إيران بعد مصرع رئيسى ماذا سيحدث خلال الـ50 يومًا القادمة؟

أثار مصرع الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى فى حادث تحطم مروحية تساؤلات كبيرة حول مستقبل القيادة فى إيران التى أمامها فترة 50 يومًا فى غاية الخطورة لاستعادة التوازن.
فمع اقتراب المرشد الأعلى على خامنئى من نهاية فترة حكمه بسبب تقدمه فى العمر وضعف حالته الصحية، أصبحت مسألة الخلافة أكثر إلحاحًا من أى وقت مضى، خاصة أن رئيسى كان أقرب المرشحين لخلافة المرشد.. وتعتبر هيكيلية السلطة فى إيران عملية معقدة تتداخل فيها التنافسات السياسية والطموحات الشخصية.
وكان إبراهيم رئيسى يُعتبر أحد أبرز المرشحين لخلافة خامنئى. وأدى فوزه فى انتخابات 2021 إلى سيطرة غلاة المحافظين على جميع أذرع السلطة، وذلك بعد ثمانى سنوات من حكم الرئيس حسن روحانى والتفاوض على اتفاق نووى مع واشنطن.
لكن مكانة رئيسى ربما تكون قد تأثرت باحتجاجات حاشدة مناهضة لحكم رجال الدين بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أمينى (22 عامًا) وهى رهن احتجاز شرطة الأخلاق، وتدهور الوضع الاقتصادى المتضرر بشدة جراء العقوبات الغربية.
النظام السياسى
النظام السياسى فى إيران مقسم بين المؤسسة الدينية والحكومة، حيث يكون للزعيم الأعلى سلطة اتخاذ القرار فى جميع السياسات الرئيسية.
وفى ظل ضعف خامنئى الصحى، زادت التكهنات حول من سيخلفه.
وأظهرت تقارير أن خامنئى البالغ من العمر 85 عامًا يعانى من مشاكل صحية متزايدة، مما يعزز الحاجة الملحة لتحديد خليفة له لضمان استقرار النظام.
الشخصيات الرئيسية
مجتبى خامنئى: نجل المرشد الأعلى، وهو رجل دين مؤثر يساهم فى إدارة مكتب والده. يُعتبر من المرشحين الأبرز لخلافة والده، ويحظى بدعم الفصيل المتشدد داخل النظام.
محمد باقر قاليباف: رئيس البرلمان الإيرانى الحالى، ويملك قاعدة شعبية كبيرة داخل النظام. شغل مناصب عدة فى السابق، بما فى ذلك عمدة طهران وقائد شرطة العاصمة.
حسن روحانى: الرئيس الإيرانى السابق المحسوب على التيار الإصلاحى.
غلام حسين محسنى إيجه: عالم دين وسياسى إيرانى ورئيس السلطة القضائية الإيرانية. تولى وزارة الاستخبارات والأمن القومى لجمهورية إيران الإسلامية من 2005 حتى 2009 فى فترة رئاسة محمود أحمدى نجاد.
كان إبراهيم رئيسى مفضلًا من الفصيل المتشدد داخل النظام. وشغل منصب رئيس السلطة القضائية فى إيران، حيث أشرف على بعض من أشد عمليات القمع ضد المعارضة. فى عام 2019، قاد السلطة القضائية فى حملة قمع واسعة ضد المتظاهرين والنشطاء. وكان رئيسى فى زيارة للحدود الأذربيجانية لافتتاح سد مشترك عندما وقع الحادث.
هناك حالة من الغموض فى إيران وأسئلة تطرح بشأن وضوح استقرار المؤسسات وتداول السلطة، وهو أمر مثير للقلق للدول المجاورة التى ترى أن سلامة النظام مهم لها.
حسن روحانى، وهو أحد الأسماء المطروحة لتولى منصب المرشد، يواجه معضلة لأن عمامته بيضاء وليس من السادة الهاشميين الذين يعتمدون العمامة السوداء فى المذهب الشيعى الاثنى عشرى.
كما أن السؤال الأساسى ليس فقط حول رئاسة الجمهورية وإنما حول مستقبل منصب المرشد الأعلى، مما يعنى أن الخمسين يوما المقبلة هى الأخطر فى تاريخ إيران منذ وصول الخمينى للبلاد عام 1979.
صراع الخلافة
المعركة بين المحافظين التقليديين مثل رئيسى ورئيس مجلس الشورى الإسلامى محمد باقر قاليباف، وبين المحافظين الجدد مثل قادة جبهة صباح إيران، تُعتبر معركة حقيقية.
كان رئيسى يشكل نقطة توازن بين القوى المتصارعة داخل النظام الإيرانى، والفراغ الذى تركه ليس بسبب خصاله وإنما لكونه شكل نقطة توازن بين الحرس الثورى والمرشد الأعلى وأجهزة المخابرات والقضاء والعديد من الأجسام السياسية فى النظام الإيرانى.
وكان مجلس الخبراء، الذى يعين المرشد الأعلى، يدرس وضع اسم مجتبى خامنئى لتوليه المنصب، لكن خامنئى رفض ذلك بشكل قاطع لأن مجتبى هو سياسي ابن الرئيس السابق لفيلق القدس بالحرس الثورى قاسم سليمانى وليس ابن خامنئى.
وعمل خامنئى ما بوسعه لإيصال رئيسى إلى ما وصل إليه وأعطاه ما لم يعط أحدًا من الرؤساء على مستوى تشكيل الحكومة، وكانت هناك هندسة مديدة ليكون هذا الرجل مستقبل إيران لكنها شطبت فى لحظة درامية.
الانتخابات الأخيرة
شهدت الانتخابات الأخيرة فى إيران فوز غلاة المحافظين بـ35 مقعدا من أصل 45 مقعدا، ما يعكس الصراع الداخلى بين الفصائل المختلفة.
هناك معركة أخرى فى الشارع، وخاصة أن الرئيس الأسبق محمد خاتمى لم يصوت فى الانتخابات الأخيرة وأصدر بيانًا يؤكد فيه أن التصويت لا قيمة له، مما يعكس حالة الاستياء فى أوساط النخبة السياسية.
ويثير مصرع الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى فى حادث تحطم مروحية تساؤلات حول المستقبل السياسى للبلاد. ومع ذلك، لا يتوقع العديد من الخبراء حدوث تغييرات سياسية جوهرية. لماذا؟
الظروف التى أحاطت بمصرع الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى لا تزال غير واضحة تماما، وترى ساره بازوبندى، الخبيرة فى الشأن الإيرانى لدى المعهد الألمانى للدراسات الدولية والإقليمية (GIGA) أنه من المرجح أن تثار الآن في إيران تكهنات كثيرة بشأن حادثة تحطم الطائرة ومقتل رئيسى.
وتقول فى حوارها لوكالة الأنباء الألمانية «قد يكون السبب حادثًا أو بسبب قِدم وتهالك المواد، ولكن أيضًا يمكن أن يكون تخريبًا، ربما من البيئة السياسية لرئيسى. لا يمكن استبعاد أى شيء، وكل شيء ممكن».
ومن هنا ينظر الإيرانيون بترقب وحذر للأيام والأسابيع القادمة، التى سيتم خلالها توضيح وكشف ملابسات تحطم مروحية رئيسي التى كان على متنها وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أيضا وتسعة أشخاص آخرين.
الحفاظ على النظام
فى الأثناء يحاول النظام أن يُبقى الحياة طبيعية ويحافظ على الهدوء فى البلاد. فقد جاء فى بيان للحكومة «نؤكد أنه لن تكون هناك أى مشكلة فى إدارة البلاد». كذلك أكد مجلس صيانة الدستور جاهزيته للحفاظ على سير شئون البلاد، بالقول «بعون الله سيستمر تسيير أمور الأمة والشعب دون أى انقطاع».
أما صلاحيات الرئيس فقد نقلت إلى نائبه محمد مخبر بداية، والذى تلقى أمرًا من المرشد الأعلى آية الله على خامنئى بتنظيم انتخابات رئاسية خلال 50 يوما. وتعيين مخبر قد يعنى أنه سيكسب نفوذا سياسيا أكبر مستقبلا، نظرا لعلاقته الجيدة مع الحرس الثورى، حسب ما جاء فى تغريدة للباحث فى الشأن الإيرانى لدى المعهد الألمانى للسياسة الدولية والأمن فى برلين (SWP)، حميد رضا عزيزى.
وترى خبيرة الشأن الإيرانى، ساره بازوبندى، أنه من المرجح جدا إجراء انتخابات جديدة خلال المهلة المحددة أى 50 يوما، وتضيف بأنه «يمكن للمرء أن يتوقع أن هذه المرة أيضا لن تكون هناك انتخابات شرعية تعكس قرار الشعب، ستكون انتخابات صورية».
وبالفعل ذكر تقرير إخبارى أنه تم تحديد يوم 28 يونيو المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية الإيرانية لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفًا لرئيسى.
وستجرى الانتخابات فى أوقات عصيبة جدا للنظام ولكل البلاد. ففى هذه العام يتوقع مركز المعلومات الاقتصادية الألمانى للتجارة والاستثمار (GTAI) أن تصل نسبة التضخم فى إيران إلى 40 بالمائة، ونسبة البطالة إلى أكثر من 10 بالمائة.
كما أن أحكام الإعدام أيضا زادت فى إيران، فحسب منظمة العفو الدولية تم تنفيذ 853 حكم إعدام العام الماضى، وأغلبها مرتبطة بتجارة المخدرات.
وبعد إعدام ستة رجال على خلفية الاحتجاجات الواسعة التى شهدتها إيران عام 2022 ورجل آخر تم إعدامه بسبب احتجاجات نوفمبر2019، حسب العفو الدولية، يواجه النظام النساء المحتجات أيضا بعنف وقسوة شديدة.
وهذا يمكن أن يؤدى إلى مشاركة ضعيفة فى الانتخابات المرتقبة حسب بازوبندى «إنهم (الناس) لا يثقون بالنظام وليس لديهم أمل فى التغيير. لذلك يرى الكثير من المواطنين أن نتائج الانتخابات قد تم تحديدها سلفا».
هذا ما يراه الباحث فى الشأن الإيرانى حميد رضا عزيزى أيضا فى تغريدته على موقع X، إذ أن حشد الناخبين خلال 50 يوما القادمة يعتبر تحديا كبيرا، وفى الانتخابات البرلمانية الأخيرة أدلى فقط 8 بالمائة من الناخبين بأصواتهم.
لكن لا يمكن استبعاد أن يثير مصرع رئيسى أزمة خلافته، كما جاء فى تغريدة للمحلل السياسى كريم ساجادبور، الباحث فى معهد كارنغى. والسؤال المثير للاهتمام هو: من يمكن أن يعوض رئيسى؟ حسب رأى بازوبندى التى تجيب بأنه «ليس من المستبعد أن يكون نائبه (محمد مخبر)».
وبما أنه كان ينظر لرئيسى كخليفة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آيه الله على خامنئى (85 عاما)، فإن وفاته يمكن أن تثير النقاش والجدل من جديد حول خلافة خامنئى، الذى ينظر إلى نجله مجتبى كخليفة محتمل له. لكن هذا الأمر يمكن أن يواجه معارضة لدى جزء كبير من الشعب، حسب رأى سجادبور، وفى هذه الحال لا يستبعد حدوث احتجاجات واسعة.
لكن ساره بازوبندى، لا تتوقع حدوث موجة احتجاجات جديدة «فالاحتجاجات التى شهدتها البلاد قبل عامين إثر وفاة جينا مهسا أمينى، قمعها النظام بوحشية، أدت إلى تثبيط عزيمة جزء كبير من المعارضة الشعبية».
لا تغييرات كبيرة
كذلك من المستبعد أن يحدث تغيير فى نهج النظام الإيرانى. «كان رئيسى يحصل على توجيهاته من خامنئى» تقول ساره بازوبندى، وتضيف «إنه كان دمية. وبالنسبة للرئيس القادم لن يكون هناك خلاف يذكر».
ويرى محللون أن الانتخابات الرئاسية المبكرة يمكن أن تمنح خامنئى والسلطات العليا فى البلاد فرصة القيام بتغيير يحفظ ماء وجهها، ويفتح الطريق أمام الناخبين المحبطين للعودة إلى العملية السياسية.
لكن هذا يتطلب قرارا استراتيجيا للقيام بتحول وتوسيع الدائرة السياسية التى كانت تضيق باستمرار. فحتى الآن كانت الطبقة السياسية تميل إلى مضاعفة دعم السلطة المحافظة.
وهذا ما يراه الساسة فى برلين أيضا، فقد نقلت وكالات الأنباء عن خبير السياسة الخارجية فى الحزب الاشتراكى، نيلز شميد، قوله إن «التوجه الأساسى للسياسة الإيرانية سيبقى دون تغيير». وأضاف «النظام الاستبدادى مستقر بما يكفى للتعامل مع مقتل الرئيس». لكن لن يتغير شيء فيما يتعلق بفقدان نظام الملالى للشرعية وعدم القدرة على الإصلاح.