اعتبرها فضيحة تاريخية .. نتنياهو يلجأ لبايدن خوفًا من اعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية

داليا طه
اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن أى قرار من المحكمة الجنائية الدولية لن يؤدى، لا فى لاهاى ولا فى أى مكان آخر، إلى إضعاف تصميم إسرائيل على تحقيق جميع أهداف الحرب بأى شكل من الأشكال.. وقال إن إمكانية إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق قادة عسكريين وسياسيين إسرائيليين فضيحة على نطاق تاريخى.
وقد طلب نتنياهو من الرئيس الأمريكى جو بايدن، المساعدة فى منع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرات اعتقال يمكن أن تستهدفه شخصيًا أو تستهدف وزير الدفاع فى حكومته أو رئيس الأركان، فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة، حسبما نقل موقع «أكسيوس» الأمريكى عن مسئولين إسرائيليين.
وتحقق المحكمة الجنائية الدولية، التى يمكنها توجيه اتهامات للأفراد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية، فى الهجوم الذى شنته حركة «حماس» على إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضى، والحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة والتى دخلت شهرها السابع.
وأى قضية جنائية أمام هذه المحكمة ستكون منفصلة عن القضية التى تقدمت بها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، وتتهم فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية فى غزة، وهو ما تنفيه تل أبيب.
وقال مسئولون أمريكيون، إنهم ليس لديهم مؤشر واضح على ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية ستصدر مذكرات توقيف، لكنهم قالوا إن مكتب المدعى العام للمحكمة يتعرض لـ«ضغوط من منظمات غير حكومية والعديد من الدول الأعضاء فى المحكمة الجنائية الدولية للقيام بذلك».
وبذل نتنياهو جهودًا كبيرة فى الأيام الأخيرة لمنع هذا التطور المحتمل، وأجرى اتصالات مكثفة خاصة مع واشنطن لمنع صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، بما فى ذلك محاولات الضغط على الرئيس الأمريكى جو بايدن بشكل غير مباشر.
خلال أسبوع
وهناك تقديرات بأن يصدر المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة أركان الجيش هرتسى هاليفي. وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن تداعيات أوامر الاعتقال التى قد تصدر فى مايو الجارى، «ستكون مدمرة بعدما سينظر لإسرائيل كلها بأنها مجرمة حرب».
وكخطوة استباقية، شرعت تل أبيب فى عدة إجراءات ضد هذه الخطوة، حيث من المتوقع أن يناقش نتنياهو هذه القضية مع رؤساء دول هولندا والتشيك والنمسا، وسيجرى وزير الشئون الإستراتيجية رون ديرمر، وسفير تل أبيب لدى واشنطن مايك هرتسوغ، محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، بغية الضغط على أمريكا لاستخدام حق النقض «الفيتو» سعيًا لمنع صدور أوامر الاعتقال.
مخاوف حقيقية
وقال محلل إسرائيلى ،عميت سيغل، إنه من المستحيل أن يتخذ المدعى العام مثل هذه الخطوة التى وصفها بـ«الدراماتيكية» دون «الضوء الأخضر» من الأمريكيين، وهو ما يعكس التأزم المتواصل بالعلاقات بين تل أبيب وواشنطن فى وقت حساس للغاية، عشية التوغل البرى فى رفح.
وقالت محللة الشئون القانونية فى القناة 11 الإسرائيلية تمار ألموغ، إن الحكومة الإسرائيلية تبدى قلقها وخشيتها من مغبة أن تؤثر عملية التوغل البرى للجيش الإسرائيلى فى رفح على الساحة القانونية الدولية ضد إسرائيل، وخاصة فى لاهاى، وهو ما قد يدفع المحكمة لإصدار أمر بوقف إطلاق النار فى غزة.
وتجمع التقديرات على أن أوامر الاعتقال ستؤثر مباشرة فى اقتصاد إسرائيل والتجارة والطيران والسياحة وعلى المجالات كافة، وعلى صورة إسرائيل فى العالم، كما أن التقديرات لا تستبعد أن تدفع مثل هذه الأوامر دولًا عدة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وعزلها للضغط عليها لوقف الحرب.
ويعتقد الباحث فى الشأن الإسرائيلى أنطوان شلحت أن مسالة صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية، ينظر إليه فى تل أبيب على أنه قضية فى غاية الجدية، ويربك الساحة الإسرائيلية الداخلية.
وأشار شلحت إلى أن المشاورات الإسرائيلية المكثفة لقيادة الجيش ومجلس الحرب ومجلس الأمن القومى وديوان رئيس الوزراء تؤكد أن المسألة جدية، وأن تل أبيب تنظر إلى قرارات الجنائية الدولية بعين من الريبة، حيث سيكون لقرارات المحكمة وأوامر الاعتقال بحال صدرت عنها، تداعيات فى إسرائيل على جميع المستويات والأصعدة.
ضغوطات إضافية
ولفت الباحث بالشأن الإسرائيلى إلى أن أوامر الاعتقال بمثابة خطوة مهمة تندرج ضمن الضغوطات الدولية والخارجية، التى يعول عليها من أجل وقف الحرب وجرائم الإبادة التى ترتكبها إسرائيل فى غزة، خصوصًا أن الضغوطات الداخلية الإسرائيلية تتمحور حول إعادة المختطفين وليس وقف القتال.
وأوضح شلحت أن الإدارة الأمريكية لا تمارس ضغوطات كافية على إسرائيل لوقف الحرب، فهى لا تعارض الحرب، بل تتباين المواقف بين تل أبيب وواشنطن بشأن سير الحرب والعملية البرية العسكرية فى رفح. ويقول الباحث شلحت «يتم التعويل على الرأى العام الدولى والاحتجاجات بالجامعات حول العالم وخاصة بأمريكا، وهو الحراك الذى يقلق إسرائيل»، وهو ما انعكس فى تصريحات وتحريض نتنياهو ضد الاحتجاجات التى تشهدها الجامعات الأمريكية.
ويعتقد شلحت أن ما يرشح عن إجراءات قد تتخذها المحكمة الدولية ضد قادة إسرائيل، والاحتجاجات فى الجامعات الأمريكية التى تعيدنا إلى مشاهد الاحتجاجات التى ساهمت فى حينها بإسقاط «نظام الأبارتايد» فى جنوب أفريقيا، تعد بمثابة مؤشرات لبداية فرض عزلة دولية على إسرائيل بمختلف الأصعدة والمجالات.
الأثر الداخلى
وتبنى الطرح ذاته المحلل السياسى عكيفا إلدار، الذى يعتقد أن أى قرارات قد تصدر عن المحكمة فى لاهاى، وخاصة إذا تضمنت أوامر اعتقال لقيادات إسرائيلية سياسية وعسكرية ستزيد من الضغوطات الخارجية على إسرائيل، التى قد تجد نفسها فى عزلة بحال واصلت الصدام مع واشنطن، خصوصًا فى ظل تأزم العلاقات بين البلدين على خلفية تباين المواقف من عملية عسكرية برية واسعة فى رفح.
وفيما يخص تداعيات الحديث عن أوامر الاعتقال، أوضح إلدار أن الكثير من الضباط والجنود فى الجيش الإسرائيلى أخذوا يستعينون بخدمات طواقم من المحامين، للترافع عنهم وتمثيلهم قبالة لجان الفحص الداخلية ولجان التحقيق التى يجريها الجيش الإسرائيلى، ويعتقد المحلل السياسى أن هذا السعى، يأتى من أجل تحصين ذاتهم من أى مسالة، فى حال كانت هناك إجراءات بالمحكمة الدولية ضدهم.
وأوضح إلدار أن هذا الإجراء يعكس انعدام الثقة ما بين المستوى العسكرى والسياسى بإسرائيل، بكل ما يتعلق بتحمل المسئولية بشأن الحرب، فى حال واصلت الجنائية الدولية مناقشة التهم الموجهة لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وبالإبادة الجماعية حسب الدعوى التى قدمتها جنوب أفريقيا.
ويرى إلدار أن أوامر الاعتقال ضد القادة الإسرائيليين، قرارات جدية تندرج فى سياق الحملة الدولية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب. وأشار إلى أن هناك شبه إجماع بالمشهد السياسى الإسرائيلى بشأن استمرار الحرب، وأن أصوات المعارضة تدفع فى اتجاه استمرار الحرب لإطلاق سراح المختطفين وليس إنهاء الحرب والانسحاب من غزة.
وأوضح المحلل السياسى ذاته أن الحراك بالداخل الإسرائيلى ضعيف جدًا، ويركز على ملف المختطفين، ولا يشكل ضغطًا من شأنه أن يجبر حكومة نتنياهو على وقف الحرب، ولفت إلى أن وقفها سيؤدى إلى إنهاء حكومة الطوارئ وتفكيك الائتلاف الحكومى الأساسى، خصوصًا أن رئيس «الصهيونية الدينية» الوزير بتسلئيل سموتريتش، ورئيس «عظمة يهودية» الوزير إيتمار بن غفير، أكدا الانسحاب من الحكومة بحال توقفت الحرب.