فلسطينى رسمى بالقطاع وتحميل مسؤوليته لإدارة دولية. ويعتبر الفلسطينيون أن موقع الرصيف البحرى قبالة القاعدة العسكرية التى يقيمها الجيش الإسرائيلى ويوسعها بشكل مستمر لعزل شمال القطاع عن جنوبه، يعكس إمكانية إطالة أمد الحرب وتعزيز وجود إسرائيل العسكرى فى غزة.
وكانت قد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بدء أعمال بناء الرصيف البحرى قبالة ساحل غزة الذى سيستقبل سفن الشحن لتوصيل المساعدات عن طريق البحر. من جانبها، قالت حركة المقاومة حماس إنها ستعامل القوات الأمريكية التى تعمل حول الرصيف بوصفها قوة احتلال، فى تهديد ضمنى بشن هجمات ضدها. ولا توجد جهة واضحة على الأرض لتأمين توزيع المساعدات مما يفرض مشاكل أخرى. ففى فبراير الماضى لقى أكثر من 100 فلسطينى مصرعهم، عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار أثناء انتظارهم للحصول على مساعدات من قافلة إغاثة. كما تتعدد المخاطر المحتملة المرتبطة بالرصيف على نحو كبير، حيث لقى نحو 200 عامل إغاثة حتفهم فى غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، بينهم 7 من العاملين فى وورلد سنترال كيتشن.
أما عن المشكلات البيئية؛ يواجه الرصيف العائم أيضا العديد من المشكلات البيئية المعقدة، إذ حذر مسئولون عسكريون من أن تؤدى المياه المتلاطمة فى البحر الأبيض المتوسط إلى تدمير الرصيف أو إلحاق أضرار به، ما يجعله مكانا غير آمن لتواجد أشخاص عليه، فيما أرجأ الجيش الأمريكى تركيب الرصف بسبب أحوال الطقس. وحتى بعد تهيئة وتشغيل الرصيف، فإن توافر إمدادات ثابتة من المساعدات عن طريق البحر يبقى غير مضمون، حيث لا يوجد فى قبرص سوى 8 آلاف منصة نقل مساعدات، وهى إمدادات لا تفى سوى باحتياجات بضعة أيام لـ 2.2 مليون نسمة يعيشون فى غزة. قالت قبرص إن شحنة ثانية من المساعدات سيتم إرسالها إلى قطاع غزة فى الأيام القادمة عن طريق البحر. وقال المسئولون الأمريكيون إنه لم يتضح بعد للمخططين كيفية تقديم مساعدات إضافية لمواصلة عمليات التسليم، وحتى إذا تم معالجة هذه المشكلة، فإن قدرة الرصيف محدودة مقارنة بقدرة المعابر البرية، والتى توفر طريقة أقل تكلفة وأكثر فاعلية لتقديم المساعدات الإنسانية. ووفقا لمسئولين، فإن الرصيف البحرى سيمكن فى البداية نحو 90 شاحنة مساعدات إنسانية من الدخول إلى غزة يوميا، ثم يزداد هذا العدد بعد فترة وجيزة ليصل إلى 150 شاحنة يوميا.
وهنا يوجد سؤال يفرض نفسه وهو ما هى الدوافع الأمريكية لإنشاء الممر البحرى على شاطئ غزة؛ فنجد أن هناك العديد من الأهداف غير المعلنة والمغلفة بغطاء الإنسانية الزائف؛ أولا، قد تهدف واشنطن من خلال الممر البحرى من تحقيق العديد من الأهداف السياسية التى تتمثل فى تعزيز نفوذها فى منطقة البحر المتوسط ضد محاولات التمدد الروسى فى سوريا وليبيا من ناحية. ومن ناحية أخرى ضد النفوذ الصينى المتزايد فى المنطقة، حيث تتخوف واشنطن من تنامى الاهتمام الصينى بالتواجد فى الموانئ المطلة على المتوسط. كذلك من المرجح أن واشنطن تريد تأمين أحد أبرز الممرات التجارية المرتقبة والذى تم الإعلان عنه فى سبتمبر 2023 فى قمة مجموعة الـ 20 بالهند، حيث اتفق كل من الولايات المتحدة، والسعودية، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبى على توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادى جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذى سيكون فى مواجهة مشروع الحزام والطريق الصينى، حيث تهدف واشنطن إلى إضعاف المبادرة الصينية من خلال إيجاد طرق تجارية بين أسواق الشرق والغرب. وثانيا، قد تتخذ الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية ذريعة لعسكرة المنطقة لتطويق التواجد الإيرانى فى المنطقة، خاصة مع تأكيد الولايات المتحدة على تواجد جنود أمريكيين لحماية الميناء هذا فضلا عن إشارة بعض التقارير إلى أنه من الممكن نشر قوات بريطانية على الأرض فى قطاع غزة للمساعدة فى توصيل المساعدات عبر الممر البحرى. إذ أوضح وزير الخارجية البريطانى ديڤيد كاميرون أن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة لفتح ممر بحرى لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة، وهو ما يؤكد ارتباط المصالح البريطانية بالتحركات الأمريكية فى المنطقة من ناحية. ويؤكد من ناحية أخرى على أن دمج فرق التخطيط العسكرى البريطانية المتخصصة داخل مقر العمليات الأمريكى فى تامبا بولاية فلوريدا وكذلك فى قبرص لعدة أسابيع من شأنه أن يساهم فى بسط نفوذ بريطانيا فى قبرص مع امتلاكها إلى قاعدة عسكرية هناك. وقد استخدمت لندن قاعدة أكروتيرى لتنفيذ عدد من العمليات العسكرية البريطانية والأمريكية فى الشرق الأوسط، منها عمليات إستهدفت ليبيا وسوريا والعراق، ومنها الغارات الجوية التى استهدفت الحوثيين فى الفترة الأخيرة. وذلك فى ظل غضب واستياء الشعب القبرصى من استخدام أراضى نيقوسيا كنقطة انطلاق لهذه الهجمات، حيث واجهت حكومة قبرص احتجاجات واسعة فى بداية العام الجارى.
وثالثا، لا تقتصر الأهمية الاستراتيجية لهذه الخطوة على الجانب الإنسانى فقط بل تمتد لتشمل التدريب على عملية قتالية قد تلعب دورا محوريا فى حال اندلاع نزاع مسلح بمضيق تايوان. إذ يظهر الأسطول الأمريكى من خلال هذه المهمة، قدرته على إقامة جسور بحرية تتحدى العقبات اللوجستية وتعزز من فاعلية القوات الأمريكية فى مواجهة التحديات العسكرية، خاصة أن هذا الممر يعد جزءا من نظام الرصيف العائم المشترك عبر الشاطئ JLOTS، الذى من شأنه أن يسهل على السفن تفريغ المساعدات الإنسانية، كما أنه يعتبر خيارا استراتيجيا يعزز من قدرات البنتاجون ويوفر له مرونة أكبر فى التعامل مع الأزمات.
ورابعا، تسعى واشنطن أيضا أن تكون جزءا فاعلا من تفاعلات منطقة شرق المتوسط، لتأمين مصالح شركاتها العاملة فى مجال الطاقة وتأمين مصالح حلفائها الاستراتيجيين فى المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، التواجد فى البحر المتوسط الذى قد يساعد واشنطن على احتواء التوترات إذا تجددت بين تركيا واليونان وقبرص، حيث بالتأكيد يريد بايدن ضمان المحافظة على وتيرة التهدئة بين هذه الدول الآن خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية. ومن الجدير بالذكر، فقد أشارت بعض التقارير أيضا إلى أنه بعد الانتهاء من بناء الميناء، سيتم تشغيل مطار ياسر عرفات كما سيتم إنشاء جزيرة صناعية بعد ذلك بهدف التحايل على الميليشيات الحوثية التى تعمل على شن هجمات فى البحر الأحمر.
وخامسا، توجد أهداف اقتصادية يعتقد أنها قد تكون ضمن الدوافع التى دفعت واشنطن لإنشاء هذا الممر البحرى أهمها موارد الغاز الطبيعى وطرق التجارة الدولية بالمنطقة. كما أشار البعض أن واشنطن تريد تخفيف الحصار عن الموانئ الإسرائيلية التى تعرضت للإجتياحات والإغلاقات مثل ميناء إيلات التجارى وميناء أشدود وميناء عسقلان.
وهناك العديد من الدلائل التى تؤكد ذلك أولها التحايل الأمريكى؛ ففى الوقت الذى تسعى فيه واشنطن إلى إنشاء الممر البحرى لزيادة حجم المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وافق الكونجرس الأمريكى على تزويد إسرائيل بمساعدات بحجم 26.4 مليار دولار فى 20 من أبريل 2024. كذلك، استخدمت الولايات المتحدة الڤيتو ضد المقترح الجزائرى حول منح فلسطين عضوية كاملة فى الأمم المتحدة فى 19 أبريل، مما يوضح دعم واشنطن لتل أبيب فى حربها على قطاع غزة وأن دوافعها المعلنة من إنشاء الممر البحرى ليست سوى للتضليل ولتحسين صورتها أمام المجتمع الدولى والداخل الأمريكى المستاء من إدارة بايدن لملف غزة خاصة عقب الاحتجاجات الأخيرة التى تشهدها الجامعات الأمريكية مما يعكس محاولة الرئيس الأمريكى لاسترضاء القاعدة الانتخابية المحلية التى يكاد يخسرها.